Al-Istinbaatat wal-Fawaid As-Sa'diyah min As-Suwar wal-Aayat Al-Qur'aniyah
الاستنباطات والفوائد السعدية من السور والآيات القرآنية
Yayıncı
دار الصميعي للنشر والتوزيع
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٤٢ هـ- ٢٠٢١ م
Türler
المقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أَمَّا بعدُ: فقد امتنَّ اللهُ تعالى على الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ﵀ بدقة الاستنباط من سُور وآيات القرآن الكريم، حتى إنه أحيانًا يُوَفَّقُ لاستنباط ما يَصل إلى خمسين فائدة.
وقد يَسَّر الله تعالى تتبع هذه السُّور والآيات التي وقف عندها واستنبط منها الفوائد، وتَمَّ حصرها وترتيبها على شكل دروس؛ فتُدَوَّن الآية أو الآيات في أعلى الصفحة، ثم يَليها سردُ ما ذُكر فيها من فوائد، وتَمَّ ترقيمها لِيَسهل على القارئ ضبطُها.
وفيما يلي جدول يُبين السُّور والآيات التي استنبط منها فوائد كثيرة تزيد على عشر فوائد:
من آية ٦ من المائدة … ٥١ فائدة
من سورة يوسف … ٤٥ فائدة
من آية ٢٨٢ - ٢٨٣ من البقرة … ٣٧ فائدة
من آية ٦٠ - ٨٢ من الكهف … ٣٧ فائدة
من آية ١ - ٥٠ من القصص … ٣٤ فائدة
من آية ١٧ - ٤٩ من ص … ٢٥ فائدة
1 / 5
من آية ٢٤ - ٣٧ من الذاريات … ١٦ فائدة
من آية ٨٤ - ٩٥ من هود … ١٤ فائدة
من آية ١٢ من المائدة … ١٢ فائدة
من آية ٥٨ - ٥٩ من النور … ١٢ فائدة
من آية ٣٧ من الأحزاب … ١١ فائدة
وقد تَمَّ نقلُ هذه الفوائد من تفسير الشيخ ابن سعدي ﵀ المَوسوم بـ «تيسير الكريم الرَّحمن في تفسير كلام المنان»، والنسخة المعتمدة في نقل هذه الفوائد هي الصادرة عن دار ابن الجوزي، والتي اعتنى بها الأستاذ سعد بن فواز الصميل وَفَّقَه الله، الطبعة الخامسة، ١٤٤٠ هـ، وإليها تَمَّ عزوُ الأجزاء والصفحات في آخر كلِّ درس؛ فالرقم الأول للجزء، والذي يليه للصفحة فيه.
أسألُ اللهَ تعالى أن يجعل عملَنا كُلَّه صالحًا ولوجهِه خالصًا، ورحم الله الشيخ عبد الرحمن السعدي، وأسكنه فسيح جناته، وبالله التوفيق.
وصَلَّى اللهُ وسَلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
• • •
1 / 6
من أقوال العلماء في امتياز الشيخ عبد الرحمن السعدي ﵀ بدقة الاستنباط
قال الشيخ عبد الله بن عقيل ﵀:
- «اهتمَّ بترسيخ العقيدة السَّلَفِيَّة والتوجه إلى الله، واستنباط الأحكام الشرعية والقواعد الأصولية والفوائد الفقهية» (^١).
- «أهمُّ شيء سلامتُه من تأويلِ آيات الصِّفات؛ حيث فَسَّرها على منهج السلف، إضافة إلى ما فيه من الاستنباطات الدقيقة، وذِكر ما يُستفاد من كل آية يَمر بها في موضعها دون الإحالة إلى موضع آخر» (^٢).
وقال الشيخ محمد بن عثيمين ﵀:
«مِنْ أحسن التفاسير، له ميزات كثيرة: .... ومنها: دقة الاستنباط فيما تدل عليه الآيات من الفوائد والأحكام والحِكَم، وهذا يظهر جليًّا في بعض الآيات؛ كآية الوضوء في سورة المائدة، حيث استنبط منها خمسين حُكْمًا، وكما في قصة داود وسليمان ﵉ في سورة ص» (^٣).
_________
(^١) تفسير ابن سعدي بهامش المصحف، تحقيق: عبد الرحمن المطيري، طبعة مؤسسة الرسالة، صفحة (٩).
(^٢) تفسير ابن سعدي، طبعة دار ابن الجوزي، صفحة (أ).
(^٣) تفسير ابن سعدي بهامش المصحف، تحقيق: عبد الرحمن المطيري، طبعة مؤسسة الرسالة، صفحة (١١).
1 / 7
وقال الشيخ بكر أبو زيد ﵀:
«ضَمَّن -رحمه الله تعالى- تفسيرَه كثيرًا مِنْ جلائل المعاني، ودقائق الاستنباط مِنْ آيات الذِّكْر الحكيم والقرآن المجيد» (^١).
• • •
_________
(^١) تفسير ابن سعدي، طبعة دار ابن الجوزي، صفحة (د).
1 / 8
مختارات من أقوال
الشيخ السعدي ﵀ في تَدَبُّر القرآن الكريم
- «يأمر تعالى بِتَدَبُّرِ كتابه، وهو التأمل في معانيه وتحديق الفِكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم ذلك؛ فإن في تدبر كتاب الله مفتاحًا للعلوم والمعارف، وبه يُستنتج كلُّ خير، وتُستخرج منه جميع العلوم …». [١/ ٣٢٩].
- بعد أن استنبط مِنْ آية الوضوء في سورة المائدة إحدى وخمسون فائدة قال: «ينبغي للعبد أن يتدبر الحِكَم والأسرار في شرائع الله، في الطهارة وغيرها؛ ليزداد معرفة وعلمًا، ويزداد شُكرًا لله ومحبة له على ما شَرَعَه من الأحكام التي تُوَصِّل العبد إلى المنازل العالية الرفيعة». [١/ ٤٠٣].
- «عِلْمُ القرآن أَجَلُّ العلوم وأبركها وأوسعها، وأنه به تحصل الهداية إلى الصراط المستقيم هداية تامَّة لا يحتاج معها إلى تخَرُّص المُتَكَلِّفين ولا إلى أفكار المُتفلسفين، ولا لغير ذلك من علوم الأَوَّلين والآخرين». [١/ ٥٢٦].
- «ينبغي للعبد أن يتعاهد إيمانه ويُنَمِّيه، وأن أولى ما يحصل به ذلك تدبر كتاب الله تعالى والتأمل لمعانيه». [٢/ ٦٠٦].
- «… هذا وإذا نظرتَ إلى الدليل العظيم والأمر الكبير- وهو تدبر هذا القرآن العظيم والتأمل في آياته- فإنَّه الباب الأعظم إلى العِلْم بالتوحيد، ويَحصل به من تفاصيله وجُمَلِه ما لا يحصل من غيره». [٤/ ١٦٥٨ - ١٦٥٩].
• • •
1 / 9
الدرس ١
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)﴾ [سورة الفاتحة].
قال رَحِمَه اللهُ تَعالى:
فهذه السُّورة -على إيجازها- قد احتوت على ما لم تَحْتَوِ عليه سورةٌ من سُور القرآن.
١ - فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية يُؤخذ من قوله: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)﴾، وتوحيد الإلهية وهو إفراد الله بالعبادة، يُؤخذ من لفظ: ﴿اللَّهِ﴾ ومن قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، وتوحيد الأسماء والصفات، وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى؛ التي أثبتَها لنفسه وأثبتها له رسوله ﷺ، من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تَشبيه، وقد دل على ذلك لفظ: ﴿الْحَمْدُ﴾، كما تقدم.
٢ - وتضمنت إثبات النبوة في قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)﴾؛ لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة.
٣ - وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)﴾، وأن الجزاء يكون بالعدل؛ لأن الدِّينَ معناه الجزاء بالعدل.
٤ - وتضمنت إثبات القَدَر، وأن العبد فاعل حقيقة، خلافًا للقَدَرِيَّة والجَبْرِيَّة.
1 / 11
٥ - بل تضمنت الردَّ على جميع أهل البدع والضلال في قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)﴾؛ لأنه معرفة الحق والعمل به. وكلُّ مبتدع وضال فهو مخالف لذلك.
٦ - وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى؛ عبادة واستعانة في قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)﴾، فالحمد لله رب العالمين. [١/ ٣٣ - ٣٤].
• • •
1 / 12
الدرس ٢
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣١) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)﴾ [سورة البقرة].
قال ﵀:
وفي هذه الآيات مِنْ العِبَر والآيات:
١ - إثبات الكلام لله تعالى، وأنه لم يزل متكلمًا؛ يقول ما شاء، ويتكلم بما شاء، وأنه عليم حكيم.
٢ - وفيه أن العبد إذا خَفِيَت عليه حكمةُ الله في بعض المخلوقات والمأمورات؛ فالواجب عليه: التسليم واتِّهام عقله والإقرار لله بالحكمة.
٣ - وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة وإحسانه بهم؛ بتعليمهم ما جهلوا، وتنبيههم على ما لم يعلموه.
٤ - وفيه فضيلة العلم من وجوه:
أ- أن الله تَعَرَّف لملائكته بعلمه وحكمته.
1 / 13
ب- أن الله عَرَّفهم فضل آدم بالعلم، وأنه أفضل صفة تكون في العبد.
ج- أن الله أمرهم بالسجود لآدم؛ إكرامًا له لمَّا بان فضلُ علمه.
د- أن الامتحان للغير إذا عجزوا عما امتحنوا به، ثم عرفه صاحب الفضيلة؛ فهو أكمل مما عرفه ابتداءً.
٦ - الاعتبار بحال أَبَوَي الإنس والجن، وبيان فضل آدم وأفضال الله عليه، وعداوة إبليس له .. إلى غير ذلك من العِبَر. [١/ ٥٥].
• • •
1 / 14
الدرس ٣
قوله تعالى: ﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (٤٧)﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِئَايَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّنَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٦١)﴾ [سورة البقرة].
قال رَحِمَه اللهُ تَعالى:
«… واعلم أن الخطاب في هذه الآيات لأُمَّة بني إسرائيل الذين كانوا موجودين وقت نزول القرآن، وهذه الأفعال المذكورة خُوطبوا بها، وهي فعل أسلافهم، ونُسِبت إليهم لفوائد عديدة:
١ - منها أنهم كانوا يتمدحون ويُزَكُّون أنفسهم، ويزعمون فضلهم على محمد ﷺ ومَن آمن به؛ فبيَّن الله من أحوال سلفهم التي قد تقررت عندهم ما يبين به لكل واحد منهم أنهم ليسوا من أهل الصبر ومكارم الأخلاق ومعالي الأعمال، فإذا كانت هذه حالة سلفهم مع أن المظنة أنهم أولى وأرفع حالة ممن بعدهم؛ فكيف الظن بالمخاطبين؟!
٢ - أن نعمة الله على المتقدمين منهم نعمة واصلة إلى المتأخرين، والنعمة على الآباء نعمة على الأبناء، فخوطبوا بها؛ لأنها نِعَمٌ تَشملهم وتَعُمُّهم.
1 / 15
٣ - أن الخطاب لهم بأفعال غيرهم مما يدل على أن الأمة المجتمعة على دين تتكافل وتتساعد على مصالحها، حتى كأن متقدمهم ومتأخرهم في وقت واحد، وكأن الحادث من بعضهم حادثٌ من الجميع؛ لأن ما يعمله بعضهم من الخير يعود بمصلحة الجميع، وما يعمله من الشر يعود بضرر الجميع.
٤ - أن أفعالهم أكثرها لم يُنكروها، والراضي بالمعصية شريكٌ للعاصي .. إلى غير ذلك من الحِكَم التي لا يعلمها الا الله. [١/ ٦٥ - ٦٦].
• • •
1 / 16
الدرس ٤
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)﴾ [سورة البقرة].
قال ﵀: وأضاف الباري البيتَ إليه لفوائد:
١ - أن ذلك يقتضي شدةَ اهتمام إبراهيم وإسماعيل بتطهيره؛ لكونه بيت الله، فيبذلان جهدهما، ويستفرغان وُسْعَهما في ذلك.
٢ - أن الإضافة تقتضي التشريف والإكرام؛ ففي ضمنها أمر عباده بتعظيمه وتكريمه.
٣ - أن هذه الإضافة هي السبب الجالب للقلوب إليه. [١/ ٩١ - ٩٢].
• • •
1 / 17
الدرس ٥
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٤٣)﴾ [سورة البقرة].
قال ﵀:
أي: شديدُ الرحمة بهم عظيمُها.
١ - فمن رأفته ورحمته بهم: أن يَتم عليهم نعمته التي ابتدأهم بها.
٢ - أن مَيَّز عنهم مَنْ دخل في الإيمان بلسانه دون قلبه.
٣ - أن امتحنهم امتحانًا زاد به إيمانُهم، وارتفعت به درجتُهم.
٤ - أن وَجَّههم إلى أشرف البيوت وأجَلِّها. [١/ ١٠٤].
• • •
1 / 18
الدرس ٦
قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢)﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)﴾ [سورة البقرة].
قال ﵀:
وكان صرفُ المسلمين إلى الكعبة مما حصلت فيها فتنة كبيرة أشاعها أهل الكتاب والمنافقون والمشركون، وأكثروا فيها الكلام والشُّبه؛ فلهذا بَسطها الله تعالى، وبَيَّنها أكمل بيان، وأَكَّدها بأنواع من التأكيدات التي تضمنتها هذه الآيات منها:
١ - الأمر بها ثلاث مرات مع كفاية المرة الواحدة.
٢ - أن المعهود أن الأمر إما أن يكون للرسول ﷺ فتدخل فيه الأمة تبعًا- أو للأمة عمومًا، وفي هذه الآية أَمَر فيها الرسول ﷺ بالخصوص في قوله: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ﴾ والأمه عمومًا في قوله: ﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ﴾.
٣ - أنه ردَّ فيه جميع الاحتجاجات الباطلة التي أوردها أهلُ العِناد وأبطلها شبهةً شبهةً، كما تقدم توضيحها.
1 / 19
٤ - أنه قطع الأطماع من اتباع الرسول ﷺ قِبلة أهل الكتاب.
٥ - قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ فمجرد إخبار الصادق العظيم كافٍ شافٍ، ولكن مع هذا قال: ﴿وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾.
٦ - أنه أخبر وهو العالم بالخفيات أن أهل الكتاب مُتقرر عندهم صحة هذا الأمر، ولكنهم يكتمون هذه الشهادة مع العلم. [١/ ١٠٩].
• • •
1 / 20
الدرس ٧
قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)﴾ [سورة البقرة].
قال ﵀:
ودَلَّت هذه الآية على أن مَنْ لم يصبر فله ضِدُّ ما لَهُم؛ فحصل له الذمُّ من الله والعقوبة والضلال والخسار، فما أعظم الفرق بين الفريقين! وما أقل تعب الصابرين وأعظم عناء الجازعين!
وقد اشتملت هاتان الآيتان على:
١ - توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها؛ لِتَخِفَّ وتَسْهُل إذا وقعت.
٢ - وبيان ما تُقابل به إذا وقعت، وهو الصبر.
٣ - وبيان ما يُعِين على الصبر وما للصابرين من الأجر.
٤ - ويعلم حال غير الصابر بضد حالة الصابر.
٥ - وأن هذا الابتلاءَ والامتحانَ سُنَّةُ الله التي قد خَلَت، ولن تجد لسنة الله تبديلًا.
٦ - وبيان أنواع المصائب. [١/ ١١٥].
• • •
1 / 21
الدرس ٨
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (١٦٩)﴾ [سورة البقرة].
قال رَحِمَه اللهُ تَعالى:
﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (١٦٩)﴾؛ فيدخل في ذلك: القولُ على الله بلا علم في شَرعه وقَدَرِه.
١ - فمَن وصف الله بغير ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ﷺ، أو نفى عنه ما أثبته لنفسه أو أثبت له ما نفاه عن نفسِه؛ فقد قال على الله بلا علم.
٢ - ومن زعم أن لله ندًّا وأوثانًا تُقرب مَنْ عَبَدَها مِنْ الله؛ فقد قال على الله تعالى بلا علم.
٣ - ومن قال: إن الله أحلَّ كذا أو حَرَّم كذا أو أمر بكذا أو نهى عن كذا بغير بصيرة؛ فقد قال على الله بلا علم.
٤ - ومن قال: اللهُ خَلَقَ هذا الصنف من المخلوقات للعلة الفلانية بلا برهان له بذلك؛ فقد قال على الله بلا علم.
٥ - ومن أعظم القول على الله بلا علم: أن يَتأول المتأولُ كلامَه أو كلام رسوله ﷺ على معانٍ اصطلح عليها طائفةٌ من طوائف الضلال ثم يقول: إن الله أرادها.
1 / 22
فالقول على الله بلا علم مِنْ أكبر المحرمات وأشملها، وأكبر طرق الشيطان التي يدعو إليها؛ فهذه طرق الشيطان التي يدعو إليها وجنودُه، ويبذلون مكرهم وخداعهم على إغواء الخلق بما يَقدرون عليه. [١/ ١٢٤ - ١٢٥].
• • •
1 / 23
الدرس ٩
قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)﴾ [سورة البقرة].
قال ﵀: يخبر تعالى بما منَّ به على عباده؛ بأنه فرض عليهم الصيام كما فرضه على الأمم السابقة؛ لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان، وفيه تنشيط لهذه الأمة؛ بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال والمسارعة إلى صالح الخصال، وأنه ليس من الأمور الثقيلة التي اختصيتم بها.
ثم ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام؛ فقال: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)﴾، فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثالَ أمر الله واجتنابَ نهيه.
فمما اشتمل عليه من التقوى:
١ - أن الصائم يترك ما حَرَّم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها التي تميل إليها نفسه؛ متقربًا بذلك إلى الله، راجيًا بتركها ثوابه؛ فهذا من التقوى.
٢ - أن الصائم يُدَرِّبُ نفسه على مراقبة الله تعالى؛ فيترك ما تَهوى نفسه مع قدرته عليه؛ لعلمه باطِّلاع الله عليه.
٣ - أن الصيام يُضَيِّق مجاري الشيطان؛ فإنه يَجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام يضعف نفوذه وتقل منه المعاصي.
1 / 24
٤ - أن الصائم في الغالب تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى.
٥ - أن الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقراء المُعْدَمِين، وهذا من خصال التقوى. [١/ ١٣٥ - ١٣٦].
• • •
1 / 25