Al-Istibsar fi Naqd al-Akhbar - Within 'Athar al-Mu'allimi'
الاستبصار في نقد الأخبار - ضمن «آثار المعلمي»
Araştırmacı
علي بن محمد العمران
Yayıncı
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٣٤ هـ
Türler
الرسالة الأولى
الاستبصار في نقد الأخبار
15 / 3
[ص ١] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أما بعد، فهذه ــ إن شاء الله تعالى ــ رسالة في معرفة الحديث، أتوخّى فيها تحريرَ المطالب، وتقرير الأدلة، وأتتبع مذاهبَ أئمة الجرح والتعديل فيها؛ ليتحرَّر بذلك ما تعطيه كلماتُهم في الرواة.
فإنّ منهم من لا يطلق "ثقة" إلا على مَن كان في الدرجة العُليا مِن العدالة والضبط، ومنهم مَن يطلقها على كلّ عدلٍ ضابط وإن لم يكن في الدرجة العليا، ومنهم من يطلقها على العدل وإن لم يكن ضابطًا، ومنهم مَن يطلقها على المجهول الذي روى حديثًا واحدًا قد تُوبع عليه، ومنهم مَن يطلقها على المجهول الذي روى حديثًا له شاهد، ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى حديثًا لم يستنكره هو، ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى عنه ثقة، إلى غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى.
[ص ٢] وهم ــ مع ذلك ــ مختلفون في الاستدلال على أحوال الرواة؛ فمنهم المبالغ في التثبُّت، ومنهم المسامح. ومَنْ لم يعرف مذهب الإمام منهم ومنزلته من التثبُّت لم يعرف ما تعطيه كلمتُه، وحينئذٍ فإما أن يتوقَّف،
15 / 5
وإما أن يحملها على أدنى الدرجات، ولعل ذلك ظلم لها. وإما أن يحملها على ما هو المشهور في كتب المصطلح، ولعلَّ ذلك رفعٌ لها عن درجتها. وبالجملة، فإن لم يتوقف قال بغير علم، وسار على غير هدى.
وأرجو ــ إذا يسَّر الله ﵎ إتمام هذه الرسالة كما أحبّ ــ أن يتضح لقارئها سبيل القوم في نقد الحديث، ويتبين أن سلوكها ليس من الصعوبة بالدرجة التي يُقطع بامتناعها، وعسى أن يكون ذلك داعيًا لأولي الهمم إلى الاستعداد لسلوكها، فيكون منهم أئمة مجتهدون في ذلك إن شاء الله تعالى.
هذا؛ ونقد الخبر على أربع مراتب:
الأولى: النظر في أحوال رجال سنده واحدًا واحدًا.
الثانية: النظر في اتصاله.
الثالثة: البحث والنظر في الأمور التي تدل على خطأ إن كان.
الرابعة: النظر في الأدلة الأخرى مما يوافقه أو يخالفه.
فلنعقد لكلِّ واحدة من هذه الأربع مقالةً، ونسأل الله ﵎ التوفيق.
15 / 6
[ص ٣] المقالة الأولى: في النظر في أحوال الرواة
شرط قبول الخبر: أن يكون المُخبِر حين أَخبر به مسلمًا بالغًا عاقلًا عدلًا ضابطًا.
الباب الأول: في الإسلام
أما الإسلام فلاشتراطه أدلّة:
منها: أنَّ عامَّة الأدلة على مشروعية العمل بخبر الواحد في الدّين خاصة واردةٌ في خبر المسلم.
ومنها: قول الله ﵎ في المنافقين والرد عليهم: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦١].
أي: ويصدِّق المؤمنين.
ومنها: قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات: ٦].
والكفر أشدّ الفسق قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [الجرز (^١): ١٨ ــ ٢٠].
_________
(^١) كذا في الأصل: "الجُرُز" وقد سمّاها المؤلف كذلك في عدة مواضع من كتبه، ولم أجد من سمى سورة السجدة بهذا الاسم، وقد ورد فيها قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾.
15 / 7
وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾ [البقرة: ٩٩].
والآيات في ذلك كثيرة.
وتبادُر المسلم من نحو قولك: "رأيتُ رجلًا فاسقًا" من العُرف الحادث [ص ٤] بعد صدر الإسلام، وسببه: أنه صار الغالب إذا ذُكِر الكافر أن يُذْكر بلفظه الخاص به "كافر" أو ما يعطي ذلك مثل: "يهودي، ونصراني، ومجوسي". وإذا ذُكِر المسلم الذي ليس بعَدْل أن يُذكر بنحو: "فاسق، وفاجر"، ومثل هذا العرف لا يعتدّ به في فهم القرآن.
وغَفَل بعضهم عن هذا فظنَّ أن دخول الكافر في الآية إنما هو من باب الفحوى، قال: لأنه أسوأ حالًا من الفاسق.
ونُوقش في ذلك بأن الفسق مظنة التساهل في الكذب، إذ المانع من الكذب هو الخوف من الله ﷿، ومن عيب الناس، ومرتكب الكبيرة قد دلَّ بارتكابه إياها على ضعف هذا الخوف من نفسه.
وأما الكافر فقد يكون عدلًا في دينه بأن يكون يحسب أنه على الدين الحقّ، ويحافظ على حدود ذلك الدين، ويخاف الله ﷿ والناس بحسب ذلك.
أقول: في هذا نظر؛ فإن الحجة قد قامت على الكافر، فدلَّ ذلك على كذبه في زعمه أنه يعتقد أنَّ دينه حقّ.
15 / 8
والكافر الذي بلغته دعوة الإسلام لا يخلو عن واحد من ثلاثة أمور:
الأول: التقصير في البحث عن الدين الحق.
الثاني: الهوى الغالب.
الثالث: العناد.
ولو برئ من هذه الثلاثة لأسلم، قال الله ﵎: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت (^١): ٦٨ - ٦٩].
[ص ٥] وقد اتفقوا على أنّ من كان مسلمًا مخالطًا للمسلمين، ثم ارتكب كبيرة قد قامت الحجة القاطعة بأنها كبيرة ــ كأن ترك صوم رمضان ــ فهو فاسق، فإن زاد على ذلك فزعم أنه لا حجَّة عنده على تحريم ما ارتكبه كان مرتدًّا، وهو في باب الأخبار أسوأ حالًا من المسلم المرتكب الكبيرة مع اعترافه بأنها كبيرة.
فإن قيل: إننا نجد من الكفار من يبالغ في تحرِّي الصدق والأمانة، حتى إن مَن يَخبر حاله، ويتّبع أخباره، قد يكون أوثق بخبره من خبر كثير من عدول المسلمين.
قلت: وكذلك في فُسّاق المسلمين ممن يترك الصلاة المفروضة ــ مثلًا ــ من يكون حاله في إظهار تحرِّي الصدق والأمانة كحال الكافر المذكور.
_________
(^١) عبارة المؤلف: "خاتمة العنكبوت".
15 / 9
وحل الإشكال من أوجه:
الأول: أنَّ الظاهر من حال الكافر والفاسق الذي يُعرف بتحرِّي الصدق أن المانع له من الكذب الخوف من الناس، وحبُّ السمعة الحسنة بينهم، وعلى هذا فهذا المانع إنّما يؤثر في الأخبار التي يخافُ من اطلاع الناس على جَليَّة الحال فيها، فلا يُؤمن ممن هذا حاله أن يكذب إذا ظن أنه لا يُوقَفُ على كذبه.
فالعدل في خبر هذا أن نتبيّن [ص ٦] فيه، فإن ثبت بدليل موثوق به أنه صَدَق عُمل به لذلك الدليل، وإلا اطُّرح لعدم الوثوق به حينئذٍ.
الوجه الثاني: أنه لا يُسْتنكر من الشارع أن لا يعتدّ بصدق مثل هذا؛ لأنه ليس بصدقٍ يحمده عليه الشارع؛ إذ الباعثُ عليه هو رئاء الناس كما علمت.
الوجه الثالث: أنه لو فُرِض أنه يحصل من الوثوق بخبره كما يحصل بخبر المسلم العدل، فقد يكون الشارع جعل كفرَ هذا الرجل أو فسقَه مانعًا من قبول خبره في الدين؛ زجرًا له، وعونًا له على نفسه، لعله يستنكف من تلك الحال فيتوب، ورفعًا لتلك المرتبة العليّة ــ وهي أن يُدان بخبر الرجل ــ عمن لا يستحقها.
الوجه الرابع: أن السبب الباعث على الحكم قد يكون خفيًّا، أو غير منضبط، فإذا كان هكذا فلو كلَّف الشارعُ الناس ببناء الحكم عليه كان في ذلك مفاسدُ، منها: أنه من باب التكليف بما لا يطاق، ومنها: أنه فتحٌ لباب اتباع الهوى، ولكثرة الاختلاف، ولاتهام الحكام، وغير ذلك.
فاقتضت الحكمةُ أن يبني الشارعُ الحكمَ على أمر آخر يشتمل على
15 / 10
ذلك السبب غالبًا، ثم تكفَّل الله ﷿ بتطبيق العدل بقضائه وقدره.
مثال ذلك: أن السبب الباعث على شرع العقوبة للمذنب هو الذنب، فإذا شُرعت العقوبة على وجهين ــ مثلًا ــ[ص ٧] فإنما ذلك لاختلاف حال ذلك الذنب. فمن ذلك الزنا شُرِع الحدُّ عليه على وجهين:
الأول: الجلد.
الثاني: الرجم.
ولا يخفى أن الجلد أخفّ من الرجم، وأنّ حقّه أن يكون الرجم عقوبة لمن يكون زناه جرمًا أغلظ مِنْ زنا عقوبته الجلد، ولكنَّ الغِلَظَ والخِفَّة في الإجرام بالزنا أمرٌ لا ينضبط؛ لأن شديد الشهوة أقرب إلى العذر من ضعيفها، وشدّتها وضعفُها أمرٌ خفيٌّ وغير منضبط، والعاشق أقرب إلى العذر من غيره، والعشق يخفى ولا ينضبط. والمصادف للمرأة بغتةً أقرب إلى العذر من المتصدّي لها. والعاجز عن التزوّج بالمرأة أقرب إلى العذر من القادر على زواجها، في أمورٍ أخر.
فلذلك علّق الشارع الفرق بالإحصان وعدمه؛ لأن الغالب أن يكون المحصَن أضعف عذرًا من غيره، على أنه قد يتَّفق خلاف ذلك، فقد يكون شابٌّ فقيرٌ، قوي البنية، شديدُ الشهوة، عاشقًا لامرأة عاجزًا عن التزوّج بها، وهو يحبس نفسه عن التعرُّض لها، والقرب من مكانها، ثم حاول أن يدافع داعيته فتزوج امرأة فقيرة، فبات معها ليلة فهلكت، ثم لم يستطع الزواج بغيرها، ولم تزل نفسُه متعلّقة بمعشوقته، فبينا هو ليلةً في خلوة لم يفجأه إلا دخول معشوقته عليه، ورميها نفسها [ص ٨] بين ذراعيه، فلم يتمالك أن كان ما
15 / 11
كان.
وآخر غنيٌّ ضعيفُ البنية، ضعيف الشهوة، لم يتزوّج حتى شاخ وضعف، فتعرَّض مرةً لامرأة لو شاء لتزوّجها، ولكنه لم يلتفت إلى ذلك، بل تَبِعها ووقع عليها.
فظاهرٌ أنَّ ذنب هذا الشيخ الذي لم يُحصَن أغلظ من ذنب ذلك الشاب الذي قد أُحْصِن بدرجات، ولكن مع ذلك حدُّ الشابِّ المحصن الرجم، وحدُّ الشيخ الذي لم يحصَن الجلد.
إلا أننا نقول: إن الحكمة اقتضت في القانون الكلي أن يُناط الفرقُ بالإحصان وعدمه، والله ﷾ هو الرقيب على عباده، يطبق العدل بقضائه وقدره، كأن يستر ذلك الشاب، ويفضح هذا الشيخ، أو غير ذلك، فإنه سبحانه بكل شيء خبير، وعلى كل شيء قدير.
ومن ذلك: القاتل إذا تعمّد الضرب قد تكون عقوبته الدية، وقد تكون القتل قودًا، والمعقول أنَّ جرمه إنما يختلف بأن يكون قَصَد القتل أو لم يقصده، ولكنَّ قَصْده القتل أمرٌ خفيٌّ لا يُعْلَم كما ينبغي إلا بقوله، والقاتل غالبًا يدفع عن نفسه القتل، فهو ــ وإن قصد القتل ــ حريٌّ بأن يقول: لم أقصده، والقرائن عامتها مشتبهة، فناط الشارعُ الفرقَ بأقوى القرائن، وهي الآلة، وموضع الضرب بها، فإن كان الضرب في ذلك المكان بمثل تلك الآلة من شأنه أن يقتل حُكِم [ص ٩] بالقَوَد؛ إذ الغالب أن القاتل قَصَد القتل، وإلا فلا.
وكأنه ــ والله أعلم ــ بناءً على هذا ذهب مالك ﵀ إلى أن الوالد إذا
15 / 12
قتل ولده قِتْلَة شنيعة ــ كأن أضجعه فذبحه ــ وجب القصاص، وإلا فلا. كأنه بنى دفعَ القصاص عن الوالد بأن الغالب أنه لا يقصد القتل، فلم يوجب القصاص عليه إلا في الحال التي يمتنع فيها أن يكون لم يقصد القتل.
هذا وقد يتفق في مَنْ حقّه ــ بحكم الشرع ــ أن يُقاد منه أن لا يكون قصد القتل، وفي مَن حقه أن لا يقاد منه أنه قصد القتل، فمثل هذا يُطبق الله ﷾ العدل فيه بقضائه وقدره.
إذا تقرّر هذا فمظنّة أن لا يكذبَ المخْبِر في خبرٍ عن الشرع مما لا ينضبط، فضبطه الشارع بالإسلام والعدالة، وقد يتفق في المسلم العدل أن يكذب خطأ أو عمدًا، وفي غيره أن يصدق، ولكن الله ﵎ يطبق العدل بقضائه وقدره، فيهدي أهلَ العلم إلى معرفة خطأ ذاك أو عَمْده، ويغنيهم عن خبر الكافر أو الفاسق بأن ييسر لهم علمه من غير طريقه.
فإن قيل: قد لا يهتدي بعضهم إلى الخطأ، وقد لا يقف بعضهم على الدليل.
قلت: إن قصَّر فهو الموقِعُ نفسَه في ذلك، وإن لم يقصّر [ص ١٠] فذلك داخل في تدبير الله ﷿، وتطبيقه العدل والحكمة بقضائه وقدره، والبحث طويل، وفي هذا كفاية إن شاء الله تعالى.
15 / 13
[ص ١١] الباب الثاني: في البلوغ
وأما البلوغ فهو حدُّ التكليف، ولا يتحقق الخوف من الله ﷿ والخوف من الناس إلا بعده؛ لأن الصبي مرفوع عنه القلم فلا يخاف الله ﷿، وكذلك لا يخاف الناس؛ لأنهم إن ظهروا على كذبٍ منه قالوا: صبي، ولعله لو قد بلغ وتمَّ عقلُه لتحرَّز.
ومع هذا فلا تكاد تدعو الحاجة إلى رواية الصبي؛ لأنه إن روى فالغالب أن المرويّ عنه حيّ فيراجع، فإن كان قد مات فالغالب ــ إن كان الصبي صادقًا ــ أن يكون غيره ممن هو أكبر قد سمع من ذلك المخبر أو غيره، فإن اتفق أن لا يوجد ذلك الخبر إلا عند ذلك الصبي، فمثل هذا الخبر لا يوثَقُ به.
هذا وعامة الأدلة على شَرْع العمل بخبر الواحد موردها في البالغين.
15 / 14
الباب الثالث: في العقل
وأمّا العقل فالأمر فيه أظهر، إذ المراد به هنا أن لا يكون مجنونًا، فأما المغفّل فيأتي الكلام فيه في الباب الخامس إن شاء الله تعالى.
15 / 15
[ص ١٢] الباب الرابع: في العدالة
وأما العدالة، فقد قال الله ﷿: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات: ٦]، وقال سبحانه: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢]. وقال تعالى: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥].
والشهادة والحكم كالإخبار، والأصل اتحاد الحكم فيهما وفي الرواية إلا ما قام الدليل على الافتراق فيه.
وقد تقدّم في الكلام على الشرط الأول ما يتعلق بهذا (^١)، فلا حاجة إلى إعادته.
هذا؛ و"العدالة" مصدر عَدُل الرجل صار عادلًا، والعدل في الحكم: الإنصاف فيه، كأنه مِن عَدْل الغرارتين على البعير مثلًا، أي التسوية بينهما حتى تكونا متعادلتين، فيبقى الحمل معتدلًا مستقيمًا لا ميل فيه.
فالعدل في الحكم إذًا: أن ينظر ميل المائل عن الحقّ فيردّه إليه، وحاصله: أن يتحرَّى الحق فيقضي به.
فالعدالة إذًا هي الاستقامة على حدود الشرع.
والفِسْقُ هو: الخروج عن هذه الصفة. قالوا: وأصله من فَسَقت الرطبةُ إذا خرجت عن قشرتها.
هذا، وقد تقرّر في أقوال أهل العلم سلفًا وخلفًا أنّ المعصية الصغيرة لا
_________
(^١) (ص ٥ ــ ٦).
15 / 16
تقتضي الخروج عن العدالة، وقد قال الله ﵎: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ [ص ١٣] وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [النجم: ٣١ ــ ٣٢].
فههنا احتمالان:
الأول: أن يقال: إن الفسوق يختص بالخروج الفاحش، فلا يسمَّى ارتكاب الصغيرة فسوقًا وإن كان عصيانًا، وقد يستدلُّ على هذا بقول الله ﵎ ــ بعد آية ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ ..﴾ الآية ــ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات: ٧].
فكما أن الفسوق أعمُّ من الكفر؛ لأن من الفسوق ما هو دون الكفر، فكذلك يظهر أنّ العصيان أعمُّ من الفسوق، وأنّ من العصيان ما هو دون الفسوق.
الاحتمال الثاني: أن يُقال: الفسوق من الأشياء التي تتفاوت كالعلم مثلًا، فكما لا يوصَف من علم مسألةً أو مسألتين بأنه عالم على الإطلاق، فكذلك لا يوصف من فَسَق بصغيرة أو صغيرتين بأنه فاسق على الإطلاق.
[ص ١٤] والآية الأولى وهي قوله تعالى: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ﴾ إنما بُنيت على من هو فاسق لا على من وقع منه فسوق.
15 / 17
وقال الله ﷿ في سورة الحجرات في سياق الآيتين السابقتين وهما: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ﴾ ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: ١١].
وقال الله ﵎: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٧].
وقال سبحانه: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢].
وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: ٤].
لمّا ذكر الكبيرة الموجبة للحدّ ورد الشهادة قال: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. ولمّا ذكر ما قد يكون دونها ــ أي صغيرة ــ من السخرية بالمسلم، [ص ١٥] ولمزه، ونبزه بلقب، ومضارة الكاتب أو الشاهد، وما قد يقع في الحج من ذلك وما يشبهه سماها: فسوقًا.
* * * *
15 / 18
[ص ٢٧] (^١) فصل ــ ١
الصحابة
اسم الصحابي يعمُّ عند الجمهور كلَّ من رأى النبي ﵌ مسلمًا ومات على ذلك.
والمراد رؤيته إياه بعد البعثة وقبل الوفاة.
والاسم يشمل من ارتدَّ بعد وفاة النبي ﵌ ممن كان قد رآه مسلمًا إذا عاد إلى الإسلام ومات عليه، كطُلَيحة بن خويلد، وعُيينة بن حصن، وأضرابهما.
لكن قضيّة ما نُقِل عن الشافعي وغيره - مِن أنّ الردة تُحبط العمل الصالح قبلها ولو عَقَبَتْها توبة ــ أن هؤلاء لا حظّ لهم في فضل الصحبة.
وذهب الجمهور إلى أن الصحابة كلَّهم عدول، قال ابن الأنباري: "وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم، واستحالة المعصية منهم، وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلُّف للبحث عن أسباب العدالة والتزكية (^٢)، إلا إن ثبت ارتكاب قادح، ولم يثبت ذلك ولله الحمد. فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله ﵌ حتى يثبت خلافه، ولا التفات إلى ما يذكره أصحاب السير، فإنه لا يصح، وما
_________
(^١) هذه الورقة (٢٧) كان قد كتب عليها المؤلف: "الفرع السابع" ثم ضرب عليها وكتب ما هو مثبت، ثم كتب بقلم الرصاص: "من هنا إلى ص ٤٤ محلّه بعد صفحة ١٥".
(^٢) في "فتح المغيث": "وطلب التزكية".
15 / 19
صحَّ فله تأويل صحيح" فتح المغيث (ص ٣٧٨) (^١).
وقال الخطيب في "الكفاية" (ص ٤٦) (^٢): "باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم، وإنما يجب فيمن دونهم ... " فذكر عدة آيات [ص ٢٨] وأحاديث في الثناء عليهم، إلى أن قال: "فهم على هذه الصفة إلا أن يثبت على أحدٍ ارتكاب ما لا يحْتَمِل إلا قصد المعصية، والخروج من باب التأويل، فيُحْكَم بسقوط العدالة، وقد برأهم الله من ذلك، ورَفَع أقدارهم [عنه]، على أنه لو لم يرد من الله ﷿ ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحالُ التي كانوا عليها؛ من الهجرة، والجهاد والنُّصرة، وبذل المُهَج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين= القطعَ على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدَّلين والمُزَكَّين الذين يجيئون مِنْ بعدهم أبد الآبدين".
أقول: أما الآيات فمنها:
﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ
_________
(^١) (٤/ ١٠٠ ــ ط السلفية ببنارس).
(^٢) طبعة دائرة المعارف (ص ٤٦، ٤٩)، وما بين المعكوفين منه.
15 / 20
يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: ٨ ــ ١٠].
[ص ٢٩] ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ١٠٠].
﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٧].
﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ١٨].
﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح (^١): ٢٩].
[ص ٣٠] ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ
_________
(^١) عبارة المؤلف: "خاتمة الفتح".
15 / 21
جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران: ١٧٢ ــ ١٧٤].
﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الحديد: ١٠].
﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٢١، ١٢٢].
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ١١٠].
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣].
[ص ٣١] ومن تدبَّر هذه الآيات وغيرها من القرآن وجدَ الثناء على المهاجرين عامًّا سالمًا من التخصيص، فإذا تتبَّع السنة أيضًا لم يجد ما ينافي ذلك، سوى فلتاتٍ ربما كانت تقع من بعضهم فلا تضرهم.
فمنها: ما جرى منهم يوم بدر، مِنْ ترجيح أخذ الفداء، فأقرّهم الله ﷿ عليه وأنزل: ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
15 / 22
(٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (^١) [الأنفال: ٦٨ ــ ٦٩].
ومنها: تولي بعضهم يومَ أحد فأنزل الله ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ (^٢) [آل عمران: ١٥٥].
ومنها: قصة مِسْطَح بن أُثاثة لما خاض مع أهل الإفك فكان ما كان، وأقسم أبو بكر أن لا ينفق عليه، فأنزل الله ﷿: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (^٣) [النور: ٢٢].
ومنها: قصة حاطب بن أبي بلتعة (^٤).
وأشدّ ما وقع من ذلك قصة عبد الله بن أبي سرح، مع أنه ليس من المهاجرين الأولين، وإنما كان ممن أسلم قبيل الفتح، ثم ارتد، فأمر النبي صلى الله [ص ٣٢] عليه وآله وسلم يوم الفتح بقتله فلم يقتل وأسلم (^٥).
_________
(^١) أخرجه مسلم (١٧٦٣)، وأحمد (٢٠٨) من حديث عمر بن الخطاب ﵁.
(^٢) أخرجه البخاري (٤٠٦٦) من حديث ابن عمر ﵄. وأحمد (٤٩٠) في حكاية بين عبد الرحمن بن عوف والوليد بن عقبة.
(^٣) أخرجه البخاري (٤٧٥٠) عن عبد الله بن عتبة عن عائشة. وأخرجه البخاري (٢٥٩٥)، ومسلم (٢٧٧٠) عن عروة عن عائشة.
(^٤) أخرجها البخاري (٣٠٠٧)، ومسلم (٢٤٩٤) من حديث عليّ ﵁.
(^٥) أخرجه أبو داود (٢٦٨٥)، والنسائي في "الكبرى" (٣٥١٦)، والحاكم: (٣/ ٤٧) وصححه على شرط مسلم، والبيهقي: (٤/ ٧٠) من حديث مصعب بن سعد عن أبيه.
15 / 23