Al-Dakhil fi al-Tafsir - Islamic University of Madinah
الدخيل في التفسير - جامعة المدينة
Yayıncı
جامعة المدينة العالمية
Türler
-[الدخيل في التفسير]-
كود المادة: GUQR٥٣٣٣
المرحلة: ماجستير
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Bilinmeyen sayfa
الدرس: ١ التعريف بالدخيل في التفسير وأنواعه - الإسرائيليات (١)
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الأول
(التعريف بالدخيل في التفسير وأنواعه - الإسرائيليات (١»
تمهيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مما ينبغي أن نتذكره أن الدخيل والإسرائيليات هي موجودة في ثنايا كتب التفسير، لكنها لم تُفرد بالتأليف إلا في العصر المتأخر، ومن ثَم سنرى أن مراجع هذه المادة المستقلة التي ألفت في هذا العلم استقلالًا مراجع حديثة، وإن كان السابقون الأقدمون قد بينوا الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وتطرقوا لأنواع كثيرة من هذا العلم.
فمن الكتب المشتهرة في هذا: (الإسرائيليات والموضوعات) لفضيلة الدكتور محمد أبو شهبة، وأيضًا (التفسير والمفسرون) للدكتور محمد حسين الذهبي، و(الإسرائيليات في التفسير والحديث) له أيضًا، وسنرى أيضًا (الدخيل في التفسير) للدكتور عبد الوهاب فايد، و(الدخيل في التفسير) لأستاذنا الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الرحمن خليفة.
ولزملائنا في مجال التفسير الآن وفي حقل الدعوة سنرى: (الدخيل والإسرائيليات) للدكتور سمير شليوة، و(الدخيل في التفسير) للدكتور علي رضوان، و(الدخيل في التفسير) للدكتور المحمدي.
أما السابقون، فلا يخفى أن الإمام السيوطي وابن عراق وغيرهم، هؤلاء لهم كتب، هناك (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة) لابن عراق الدمشقي، هناك أيضًا (تدريب الراوي على شرح تقريب النواوي) للإمام السيوطي، هناك (تحذير الخواص من أكاذيب القصاص) للسيوطي وغيرها.
1 / 9
المقدمة التي ندخل بها إلى هذا العلم:
القرآن الكريم كتاب الله تعالى الذي أنزله على رسوله ﷺ ليكون هدايةً للعالمين، وهذا القرآن الذي أنزله ربنا قد تكفل بحفظه فقال -جل وعلا-: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: ٩)، وقد كلف الله -جل وعلا- رسوله محمدًا ﷺ أن يبين، وأن يفسر، وأن يشرح للناس كما قال -جل وعلا-: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ (النحل: ٤٤) كما تكفل له ربه: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ (القيامة: ١٧ - ١٩).
هذا الرسول الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- بلغ وبين، وعلم الأمة، وتبعه أصحابه -رضوان الله عليهم- فكان من الصحابة جمع اشتهر بالتفسير هؤلاء، هم أعلام الهدى وأئمة التفسير: عبد الله بن عباس حبر الأمة، علي بن أبي طالب، عبد الله بن مسعود، أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وابن عمرو وغيرهم.
وكانوا دائمًا يقرءون ويعملون ويشرحون ويفسرون القرآن الكريم لمن حولهم من التابعين، حتى عرف أن عبد الله بن عباس كانت له مدرسته في مكة المكرمة، وله تلاميذه، وعبد الله بن مسعود كانت مدرسته في الكوفة، وأبي كان مدرسته في المدينة المنورة -على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
ومما لا يخفى أن معرفة التفسير والوقوف على هدايات القرآن الكريم من أعظم الغايات، وأشرف المقاصد؛ ولذلك نجد صاحب (الإتقان) الإمام السيوطي عقد فصلًا كاملًا عن شرف علم التفسير لعله الباب السابع والسبعون، وتطرق لقوله سبحانه: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (البقرة: ٢٦٩) ونقل لنا ما رواه عن ابن عباس قال عن الحكمة: "المعرفة بالقرآن: حلاله وحرامه، ناسخه ومنسوخه، محكمه ومتشابهه، مقدمه ومؤخره، وأمثال القرآن وقصصه". ونحو ذلك.
1 / 10
كل هذا بين أن التفسير من فروض الكفايات، ومن أجل العلوم الشرعية قاطبة؛ لأن موضوعه كتاب الله ﷾ بعد جيل الصحابة جاء التابعون، فاعتمدوا على المصادر السابقة: القرآن، أقوال الرسول، أقوال الصحابة، وتلا ذلك التابعون وتابعو التابعين شرحًا لكتاب الله وبيانًا لما فيه.
حتى جاءت العصور التي بدأ فيها يظهر التباس في الفهم، أو سوء وحقد من أعداء الإسلام، فأدخلوا في كتبنا وفي تفاسير القرآن ما ليس منه، بل إن بعض المفسرين القدامى كالثعلبي في كتابه (الكشف والبيان في تفسير القرآن) وهناك أيضًا الإمام الواحدي في تفسيره (الوسيط) وهناك أيضًا تفسير لابن جرير الطبري.
هذه الكتب القديمة لم تخلُ من بعض الإسرائيليات والأقوال الضعيفة مما بدأ الدخيل يسري إلى كتب التفسير التي هي شرحٌ لكتاب الله ﷾.
تعريف الدخيل والأصيل
تعريف الدخيل:
الدخيل في اللغة: هو الوافدُ الذي تسلل من الخارج، وليس له أصل في المحيط الذي تسلل إليه، وتُستعمل هذه الكلمة في: الأشخاص، والألفاظ، والكلمات، والمعاني، وما أشبه ذلك.
لو رجعنا إلى كتب اللغة سنرى صاحب (القاموس) و(لسان العرب) وصاحب كتاب (الأساس) العلامة الزمخشري و(المصباح المنير) و(المفردات) للراغب الأصفهاني، كل أولئك حدثونا عن معنى الكلمة "الدخيل": الدخل ما داخلك من فساد في عقل أو جسم، وقد دخل كفرح، ودخل كعني دخلًا ودخلًا، وهذا المعنى يفيد الغدر والمكر والدهاء والخديعة والعيب، سواء كان في الحسب أو في الشجر أو في الناس أو في القوم الذين ينتسبون إلى من ليسوا منهم.
1 / 11
وقالوا: داء دخيل، ودخل أمره؛ أي: فسَدَ داخله، فلان دخيل في القوم؛ أي: ليس منهم، هو من غيرهم، وإذًا كلمة الدخيل كلمة إذا أدخلت في كلام العرب تطلق على الكلمة التي تندس في كلام العرب، وليست من كلام العرب.
يتحصل من ذلك أن الدخيل يدور حول معنى: العيب، الفساد الداخلي، سواء من الغرابة أو من المكر أو من الخديعة أو الريبة أو عفن الجوف ونحو ذلك، وإذا قلنا كلمة دخيل فعيل، أهي بمعنى فاعل أو مفعول؟
إذا أطلق على العيب نفسه كانت كلمة دخيل بمعنى داخل، بمعنى فاعل، وإن أطلق على الشيء المعيب نفسه كانت بمعنى مدخول أي: هو مفعول، وهذا مبالغة، فالدخيل في التفسير: العيب والفساد، عيب وفساد اجتهد صاحبه أن يدس حقيقته، ويخفيها في ثنايا الأصيل في التفسير للقرآن الكريم.
لعل هذا يوضح الآن أن الدخيل في اللغة هو الوافدُ الذي تسلل من الخارج، وليس له أصل في المحيط الذي تسلل إليه، وإذا ما خلصنا إلى المعنى الاصطلاحي: هو الذي ليس له أصل صحيح في الدين، تسلل إلى رحاب التفسير على حين غِرة، وعلى حين غفلة من الزمن؛ بفعل مؤثرات مختلفة بعد وفاة رسول الله ﷺ.
ولو تساءلنا: الذي أثر في إظهار هذا الدخيل أكثر وأكثر؟
نقول: جانبان:
الجانب الأول: جانب خارجي، وهذا يتمثل في أعداء الإسلام الحاقدين من اليهود والنصارى والشيوعيين، ومن الكافرين المشركين الذين كانوا حريصين على اللغو وعلى إظهار القرآن بأنه متناقض؛ ليشككوا فيه، لأن القرآن حمل على الشرك حملة شعواء، كما سيتضح الآن.
1 / 12
دس هؤلاء خرافاتهم وأباطيلهم حول القرآن يريدون فتنة المسلمين في دينهم، يريدون تشكيك المسلمين في كتاب ربهم، يريدون تفتيت وحدة الأمة الإسلامية التي أرسى قواعدها رسول الإسلام محمد ﷺ.
الجانب الآخر: الجانب الداخلي، ويتمثل هذا في طوائف مختلفة انتسبت إلى الِإسلام زورًا، ولكنها في الحقيقة وثيقة الصلة بأعداء الإسلام، من هؤلاء طوائف شوشت بخرافاتها وتحريفها، ولها مخططات رسمها لهم أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس، هم جميعًا يريدون أن يمكروا، وصدق الله إذ يقول: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (الأنفال: ٣٠)، ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (التوبة: ٣٢).
بهذا يتضح لنا معنى الدخيل، ماذا يقابل هذه الكلمة؟ الأصيل.
قال علماء اللغة: الأصيل أو الأصل: أساس وأسفل كل شيء، ورجل أصيل: له أصل رجل ثابت الرأي عاقل، فلان أصيل الرأي، وقد أصل رأيه، ومجد أصيل أي: ذو أصالة، فالأصيل في الاصطلاح هو: التفسير الذي ثبت عن طريق القرآن أو السنة النبوية الصحيحة أو أقوال الصحابة أو أقوال التابعين ثبوتًا مقبولًا، أو ما يرِد عن طريق الرأي الصحيح المستكمل لشروط الرأي المحمود.
أنواع الدخيل، وفائدته
بعد هذا يمكن أن نسأل: هل لهذا الدخيل أنواع؟ أنواع كثيرة، ونقول: إن الدخيل أولًا قسمان، هذا الدخيل دخيل في المأثور، وسنبدأ به. ودخيل في الرأي، وسوف نثني به إجمالًا، ثم نتحدث عن الفائدة من دراسة الدخيل، وكيف نشأ؟ وكيف نَمَا، وكيف سرى وزحف إلى علم التفسير في حياة أمة الإسلام؟
1 / 13
أنواع الدخيل:
الدخيل في المأثور يضم بإيجاز الأنواع السبعة الآتية:
يضم الأحاديث الموضوعة على النبي ﷺ.
الأحاديث الضعيفة، خاصة إذا كان ضعفها لا ينجبر.
يضم الإسرائيليات المخالفة للقرآن أو السنة أو التي لا يعرف لها موافقة، ولا مخالفة، وهو ما نعرفه بأنه المسكوت عنه، أما الإسرائيليات الموافقة لما عندنا فلا تعتبر من قبيل الدخيل.
رابعًا: يدخل تحت هذا القسم ما نُسب إلى الصحابة، ولم يثبت عنهم.
خامسًا: ما نسب إلى التابعين، ولم يثبت عنهم.
سادسًا: ما تعارض من أقوال الصحابة مع القرآن أو السنة أو العقل تعارضًا حقيقيًّا، ولا يمكن الجمع بينه وبين هذه الأشياء.
سابعًا: ما تعارض من أقوال التابعين مع القرآن أو السنة أو أقوال الصحابة أو العقل تعارضًا حقيقيًّا.
ثانيًا: أنواع الدخيل في الرأي:
قلنا: إن الدخيل إما في المأثور والمنقول وإما في الرأي.
أنواع الدخيل في الرأي:
نقول: إن هذه الأنواع تضمنت الأسبابَ التي أدت إلى وجود الدخيل في الرأي، وهذه الأنواع نتجت عن أحقاد أو جهل أصحابها.
وها هي على الترتيب:
1 / 14
الإلحاد في آيات الله: هناك فرق كفرت بشريعة الإسلام، امتلأت قلوبها حقدًا وإلحادًا، فألحدت في آيات الله؛ فسرت القرآن بأقوال باطلة، وبما طفحت به قلوبهم ونفوسهم.
ثانيًا: الأخذ بظاهر المنقول دون النظر إلى ما يجب ويليق بذات الله ﷾ أو ما لا يليق، أخذوا بظاهر النصوص، وهؤلاء محسوبون على الإسلام.
ثالثًا: تحريف النصوص الشرعية عن مواضعها، وتعطيلها وصَرْفها عن ظواهرها.
رابعًا: التنطع أو التكلف الزائد في استخراج معانٍ من باطن النصوص، دون دليل يدل على صحتها أو جوازها.
خامسًا: التنطع في اللغة والنحو والإعرابات، حتى خرج أصحاب ذلك عن القواعد المألوفة في النحو والصرف وعلوم اللغة.
سادسًا: تفسير القرآن عن جهل دون الإلمام بشروط المفسر أو استكمال العلوم الواجب توافرها فيه.
سابعًا: التكلف في التوفيق بين النصوص القرآنية، وما فُتِنَ به كثير من الشباب من المكتشفات العلمية الحديثة، فنرى أناسًا كثيرين حمّلوا القرآن نظريات علمية جَدت ووقعت في واقع الناس، حملوا عليها آيات القرآن الحكيم، الذي: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصلت: ٤٢) والنظريات العلمية تتغير، وقد يأتي بعدها ما يبطلها أو يغيرها، فحمل القرآن على هذا النوع من المكتشفات كان نوعًا من دخيل الرأي أفسد كثيرًا من التفسير في حياة أمة الإسلام.
فائدة دراسة هذا العلم:
واضح جدًّا أن معرفة الدخيل في التفسير هدف حتى يتجنب المسلم الزللَ والوقوع في الخطأ، كما قال بعضهم:
1 / 15
عرفت الشر لا ... للشر بل لتوقيه
ومن لم يعرف الشر ... من الناس يقع فيه
فالفائدة من دراسة علم الدخيل باختصار شديد وإيجاز غير مخل، يتلخص في ثلاثة أشياء:
أولًا: الانتفاع بتفسير القرآن الكريم، والاهتداء بهدي القرآن الكريم الصحيح، والامتثال لشريعة الإسلام امتثالًا صحيحًا.
ثانيًا: رد مطاعن الطاعنين على القرآن الكريم، وكشف ضلالهم وكيدهم، والحقد الذي يطفح منهم، معرفة ذلك يساعدنا على أن نرد كيدهم، وأن ندافع عن قرآننا، الذي: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾.
أخيرًا: الوقوف على التفسير الصحيح السليم حتى نبلغ دعوة الإسلام تبليغًا صحيحًا، فنتجنب الأباطيل التي دست في التفسير، وألحقت به، إذا عرف المسلم هذه الأمور استطاع أن يميز بين الصحيح وبين الضعيف، وبين الأصيل وبين الدخيل، ويستطيع بذلك أن يسلم من حقد وأخطاء هؤلاء الذين أرادوا للإسلام أن لا ترتفع رايته.
كيف نشأ الدخيل؟
كيف نشأ الدخيل؟ كيف سرى إلى علم التفسير، والتفسير يتعلق بشرح كتاب الله ﷾؟
نقول: إن الدخيل له مصدران أساسيان:
المصدر الأول: أعداء الإسلام.
المصدر الثاني: التباس، وسوء فهم من الفِرق المنسوبة إلى الِإسلام، أو حتى بعض الصحابة والتابعين، وسنرى ذلك واضحًا.
1 / 16
المصدر الأول: وهو ما يتعلق بأعداء الإسلام:
هذا المصدر هم: أعداء الإسلام من الكفار، المشركين، اليهود والنصارى، الحاقدون على الإسلام، كل أولئك عندما نزل القرآن الكريم، وارتفعت رايتُه بدأت شبهات الكفار الذين يريدون إظهار القرآن بمظهر المتناقض، ليتوصلوا بذلك إلى أنه ليس من عند الله، وإسقاط حجيته، والطعن بعد ذلك في رسول الله ﷺ الذي جاءهم به، لا سيما وأن القرآن الكريم قد رفع راية التوحيد، وأظهر أن أصنامهم هي شرك، وحَطَّمَ مكانتها، وأنزل معنوياتهم، فالقرآن هو الذي يقول لهم: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ (الأنبياء: ٩٨) وبين لهم أن هذه الأصنام لا تنفع، ولا تضر، وليس لها من جدوى، فحطم ما ألفوا عبادته مئات السنين أو قرونًا طويلة فيما مضى.
فبدأ الكفار يثيرون الشبهات، ويعترضون على بعض الآيات، وينتشر كلامهم وأباطيلهم، ويعلنونها بين الناس، من أمثلة ذلك: حديث أخرجه الإمام مسلم يقول: عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله ﷺ إلى نجران، فقالوا: أريت ما تقرءون: ﴿يَا أُخْتَ هَارُون﴾ (مريم: ٢٨) وموسى كان قبل عيسى بمئات السنين، فيقول: فرجعت إلى رسول الله ﷺ فقال: «ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء الصالحين قبلهم؟».
إن أهل نجران أرادوا أن يلبسوا الأمر على المسلمين زاعمين أن القرآن تكلم عن هارون، وجعلت مريم أختًا لهارون، وهارون أخو موسى ﵈ بينما هناك فترة زمنية عدة قرون بين موسى وعيسى، فأرادوا بذلك أن يظهروا أن القرآن كلامه غير صحيح. تصدى رسول الله ﷺ لهذه الشبهة الدخيلة، وبين أن هارون هذا الذي نسبت مريم، وقيل في شأنها: ﴿يَا أُخْتَ هَارُون﴾ ليس هو أخو موسى ﵇ إنما هو هارون آخر، إلى غير ذلك.
1 / 17
وبدأ الكفار يتندرون ببعض الآيات، لما نزلت: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ﴾ (الدخان: ٤٣ - ٤٥) إلى آخر الآيات: ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ (الصافات: ٦٥) بدأ الكفار يتندرون ويتكلمون حول الآيات عن شجرة الزقوم.
ولما نزل قول الله -جل وعلا-: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ (المدثر: ٣٠) عن النار، بدءوا يتكلمون ويسخرون من هذا الكلام، وهذه الآيات.
كما تندر اليهود لما نزل قول الله -جل وعلا-: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًاَ﴾ (البقرة: ٢٤٥) بدءوا يتكلمون: الله يريد القرض؟ الله فقير؟ وأخذوا يثيرون الشبهات، وأنزل الله -جل وعلا- ردًّا على افتراءاتهم: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ (آل عمران: ١٨١).
آيات من هذا النوع كانت تنزل لهم، وتعلن عليهم واقعًا وحقائق، لكنهم الكفر يملأ جوانحهم، والحقد على الإسلام وعلى القرآن، الذي حطم أصنامهم، ورفع التوحيد راية عالية، بدءوا يثيرون الشُّبه، والدخيل، والأباطيل حول هذه الآيات.
المصدر الثاني لنشأة الدخيل في العهد النبوي الكريم، سواء كان من الالتباس أو سوء فهم لبعض صحابة رسول الله ﷺ أو كانت لبعض الفرق التي حسبت على الإسلام، وظهر آثارها بعد ذلك:
هناك من غير سوء قصد، كان هناك لبس، تعجل بعض صحابة رسول الله ﷺ عند بعض الآيات، لما نزل قول الله -جل وعلا-: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ (البقرة: ١٨٧) لم تكن
1 / 18
كلمة: ﴿مِنَ الفَجْرِ﴾ قد نزلت، هناك حديث في البخاري في صحيحه، عن سهيل بن حزم: لما نزلت هذه الآية، ولم ينزل قوله: ﴿مِنَ الفَجْرِ﴾ وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيضَ والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتها؛ فأنزل الله -جل وعلا- بعد ذلك: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾. فعلموا أنما المراد من الخيط الأبيض والخيط الأسود هو بياض النهار، وسواد الليل.
وهكذا بدأ التباس في الفهم، فدخل شيء من هذا الفهم في عصر نزول القرآن الكريم، هم لا يريدون هذا اللبس، ولا يقصد منهم، ولكنه وقع.
كذلك لما نزل قول الله -جل وعلا-: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا﴾ (المائدة: ٩٣) كان هناك موقف لبعض الصحابة، سنعرفه.
كذلك: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ (الأنعام: ٨٢) بعض الصحابة بكى، وفهم أن الظلم هو أي ظلم ولو كان قليلًا، والآية تحذر، فإذا لبس الإنسان إيمانه -أي: خلط إيمانه- بشيء من الظلم لم يكن في مأمن، وقع هذا اللبس، فبينه لهم رسول الله ﷺ.
أما الآية: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ الآية. فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه، ونقله عنه الحافظ بن حجر في (الإصابة في تمييز الصحابة) أن أحد الصحابة تأول هذه الآية، وهو قُدامة بن مظعون، أخو عثمان بن مظعون فشرب الخمر، وزعم أنه لا حرجَ في شربها إذا كان الإنسان مؤمنًا تقيًّا، فلما علم عمر بذلك رد عليه، وبين له الفهم الصحيح للآية وقال له: "يا قدامة أخطأت التأويل، أنت إذا اتقيت الله
1 / 19
اجتنبت ما حرم الله". وأصر عمر على جلده بعد ثبوت سكره بالشهود، رغم أن قدامة بن مظعون، هو خال أولاد عمر، خال حفصة، وخال عبد الله بن عمر.
والحديث مروي بسنده وروايته، وينتهي في آخر المطاف حتى لا نطيل الكلام، إلى أن عمر أقام عليه الحد، وغضب كل منهما من الآخر، عمر غضب على قدامة لفهمه السقيم، وقدامة كان غاضبًا حتى إنهم لما حج قدامة في بعض الأعوام تقابل مع عمر، وكان كل منهم غاضبًا من الآخر، عمر غضب؛ لأنه تأول تأولًا خطئًا، فقام عمر واستدعاه، فأبى قدامة أن يأتي، فأمر عمر أن يحضروه، فكلمه واستغفر له؛ لأن هذا تأويل غير صحيح.
تعالوا بنا بعد ذلك أيام علي بن أبي طالب ﵁ وأرضاه- حدث ما لا تتوقعه الأمة، حدثت فتنة التحكيم، التي على أثرها حدثت اختلافات بين المسلمين، نعلم أن عليَّ بن أبي طالب ﵁ وأرضاه- كان هو الأرجح لأن يكون أمير المؤمنين بعد عثمان، وحدثت فتنة التحكيم، وافترق المسلمون على أثرها كما نقرأ في السيرة والتاريخ- افترقوا إلى شيع وأحزاب. ظهر على الساحة فرقة الخوارج الذين خرجوا على علي، كما ظهرت فرقة الشيعة، والمرجئة، والقدرية، والمعتزلة، وكل من هذه الفرق أراد أن يفسر القرآن الكريم على هواه، بحيث يخدم التفسير المبادئ التي يدعو إليها كل فريق، على الأقل لا تتصادم مع مبادئهم، فكانوا يجعلون المذهب أصلًا والتفسير فرعًا.
كما ظهر على الساحة جماعات من المتصوفين، ونحن لا نكره التصوف، نحن نحب التصوف المعتدل الذي يقوم على شُعب الإيمان: الزهد، الصبر، التوكل، الخوف، الرجاء، الورع، أما إذا كان التصوف شطحاتٍ ونطحاتٍ ومعانٍ باطلةً تخرج عن نصوص القرآن الكريم، وهذا هو الذي ظهر، ظهرت الفرقة الباطنية،
1 / 20
وزعموا أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا، وأن النص الظاهري هذا علم العوام، وأن العلم الباطني هو العلم الحقيقي اللدني، ووصلت بهم الشطحات أن فضلوا أتباعهم على الأنبياء، وكانوا يقولون: أنتم تتلقون علومكم عن البشر، ونحن نتلقى علومنا عن الله ﷾. كلام دخيل على الإسلام، ومدسوس على شريعة الله ﷾.
أرادوا بذلك أن يتحللوا ويتخلصوا من شريعة الإسلام، وأن يقضوا على تفسير القرآن التفسير الصحيح، فمالوا بذلك إلى تفاسير فاسدة، وفرقة الباطنية هذه اتسع أتباعها، وتلونت في كل وقتٍ ومكانٍ حتى نرى منها فرق: البابية، والبهائية، والقاديانية، كما وجدنا فرقًَا تتلون بأسماء مستحدثة في عالمنا الذي نعيشه.
كل هؤلاء، أقوالهم، تفسيرهم، اجتهاداتهم، كلها تعتبر دخيلًا على تفسير القرآن الكريم.
وأخيرًا نقول:
إن هناك نوعًا آخرَ ظهر على أيدي بعض العلماء، أو أرادوا يوفقوا بين نصوص القرآن وبين النظريات العلمية واكتشافات العلم الحديث، كلما ظهرت نظرية أو كلما وجدوا إعجازًا علميًّا قالوا: إن القرآن تحدَّث عنه، ودعا إليه، وحملوا آيات القرآن ما لا تحتمل، فهؤلاء تحت زعم الإعجاز العلمي للقرآن ظهر في توفيقهم للآيات كثير من التعسف، كثير من تحميل القرآن ما لا يتحمله، فهذا لون من ألوان الدخيل في تفسير القرآن الكريم.
بعد هذا اتسع نطاق هذه الفِرق، كثر أتباعها، زاد تعصبها، حتى إننا أصبحنا نجد هذه الفرق بأتباعها وتابعيها تشمِّر عن سواعدها، وتسخر كل طاقاتها، سواء المشركون، سواء الأحقاد من الفرق الضالة، أو سواء من الصوفية أو سواء من
1 / 21
الذين زعموا معرفة النظريات العلمية، وجدنا الكل يسخر طاقاته للقضاء على المسلمين، وتشكيك المسلمين في قرآن ربهم، والتشويش عليه، مثلما اتجه الكفار وحرصوا أشد الحرص عند نزول القرآن الكريم على أن يصرفوا عنه الناسَ، كما حكى عنهم القرآن الكريم: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ (فصلت: ٢٦).
لم تتوقف حملات هؤلاء الأعداء عند القرون الأولى للإسلام، بل تنوعت طوائفهم، وتجددت أساليبهم، وكثرت انحرافاتهم وتأويلاتهم حتى ظهر على الساحة أنواع من الدخيل، والأباطيل سرت إلى كتب التفسير، يا ترى هل هذا الفساد سيبقى وتنتشر فروعه وألوانه؟! إن الله سبحانه يقيض لهذا الدين مَن يدفع عنه كيد الكائدين، وتأويل المبطلين، وانتحال الغالين، كما وعد ربنا سبحانه: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (الصف: ٨).
معنى الإسرائيليات، والعلاقة بين الدخيل والإسرائيليات
ننتقل الآن إلى الدخيل في المنقول، فنتعرف على معنى الإسرائيليات، وعلى أقسام الإسرائيليات، وعلى أسباب تفشيها، وعلى أقطاب الرواية الإسرائيلية، ثم نماذج كثيرة من الإسرائيليات في القصص القرآني.
أولًا: الإسرائيليات: ما علاقة كلمة الإسرائيليات بالدخيل؟ وما معناها؟
أما معنى الإسرائيليات: هي جمع مفرده إسرائيلية، نسبةً إلى بني إسرائيل، والنسبة في هذا المركب -بني إسرائيل- هذا المركب الإضافي النسبة فيه للعجُز لا للصدر، فنقول: إسرائيلي، وقصة إسرائيلية، خبر إسرائيلي، وقصة إسرائيلية أو حادثة إسرائيلية.
1 / 22
فما معنى إسرائيلية؟ هي القصة أو الحادثة، تروَى عن مصدر إسرائيلي، كلمة إسرائيلي نسبة إلى بني إسرائيل أو إلى أبيهم الأول؛ لأن بني إسرائيل هم بنو سيدنا يعقوب ﵇.
فلفظ إسرائيليات -كما يقول دكتور محمد الذهبي- وإن كان يدل على القصص الذي يروى أصلًا عن مصادر يهودية، يستعمله علماء التفسير والحديث على ما هو أوسع وأشمل من القصص اليهودي، فهو يُطلق على التفسير والحديث من أساطير قديمة منسوبة إلى مصدر يهودي أو نصراني.
إذًا كلمة إسرائيليات ليست قاصرةً على المنسوب لليهود، إنما الكلمة تشمل ما نُسِبَ إلى اليهود أو إلى النصارى، بل توسع العلماء، فعدوا من الإسرائيليات ما دَسَّه أعداء الإسلام من اليهود وغيرهم على التفسير وعلى الحديث، ومن أخبار لا أصلَ لها في مصدر قديم، قالوا عنها جميعًا: إنها إسرائيليات.
وأطلق علماء التفسير والحديث لفظ إسرائيليات على كل ذلك من باب التغليب للون اليهود على غيرهم؛ وذلك لأن اليهود كانوا ساكنين في المدينة، واللقاءات التي كانت تتم بين العرب واليهود في رحلتي الشتاء إلى اليمن والصيف إلى الشام، وفي اليمن والشام كثير من أهل الكتاب، كما كانت لقاءات هناك كثيرة بين اليهود والنبي ﷺ وبين اليهود وبعض المسلمين، وكان اليهود يلقون الأسئلةَ على رسول الله ﷺ فكانوا يقدمون ما يعن لهم، إما امتحانًا واختبارًا لصدق نبوته ﵊ وإما تحديًا وتعجيزًا، فَرَدَّ الله كيدهم، وجعل كلمتهم السفلى، وجعل كلمة الله هي العليا ﷾.
كذلك يمكن أن نقول:
إن اليهود كانوا قومًا بُهتًا، كانوا سماعين للكذب، أكالين للسحت، كذابين، هم أشد الناس عداوةً وبغضًا للإسلام والمسلمين، وكان لهم
1 / 23
حيل وخداعات كثيرة يتظاهرون بأنهم محبون لرسول الله ﷺ بينما هم يضمرون العداوة والبغضاء للمسلمين، وما أصدقَ القرآن عندما قال: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾! (المائدة: ٨٢).
أما النصارى فكانت ثقافتهم تعتمد في الغالب على الإنجيل الذي أشار القرآن إلى أنه من الكتب السماوية في قوله: ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ﴾ (الحديد: ٢٧).
وعلى كل حالٍ الأناجيل يطلق عليها وعلى ما انضم إليها من رسائل الرسل اسم "العهد الجديد" والكتاب المقدس عند النصارى يشمل: التوراة والإنجيل، يعني: يشمل العهد القديم والعهد الجديد، وهذا مما ينبغي أن نغفل عنه. وعلى كل حال فأثر الإسرائيليات هو الأكثر، وكان غالب اللون اليهودي هو الدخيل من كلام اليهود، فأُطلِقَ لفظ الإسرائيليات على كلام اليهود، وعلى كلام غيرهم.
العلاقة بين الدخيل والإسرائيليات:
بعدما عرفنا معنى الدخيل ومعنى الإسرائيليات، وأن كلًّا منهما غريب على التفسير وبعيد عنه. نقول: إن الإسرائيليات جزء من الدخيل، فالدخيل أعم من الإسرائيليات؛ لأن لفظ الدخيل كلمة واسعة تتناول القسمين، الدخيل المأثور، ودخيل الرأي، بينما الإسرائيليات هي جزء فقط من أنواع الدخيل في النقل والمأثور.
وكلاهما الإسرائيليات والدخيل أمر مرفوض؛ لأنه يجيء بما لا يتفق مع القرآن الكريم شرحًا صحيحًا، وإن كنا سنقول: إن من الإسرائيليات ما يتفق مع القرآن أو ما لا يتعارض معه، وهذا سيكون مقبولًا إن شاء الله.
1 / 24
الدخيل يتناول في لفظه ومعناه أنواعًا كثيرةً: الإسرائيليات في التفسير، والأحاديث الضعيفة والموضوعة في القرآن الكريم، كما يتناول تأويلات الباطنية في التفسير، كما يتناول شطحات المتصوفة في التفسير، كما يتناول بدع التفاسير اللغوية والإعرابية، كما يتناول تحريفات الفرق الضالة: البهائية والقاديانية ونحوها.
كما يتناول أيضًا هذا الشطط، وهذا التكلف الذي مال إليه العصريون في النظريات العلمية، كل هذا يعتبر من الدخيل، ويعتبر خارجًا عن معاني الآيات المعاني الصحيحة، وقطعًا للآيات عن السباق واللحاق، وعن سياق الآيات، والاستدلال بالآيات في غير ما تحتمله.
فنستطيع أن نقول: إن العلاقة إذًا بين الدخيل والإسرائيليات هي العموم والخصوص المطلق، فكل الإسرائيليات دخيل، وليس كل الدخيل إسرائيليات.
والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والله أعلم.
1 / 25
الدرس: ٢ الإسرائيليات (٢)
1 / 27
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني
(الإسرائيليات (٢»
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
أقسام الإسرائيليات:
تنقسم باعتبار معنى الخبر الإسرائيلي وموضوعه، وهو بهذا ينقسم إلى ما يتعلق بالعقائد، وما يتعلق بالأحكام، وما يتعلق بالمواعظ أو الحوادث التي لا صلةَ لها لا بالعقائد، ولا بالأحكام، نأخذ مثالًا سريعًا عن كل نوعٍ من هذه الأنواع، ثم نثنِّي بما هو أهم، وهو أقسام الإسرائيليات من حيث القبول والرد.
أولًا: ما يتعلق بالعقائد:
رويت عندنا أحاديث صحيحة، منها ما رواه البخاري في كتاب التفسير، باب قوله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ (الأنعام: ٩١) ونص الحديث الذي رواه الإمام البخاري قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والأراضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثَّرَى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول -جل وعلا-: أنا الملك. فضِحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه؛ تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله ﷺ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾.
فمعنى قول الراوي: "فضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر": اختلف علماؤنا حول قول الراوي هذا، فمنهم من ذهب إلى أن ضحك النبي ﷺ من قول الحبر لم يكن تصديقًا له، كما فهم الراوي، وصرح بذلك في رواية أخرى، وإنما كان تعجبًا وإنكارًا لقول اليهودي الذي يفيد التجسيم والتشبيه.
ممن ذهب إلى هذا الرأي الإمام الخطابي، كما نقل عنه ابن حجر في شرحه على هذا الحديث قال: قال الخطابي: لم يقع ذكر الإصبع في القرآن، ولا في حديث
1 / 29