البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج
Yayıncı
دار ابن الجوزي
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
(١٤٢٦ - ١٤٣٦ هـ)
Yayın Yeri
الرياض
Türler
ومراقبته، واستحضار عظمته، وجلاله حالةَ الشروع، وحالة الاستمرار فيها.
وأرباب القلوب في هذه المراقبة على حالين:
[أحدهما]: غالب عليه مشاهدة الحقّ، فكأنه يراه، ولعلّ النبيّ ﷺ أشار إلى هذه الحالة بقوله: "وجُعلت قُرّة عيني في الصلاة" (^١)، رواه أحمد، والنسائيّ.
[وثانيهما]: لا ينتمي إلى هذه الحالة، لكن يغلب عليه أن الحقّ ﷾ مطّلع عليه، ومشاهد له، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩)﴾ [الشعراء: ٢١٨ - ٢١٩]، وبقوله تعالى: ﴿وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ [يونس: ٦١]، وهاتان الحالتان ثمرة معرفة الله تعالى وخشيته، ولذلك فسّر الإحسان في حديث أبي هريرة ﵁ بقوله: "أن تخشى الله كأنك تراه"، فعبّر عن المسبب باسم السبب توسّعًا، والألف واللام اللذان في "الإحسان" المسئول عنه للعهد، وهو الذي قال الله تعالى فيه: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ الآية [يونس: ٢٦]، وقوله: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (٦٠)﴾ [الرحمن: ٦٠]، وقوله: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥].
ولَمّا تكرّر الإحسان في القرآن، وترتّب عليه هذا الثواب العظيم، سأل عنه جبريل النبيّ ﷺ، فأجابه ببيانه؛ ليعمل الناس عليه، فيحصل لهم هذا الحظّ العظيم. انتهى كلام القرطبيّ (^٢).
وقال الخطّابيّ: إنما أراد بالإحسان ها هنا الإخلاص، وهو شرط في صحّة الإيمان والإسلام معًا، وذلك أن من تلفّظ بالكلمة، وجاء بالعمل من غير نيّة الإخلاص لم يكن مُحسنًا، ولا كان إيمانه صحيحًا، قال ﷺ: "أن تعبُد الله كأنك تراه"، أي في إخلاص العبادة لوجه الله الكريم، ومجانبة الشرك الخفيّ،
(^١) كان في نسخة القرطبيّ: "وجعلت قرة عيني في عبادة ربي"، والذي في مسند أحمد ٣/ ١٢٨ و١٩٩ و٢٨٥، و"سنن النسائي" ٧/ ٦٢ بلفظ: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"، فليُتنبّه. (^٢) "المفهم" ١/ ١٤٣ - ١٤٤.
1 / 103