Al-Andalus: From Conquest to Fall
الأندلس من الفتح إلى السقوط
Türler
الرد على من يقول: إن أمر الدولة الأموية بالجهاد كان تجنبًا للثورات والانقلابات الداخلية
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد: فمع الحلقة السادسة من حلقات الأندلس من الفتح إلى السقوط.
نفتح سويًا صفحة جديدة في هذا التاريخ الطويل، وقبل أن ندخل في هذه الحلقة فإن بعض الإخوة اشتكوا من كثرة المعلومات في الدروس السابقة، وتلاحق الأسماء والتواريخ، فهذه دراسة لثمانمائة سنة من تاريخ الأمة الإسلامية، والحق أنك تحتاج إلى سماع الحلقة أكثر من مرة لاستنباط الدروس، وقد لا نقف أحيانًا على بعض الدروس في بعض المواقف، ويترك للأفراد الاستفادة منها بقدر حاجتهم، فعلى سبيل المثال: صفات عبد الرحمن الداخل؛ فلو جلست مع نفسك أيامًا ما استطعت أن تكفيه حقه، ولا أن تدرس صفاته دراسة كافية وافية.
فبعض الأسئلة جاءت بخصوص الحلقات السابقة.
فمنها هذا السؤال وهو: ما زال يعتقد أن الصوائف -وهي خروج الدولة الأموية للجهاد في سبيل الله كل صيف، كانت سواء في فترة الشام أو في فترة حكمهم لبلاد الأندلس، لم تكن إلا لإخراج الشباب من البلاد إلى الثغور وذلك لإفراغ الشحنات، وبذلك يتجنبون الثورات والانقلابات والتمرد في داخل البلاد، فهل هذا حقيقي وصحيح؟ أولًا: الرد على هذا السؤال هو أنني حزنت حزنًا شديدًا، أن أرى هذا الفهم لفتوحات الدولة الأموية الكثيرة، بأن يقلب كل حسن إلى قبيح، وكل خير إلى شر، فلماذا الطعن في فتوحات بني أمية، وأياديهم البيضاء على المسلمين لا تنقطع؟ ماذا كان سيقع لو أن بني أمية لم يدخلوا إلى ليبيا أو تونس أو الجزائر أو المغرب أو جمهوريات الاتحاد السوفييتي الإسلامية جميعًا؛ أوزباكستان وكازاخستان والشيشان وأذربيجان وأفغانستان والهند وغيرها من البلاد التي ظلت تحكم بالإسلام قرونًا طويلة بفضل هذا الدخول؟ ولماذا الطعن في الأمثلة الجميلة والصور الرائعة، كـ موسى بن نصير، والقول بأنه ما ذهب إلى بلاد الأندلس بجيشه إلا غيرة من طارق بن زياد ﵀؟ ولماذا الطعن في عبد الرحمن الداخل، والقول بأنه لم يذهب إلى الأندلس إلا طلبًا للملك وللسيادة والسلطان؟ ولماذا تشويه هذه الصور للشباب، وهي صور قلما تتكرر في تاريخ الأمم؟ ثانيًا: أن المستشرقين ومن على شاكلتهم من أبناء المسلمين يقيسون التاريخ الماضي بأفكار الحاضر، فقد رأوا في هذه الآونة أن السياسة لا تستغني عن الغش والخداع والغدر والرشوة والمؤامرة والمكيدة، والعلمانيون لا يتخيلون أبدًا أن يبذل الإنسان نفسه وماله وجهده ووقته من أجل الآخرين، أو من أجل شيء غير منظور، كالجنة مثلًا، لذلك من المستحيل عليهم أن يفهموا هذه النماذج الطاهرة، التي ما تكررت إلا في التاريخ الإسلامي فقط.
ثالثًا: هناك سنة من سنن الله الثوابت، يقول الله ﷾ في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس:٨١]، فلو كان سعي بني أمية كله في هذه الفتوح لمجرد إلهاء الشعوب عن الملك، وإلهاء الشباب عن الثورات والمؤامرات، وليس في نواياهم الجهاد والدعوة وحب الإسلام، أكان يصلحه الله؟ يقول النبي ﷺ: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا)؛ فقد علمنا انهزام المسلمين عند الأخطاء القلبية، فقد هزم المسلمون في أحد لخطأ قلبي، قال تعالى: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ [آل عمران:١٥٢]، وهزم المسلمون في حنين لخطأ قلبي أيضًا، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ [التوبة:٢٥]، وهذا على كرامة هذا الجيش من وجود رسول الله ﷺ والصحابة، فإذا حقق الأمويون هذا النصر الراسخ لقرون خلت، أليس هذا دليلًا على خيريتهم؟ هل اطلع هؤلاء الطاعنون على قلوبهم، فوجدوا فيها خبثًا، قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾ [الأنعام:١٤٨].
رابعًا: ليس معنى هذا أنه لا توجد في بني أمية أخطاء أبدًا، بل يجب أن نشير إلى أخطائهم، ولكن في حجمها، وقد أشرنا في الدروس السابقة إلى أخطاء ملموسة في عهد الإمارة الأموية، أدت إلى ظهور عهد الضعف في الإمارة الأموية، وستظهر أخطاء أخرى، وقد تكون جسيمة وتؤدي إلى هلكة، وإلا لاستمر بنو أمية إلى هذه الآونة، لكن من سنن الله ﷾ أنه من أفسد يهلك، فمن عدم الإنصاف أن ننظر بعين واحدة إلى الأخطاء ولو قلت، ونهمل الحسنات ولو تعاظمت.
6 / 2