فصل في حركات الخطيب
أسماء الممثلين
1 - في القصر
2 - في الفندق
3 - في القصر
فصل في حركات الخطيب
أسماء الممثلين
1 - في القصر
2 - في الفندق
3 - في القصر
الأخرس المتكلم
الأخرس المتكلم
تأليف
مارون عبود
فصل في حركات الخطيب
توطئة
للخطيب إشارات وحركات يجب على من يزاول هذه المهنة السامية تتبعها ومزاولتها؛ لأنها تزيد كلامه قيمة، ويؤثر في نفوس سامعيه تأثيرا شديدا، لن يناله الخطيب الذي لا يحسن الإشارات والحركات، وإن كان كلامه أغزر معنى وأجمل سبكا وأرق ديباجة؛ لأن الإشارات لغة الجسم كما حددها إمام الخطباء شيشرون. لقد وجدت الإشارات قبل اللغة؛ لأن الإنسان في بدء عهده - قبل أن ينطق - كان يعبر بالإشارات عما في نفسه من الأغراض، وأسطع دليل على ما نقول، ما نراه من الأطفال، فإنهم قبل أن يفوهوا ببنت شفة يدلون على مقاصدهم بالإيماء إلى الأشياء التي يجهلون أسماءها.
لقد أصبح للخطابة أعظم شأن في عصرنا الحاضر، ففيها يثبت رجال الدين القضايا التي يحاولون غرسها في الأذهان، وفي الخطابة أيضا يدافع النواب في مجالسهم عن حقوق أوطانهم، ورجال السياسة عن خططهم ومواقفهم، وفيها يدافع المحامون عمن كلفوهم الدفاع عنهم، وبها يستميل الزعماء الرأي العام إليهم، وبها يدفع القواد جيوشهم إلى ورود حياض الموت، والتفاني في سبيل الدفاع عن حوزة الوطن. وقصارى الكلام إن الخطابة أقرب الوسائل إلى استمالة القلوب، وعليها المعول في قضاء أمور شتى، لا محل لذكرها هنا.
ولهذا رأيت أن ألحق هذه الرواية بهذا الفصل عن حركات الخطيب، لاتفاقها مع حركات الممثل، ومن شاء إتقان الحركات والإشارات فليراقب إشارات عامة الناس في أحاديثهم، وخصوصا الشيوخ والأطفال؛ لأنهم أقرب البشر إلى السذاجة، التي هي أصدق دليل.
وقفة الخطيب
فلتكن المسافة بين رجليه نحو عشر سنتمترات، وليكن وضعها بحيث إنه إذا أخر الرجل المتقدمة على الخط الذي هي ممتدة فيه، يلتقي الكعبان ويكونان زاوية انفراجها 45 درجة، أما ثقل الجسم فليكن على القدم المتقدمة كلها، أي على كعبها وأصابعها معا.
فليوجه نظرة إلى الحاضرين أمامه جميعا، ولا يجمد رأسه أو كتفيه أو جذعه لئلا يظهر متكبرا متصنعا، فالناس يكرهون كل معتد بنفسه.
بعدما يقف في مكانه فليمر بنظره على الحضور، ثم فليوجهه إلى أبعد فريق منهم، وليستعد للانحناء إذا كان لذلك داع.
الانحناء
إذا كان لا بد من انحناء الخطيب لسامعيه، أو لشخص له علاقة بالاحتفال، فلينحن بتأن وليشترك بالانحناء رأسه وعنقه وجذعه، وليبرز كتفيه لتتجه عيناه إلى الحضور، لا إلى الأرض، ولا يهز يديه ولا يرخيهما.
يستحسن بروز الذقن إلى الأمام، عندما يريد الخطيب أن يسترعي انتباه سامعيه لمسألة ذات شأن، وتلك ميزة أشهر الخطباء السياسيين ك «لويد جورج» و«رزفلت» و«ويلسن» و«ميرابو» و«زغلول».
حركات الرأس
عند إظهار الخجل والحزن والتذلل والتواضع اخفض رأسك، وفي الكبر والخيلاء ارفعه، وأمله قليلا إلى أحد الجانبين.
يدل على الإيجاب والمصادقة بإحناء الرأس إلى الأمام، ويدل على الرفض والإنكار برفع الرأس إلى خلف.
التعب والتوقف وعدم الجرأة يدل عليهما بإمالة الرأس إلى أحد الجانبين، وفي التأمل والملاحظة يمال الرأس إلى الأمام، وعند الاستماع والانتباه تحول الأذن إلى الأمام وتوضع اليد خلفها.
حركات العينين
تستطيع العينان أجمل الإشارات وأقواها، والخطيب الذي لا يستخدم عينيه في الخطابة لا يستطيع بث تلك القوة المغناطيسية التي تؤثر في قلوب السامعين.
تبكي العينان في موقف الحزن، وترتفعان في الابتهال، وتبرقان وتلمعان عند الغضب، ويحولان عن الشيء المستهزأ به، وفي إظهار التوجع والحزن والعار تنظر العينان إلى الأرض، أو تتحولان إلى جانب أو تستران باليد.
وفي الشك والخوف تحولان إلى جهات مختلفة، أما في التمعن والافتكار والتبصر فتنظران إلى الفضاء.
إشارات اليد والذراع
على الخطيب أن يستعد للإشارة قبل إبدائها ببضع ثوان؛ وذلك بتحريك اليد من مكانها الطبيعي على هيئة قوس، وكلما كان الفكر عظيما وخطيرا، وجب أن تكون القوس واسعة كبيرة.
يشير الخطيب بأصبعه عندما يريد العد، أو تحليل المسائل أو انتخاب الأشياء؛ وعليه فالإشارة تكون إلى ما يراه ويعرفه، لا إلى ما يريده أو يشعر به، ويشار بالأصبع أيضا عندما يراد توجيه الانتباه إلى الأشخاص والأشياء الموصوفة والبراهين المسرودة.
يشار بالكف مطبقة في موقف الحجر والمنع والاغتصاب، أو عندما يقصد الخطيب حث السامعين وإكراههم على إتمام بعض الأمور.
وضع الكف في الكف على شكل صليب، يدل على أن الأمر المراد تقريره والبحث فيه سهل البرهان، وبسيط على العقل.
في الألم والتأسف توضع اليد على الرأس أو يضغط بها، وفي الحزن العظيم والألم الشديد تشبك الأصابع وتفرك الكفان، وفي إظهار المحبة أو عرضها توضع اليد على القلب.
في التحبب والتودد والتشوق تمد الذراعان ويبسط الكفان، كأنه يراد استقبال صديق أو حبيب.
لتتحرك اليد وتتماوج عند الفرح، وتأتي بإشارات وحركات غير قياسية من النفور والاشمئزاز والكراهة.
إن الإشارات المستعملة دلالة على عواطف النفس وانفعالاتها الشديدة، كالغضب والخوف والتأسف والحزن، تسرع اليد في رسمها فتكون على هيئة زوايا وخطوط مستقيمة، لا على هيئة أقواس وخطوط منحنية، وبعد تتميم الحركة المقصودة تبقى اليد برهة وجيزة على وضعها، ثم تعاد إلى مكانها الطبيعي بلا تصنع، فلا تلامس الثياب على الصدر ولا على الفخذ.
وليس من الضرورة أن يبدأ بكل حركة أو إشارة واليد على هذا الموضع؛ لأنه متى كان الكلام شديدا مؤثرا، وجب على الخطيب إبداء الإشارات المرتبة، أي أن ينتقل من إشارة إلى أخرى حالا، وأن يستعمل كلتا يديه في مثل هذه الأحوال، وليحذر إبداء الإشارات كلها بيد واحدة، بل يجعل يديه تتناوبان الإشارة إذا لم يكن ثمة داع لاستعمالهما كليهما.
حركات الجذع والجسم
يدل على العزيمة والشجاعة بانتصاب الجسم، وعلى الكبر والخيلاء بميل الجذع والرأس إلى الوراء، وعلى الاتضاع والاحترام والإكرام بميل إلى الأمام.
حركات الرجلين
يدل على الجرأة والعناد بتثبيت القدمين وانتصاب الساقين، وعلى الرغبة والشجاعة بإمالة الرجلين قليلا إلى الأمام، وليكن مركز ثقل الجسم في هذه الحالة ما بين القدمين.
في الخوف والاشمئزاز تؤخر الرجلان متعثرة الواحدة بالأخرى، وفي الرعب الشديد تتهيأان للهرب والركض، وفي الأمر الشديد الإلزام والإكراه، تضرب الأرض بالقدم شديدا.
تنبيهات (1)
على الخطيب أن يغير وقفته في أثناء الكلام كلما تغير المعنى وابتدأ بموضوع جديد؛ وذلك بأن يؤخر الرجل المتقدمة أو القدم المتأخرة، ولا يحول نظره عن السامعين، وإذا كان في الموضوع تغير ظاهر وجب السكوت بضع ثوان بعد تغير مركزه، ثم يستأنف الكلام. (2)
الإشارة في الابتداء مع أول كلمة غير محمودة، وكذلك رفع الصوت، وعلى الخطيب أن يأتي بإشارة أو حركة في كلامه إن لم يكن هناك داع يدعو إليها، كتأكيد كلمة أو عبارة أو إشارة وغير ذلك مما ورد ذكره، ولا يظن أن كثرة الحركات والإشارات تزيد الكلام تأثيرا بل بالعكس. (3)
إن المتكلم الذي لا يحرك سامعيه ويجتذب إصغاءهم وانتباههم إليه بتكييف صوته، لا يعد خطيبا؛ ولذاك يحسن بالمبتدئ أن يتمرن على إلقاء خطبه بالإشارات بعض الأحيان، باذلا جهده في تكييف صوته كما يقتضي المعنى.
هذه خلاصة ما نشر وعرب، ألحقتها بروايتي هذه ليطالعه بإمعان وتبصر كل راغب في فني الخطابة والتمثيل.
أسماء الممثلين
فرنان:
سيد القصر.
إميل:
ولده.
إرمان:
رئيس العصابة واللص المزور.
لويس:
قهرمان القصر.
أندره:
صاحب الفندق.
جان:
ولده.
شارل:
القائد شقيق فرنان.
سيريل:
من رجال القائد.
فارس:
من رجال القائد.
راع.
لصوص.
الفصل الأول
في القصر
المشهد الأول (فرنان وحده)
ويلاه من حكم القضاء فسهمه
أصمى الفؤاد ومزق الأحشاء
لم يبق لي عضدا يفرج كربتي
ويذود عني الضر والبلواء
يا ليتني ذقت المنون ولم أصب
فيما يذيب الصخرة الصماء
لقد صرفت ستين عاما عاملا مجتهدا، فجمعت ثروة وافرة وشيدت هذا القصر الشاهق، ولم أتنعم به بضع سنين حتى فجعني الدهر بفقد ولدي الحبيبين، ولم أكد أهم بخلع ثوب الحداد حتى أعادت الأيام الكرة، فأصابت سهامها من أمهما مقتلا.
لقد غرقا في ريعان الشباب وشرخ الصبا، ولحقت بهما أمهما تاركة لي صغيرا لا أدري ما يكون حظه من الدهر، فيا لله ما أتعس حظي!
المشهد الثاني (فرنان - إميل)
إميل (يدخل) :
أبي ما بالك تبكي وما هذه الدموع؟ أكلما غبت عنك يعلو نواحك ونحيبك؟
فرنان :
أبكي يا ولدي أخويك الحبيبين، فتذكارهما يجرح قلبي، ففي مثل هذا اليوم غرقا، ثم لحقت بهما والدتك، فما أمر فراقهما! وسعدا لك لأنك لم تعرفهم؛ لتذوب مثلي حزنا وحسرة.
إميل :
إن بكاءك يا أبي يؤثر بي، فاعدل عنه إذا كنت تحبني.
فرنان :
إن عواطف الآباء كالمرجل، لا يهمدها إذا جاشت غير قطرات الدموع، فدعني في نحيبي فهو من الحياة نصيبي (يتأوه) .
إميل :
أبي بحقك لا تجرح فؤادي.
فرنان :
أنت عزائي في بلائي يا من أبقته لي الأيام (يقبله) ، أحمدك اللهم لأنك أبقيت لي هذا الحمل الوديع، فاكلأه يا ربي بعين رحمتك، واشفق على أب مسكين في هذه الدنيا وحيدا! ... أين غبت يا ولدي في هذا الصباح؟ فقد أطلت علي غيابك، وأنا عاجز لا أستطيع النزول والصعود على سلم القصر العالي لأذهب مفتشا عنك، فلا تطل غيابك فيما بعد فبعدك يوحشني.
إميل :
كنت في الحديقة أسقي أزهاري، وقد أهدى إلى رفيق لي وردة بنفسجية فغرستها.
فرنان :
إن الورد رمز حبي لك، والبنفسج رمز حشمتك، فاعتن بهما ينميا ويزهرا. (إرمان يطأ الأرض ليسمع وقع أقدام.)
إميل :
أسمع وقع أقدام.
فرنان :
انظر يا حبيبي من القادم. (إميل يطل من النافذة.)
فرنان :
أمصيبة جديدة يا الله؟! فلتكن مشيئتك!
إميل :
رجل غريب يا أبي هالني منظره!
المشهد الثالث (المذكوران - إرمان) (إرمان يدخل.) (إميل يقف وراء كرسي أبيه.)
إرمان :
أأنت الكونت فرنان؟
فرنان :
نعم أنا هو، فما تريد؟
إرمان :
أتيت لأريك سندا بيدي على ولدك الأكبر يوسف الذي قضي غرقا (يريه السند) .
فرنان (ينظر إلى السند ويظهر الحيرة والارتباك قائلا) :
خمسمائة ليرة؟ لقد وفيت كل ديون ولدي، وتتبعت قيود دفاترهما الخصوصية، فرأيتها منطبقة أتم الانطباق على كل ما طلبه الناس مني، ولم أعثر على ذكر هذا المبلغ في أوراقهما، فما هذا الطلب الجديد؟
إرمان :
نحن يا حضرة الكونت لا نطلب إلا ما لنا، فإذا كنت من رجال المروءة دفعت لنا القيمة، وكنا لك من الشاكرين.
فرنان :
يعلم الله أنني لم أهضم حق أحد، والناس أجمع يعلمون أنني رجل غير متمسك بحطام الدنيا، وأعلم علم اليقين أن من يأكل أموال الناس يغضب الله، ويعز علي كثيرا أن أرجع إليك سندك وأرفض دفع قيمته؛ لأنني لا أعتقد صحته.
إرمان :
أأنا مزور أيها الشيخ الخرف؟! نعم أنا مذنب؛ لأنني لم أدع ولديك يموتان جوعا في غربتهما، لقد دفعت لهما ما طلباه مني؛ لاعتقادي أنك رجل فاضل تقابل الجميل بالعرفان، فيا خيبة الأمل!
فرنان :
لا تجرحني بكلامك القارص.
إرمان :
ادفع لي إذن قيمة السند، فأنصرف حامدا لك شاكرا همتك.
فرنان :
لو اعتقدت بصحة دعواك، دفعت لك بدون تعليل.
إرمان :
أنا أصدق منك وفي غنى عن الاحتيال، فادفع مالي وأنت الرابح.
فرنان (إلى إميل) :
اذهب يا بني إلى الحديقة، واعتن بأزهارك ولا تعد حتى أدعوك. (إميل يخرج.)
فرنان :
هذا محال؛ فتوقيع السند مزور ولم يكتب بيد ابني.
إرمان :
يا لك شيخا وقحا، أتظن أن هذا الادعاء الكاذب يقنعني؟! ادفع لي القيمة الآن وإلا ...
فرنان :
وإلا ... ماذا تصنع؟! افعل ما بدا لك، فأنا لا أخاف بروقك ورعودك.
إرمان :
نعم، إن من كان لئيما مثلك يعد الإهانة أمرا هينا.
فرنان :
إن اللؤم مجسم في كلامك البذيء، ومن لا يحترم الشيخ العاجز لهو اللئيم الساقط.
إرمان :
لعن الله مشيبا لا يفوه إلا بالسفالة، ادفع لي المبلغ فقد سئمت مجادلتك، ادفع وإلا قتلتك ...
المشهد الرابع (المذكوران - القهرمان)
لويس (يدخل) :
ما هذا الصياح؟ وماذا تريد يا رجل؟
إرمان :
أتيت أتقاضى مولاك دينا لي على ولده يوسف فأبى دفعه لي، وهذا هو السند. (لويس يراه.)
فرنان :
إنه مزور يا لويس، ألم تر كذلك؟
لويس :
نعم مولاي، نعم.
إرمان :
وأنت تزعم أيضا زعم مولاك؟ قبحكما الله.
لويس :
ويحك يا وغد، أفي بيتنا تمس كرامتنا بلواسع كلامك؟! اخرج يا نذل (يصفعه ويخرجه بالقوة) .
فرنان (يرفع يده إلى السماء) :
شكرا لك يا الله، يا من لا تترك عبدك في أحرج الأزم.
لويس :
لقد طردته طرد الكلاب، وهذا عقاب السفلة الرعاع.
فرنان :
آه يا لويس، كم لك من الأيادي البيضاء!
لويس :
لقد استرحنا من ثقالته.
فرنان :
هل لنا شيء جديد في صندوق بريد اليوم؟
لويس :
نعم، لدي لك رسالة أشغلني عن تقديمها لك ما جرى لنا، فتفضل.
فرنان (يفض الكتاب ويقرأه ثم يصرخ) :
ويلاه. ما هذا المصاب الجديد؟ لقد مات أخي، أخي القائد الباسل قضي في الحرب.
فيا عين سحي الدمع وابكي على فتى
فقدت بفقداني له السيد السند
قضى فقضت آمالنا اليوم بعده
فيا موت زرني فالفراق إلى الأبد
لويس :
مولاي تصبر وتجلد، وأشفق على ولدك الصغير، فهو يذوب حزنا إذا رآك باكيا.
فرنان :
اذهب يا لويس، وعد به إلي، عل لي به بعض العزاء. (لويس يخرج.)
المشهد الخامس (فرنان وحده)
ويح الزمان فقد أطلت جفاكا
وقضى ترجينا ليوم لقاكا
يا أوحد القواد غير مدافع
من ذا يدافع عن أخيك سواكا
في خدمة الأوطان أجر مجاهد
قد حزت واحترم العدو لواكا
يا ليت هذا الدهر كان محققا
أملي وكنت أخي الحبيب فداكا
أبقى لتعذيبي على شيخوختي
دهري وفجعني بفقد صباكا
ويلاه من هذا الزمان وجوره
أتراه يسعفني بحمل جفاكا
أأخي ويا أسفي على فقدي أخي
نصب المنون لصيده الأشراكا
إني أنوح عليك عمري باكيا
وتلذ لي في خلوتي ذكراكا
لا زالت الرحمات فوقك هتنا
ومدامعي أبدا تبل ثراكا
المشهد السادس (فرنان - لويس)
لويس (يدخل) :
ما هذه المصيبة الجلى، فإميل غير موجود، ومسقاته ملقاة على جانب النهر، وقد فتشت عنه في الحديقة فلم أجده.
فرنان :
رباه رحمتك! عد يا لويس وفتش عنه، عجل وعد إلي ببشرى تفرج كربتي. (لويس يهم بالخروج فيلتقي بأحد الفتيان داخلا فيرجع.)
المشهد السابع (المذكوران - الراعي)
الراعي :
مولاي الكونت، قد وجدت هذه القبعة طافية على مياه النهر فالتقطتها، وقد عرفت أنها قبعة سيدي إميل.
فرنان :
رباه! لقد مات ... (يغمى عليه) . (يرخى الستار.)
الفصل الثاني
في الفندق
المشهد الأول (أندره وحده)
ما هذه العيشة، وما أمر الحياة! فظائع وآثام سلسلة حياتنا في هذا المكان المنفرد، بل المجزر الهائل لكل من تسوقه إليه يد الأقدار، فيلاقي حتفه من حيث لا يدري، أجل إننا نكسب مالا كثيرا، ونأكل أشهى أكل، ولا نخشى صولة غادر ؛ لأننا نقوى على من يدور في خلده أن يزورنا ... ولكن آه من عذاب الضمير وتبكيته، فكأنني أسمع كل ليلة صوتا يقول لي: لحاك الله يا من ضحك شيب لحيته على سكر ذمته! ... لقد سكرت من دماء الضحايا، ومن سكر لا يعود يعد الأقداح، فمت أيها الضمير موتا أبديا، وهلمي إلي أيتها الجرائم، فلم يعد لي من أمل بالسماء.
ما تراها تسوق إلينا الأقدار من الغنائم في هذا المساء؟ الباب يقرع ... عسى ضيفنا أن يكون غنيا. (يتقدم ويقول): من الطارق؟
شارل (من الخارج) :
أبناء سبيل ضلا الطريق.
أندره :
أأنتما اثنان فقط؟
سيريل :
ومعنا جوادانا.
أندره :
إذن أنتم أربعة. (على حدة)
ما أتعس الساعة التي شرفا بها!
شارل :
نطلب منك أن تفسح لنا غرفة نبيت فيها ليلتنا.
أندره (على حدة) :
لقد وقعا في الفخ. (إلى شارل)
أهلا ومرحبا، ادخلا يا سيدي.
المشهد الثاني (أندره - شارل)
شارل (يدخل) :
كيف حال مولانا الكريم؟
أندره :
كما أشتهي لك من الصحة والعافية.
شارل :
أشكر لك تلطفك يا سيدي.
أندره :
وأين رفيقك الكريم.
شارل :
إنه يربط الجوادين في الإسطبل.
أندره (على حدة) :
لقد هدأ روعي. (إلى شارل)
ماذا تريدون من المرطبات؟ فكل أنواعها موجود.
شارل :
لا شيء يا سيدي، نحن في حاجة إلى الطعام.
أندره :
سيكون لك ما تريد، واعذرني يا سيدي إذا لم أقم بحق ضيافتك كما يجب؛ لأنك من رجال المجد والشرف، وعلى ما يظهر أنك قائد عظيم، إن ما أصبت به من العرج لا يمكنني من الخفة اللازمة، فها أنا ذاهب لأعد لك طعاما شهيا.
شارل :
ذلك أفضل ما تصنع، فلا حاجة لنا بالخدمة، فمعنا غليوننا والتبغ وافر وورق اللعب في جيبنا، فقدم لنا طاولة إذا شئت وزجاجة خمر وكأسين.
أندره :
سأرسل ولدي الصغير يقدم لك ما ترغب.
شارل :
ألك ولد صغير وأنت في هذا العمر؟!
أندره :
نعم فهو في الخامسة عشرة من سنيه ولكنه - يا للأسف - أخرس.
شارل :
إذن تخاطبه بالحركات والإشارات؟
أندره :
كلا، فهو يسمع ويفهم كل شيء، وعن قريب يصل ولدي الكبير من الصيد، فنحتفي بك الاحتفاء اللائق بالأمراء، فاعذرني الآن (يهم بالخروج) .
شارل :
أشكر لطفك يا سيدي. عجل بالطعام.
أندره :
ستكون مسرورا (يخرج) .
المشهد الثالث (شارل - سيريل)
شارل :
أشكرك يا رباه؛ لأنك مننت علي بالنجاة والخلاص وهديتني إلى هذا المكان الذي طبع صاحبه على اللطف والإيناس، فكأنني حال في منزلي.
سيريل (يدخل) :
لقد هيأت للجوادين مرقدا لينا، وقدمت لهما العلف الكافي ليقطعا مسافة النهار بطوله ولا يجوعان.
شارل :
جزاك الله خيرا أيها الرفيق الأمين! خذ كيس التبغ واحش غليونك واستعد للعب الورق. (يحشوان الغليونين.)
سيريل :
ما ألذ الراحة بعد العناء!
شارل :
وما أطيب الأمل بعد قطع الرجاء! (يدخنان.)
المشهد الرابع (المذكوران - إميل) (إميل يدخل وبيده زجاجة الخمر وكأسان.)
سيريل :
أهلا بالفتى الكريم.
شارل :
بل مرحبا بالكأس والمدام، فالولد أخرس لا يتكلم. (إميل يضع الطاولة في الوسط وعليها الزجاجة والكأسان، ويلتفت بالاثنين مستفهما عما يريدان.)
شارل (يدق على ظهره) :
عافاك الله أيها الفتي، فلك أتمنى لسانا فصيحا. (يشربان)
على صحتك يا فصيح.
سيريل :
لقد أثر بي منظره.
شارل :
هي مشيئة الله، فلنلعب الآن. (يلعبان ويتحدثان بلغة لاعبي الورق المعهودة.)
المشهد الخامس (أندره - إميل - سيريل - شارل) (إميل يدخل وبيده أواني المائدة فيضعها على الطاولة.)
أندره (يدخل) :
هذا ما استطعت تجهيزه الآن فاعذراني، كلا مريئا واشربا هنيئا، فأنتما في بيتكما (يخرج) .
سيريل :
لله در هذا الشيخ ما ألطفه!
شارل :
يظهر أن صاحب الدار رجل كريم الأخلاق، وإن دلت هيئته على البلادة، فليتمجد الله الذي أرسلنا إلى هذا المكان لنستريح ونرقد بسلام وهناء. (إميل ينظر إليه نظرة فاهم ويظهر الكدر.)
شارل :
إن أمر هذا الغلام يريبني يا سيريل؛ إذ لا يصدق أن رجلا يسمع ويفهم ولا يتكلم. (أندره يطل من الكوليس ليرى ما يبديه الغلام.) (إميل يدخل ويضع صحنا فوقه رغيف خبز وإلى جانبه يضع ورقة.) (شارل يرى الورقة فيندهش.) (إميل يبدي علامة السكوت ويشير إلى موضع أندره ويخرج.) (أندره يختفي عندما يخرج إميل.)
شارل (ينظر إلى جهة أندره فلا يراه) :
لقد ذهب، ما هذه الورقة يا سيريل؟ اسمع ما بها. (يقرأ):
إنكما في أيدي لصوص قتلة وستقتلان الليلة كغيركما فاحذرا، أسأل الله أن ينقذنا جميعا.
سر غريب، حذار يا سيريل، وأظهر رباطة جأش، وإياك أن يبدو منك أدنى علامة تدل على معرفتنا السر.
سيريل :
إن ساعدي من حديد فلا تخف.
شارل :
فلنأكل بسرعة، ثم نعود إلى تخطيط طريق النجاة (يأكلان) . (إميل يدخل، فينهض الفارسان، فيرفع إميل المائدة.)
شارل :
اذهب يا سيريل، وتفقد الدار لعلنا نقف على شيء يصدق لنا قول الفتى، وفتش عن منفذ نفر منه إذا اضطررنا إلى الهرب.
سيريل :
كن واثقا، وسأعود إليك بما ترغب (يخرج) .
المشهد السادس (شارل وحده)
شارل :
ما هذا المصاب أمن الدب إلى الجب؟ ليتني مت على أثر تلك الطعنة في الحرب ولا أهلك في كمين اللصوص، رباه نجني من هذه الليلة.
المشهد السابع (أندره - شارل)
أندره (يدخل) :
أتأمر بشيء مولاي؟
شارل :
ألف شكر لك أيها الكريم، فقد طوقتني بجميلك وغمرتني بفضلك، فأسأل الله أن يجزيك عني خيرا!
أندره :
متى أردت أمرا فادعني، ترني مستعدا لقضائه.
شارل :
حياك الله ودمت بخير! (أندره يخرج.)
شارل :
يا لك ذئبا بثوب الحمل! أتظن أنك تتغلب على شارل الشجاع؟ سنرى الغلبة لمن تكون.
المشهد الثامن (سيريل وشارل)
سيريل (يدخل) :
لقد صدق الغلام، فهذا فخ يصطاد فيه اللصوص عابري السبيل!
شارل :
قل ماذا رأيت؟
سيريل :
دخلت مخدعا صغيرا، فنظرت في حائطه مدخلا، ولجت منه إلى شبه مغارة، وهناك رأيت ثيابا متراكمة فوق بعضها، وهي من الجوخ الثمين والحرير الغالي مضرجة بالدماء، فخرجت لأرى إذا كان لنا منفذ نخرج منه فلم أجد، فالأبواب محكمة الأقفال والأسوار عالية جدا، ولا نستطيع تسلقها فلنستعد للموت والدفاع.
شارل :
لا تخف يا سيريل، فأنا لا أخاف عددهم مهما كثر، ولكني آنف من إهراق الدماء إذا نجونا بدونه، وعليه أرى أن خير وسيلة هي أن أدعو الشيخ وأجبره على فتح الباب، فنخرج بدون قتال وطعان، ونمتطي جوادينا ونأمن شر هؤلاء اللصوص.
سيريل :
إذا تم ذلك فلا بأس.
شارل (يقرع الجرس ثم يقول لسيريل) :
تجلد ولا تخف.
المشهد التاسع (أندره - شارل - سيريل)
أندره :
مر سيدي.
شارل :
أرجو منك ... (يقرع الباب من الخارج.)
أندره :
اسمح لي أن افتح الباب لابني، فهو قادم ثم أعود لخدمتك.
شارل :
يا خيبة الأمل، فلنر من يكون مع ابنه.
سيريل :
حذار أن يفهما شيئا من حركاتنا.
شارل (يطل قليلا ثم يقول) :
لقد اطمأن بالي فهو قادم وحده.
المشهد العاشر (أندره - ولده - المذكوران)
أندره :
هذا هو القائد ضيفنا الكريم.
جان :
أذكى السلام عليك أيها القائد البطل.
شارل :
ومرحبا بالبطل الهمام، لقد حللنا ضيفين على أبيك.
جان :
أنتما صاحبا المنزل، وكم حل عندنا مثلكما من عظماء الرجال وكنا سعداء؛ لأننا تشرفنا بتنازلهم للمبيت عندنا، فألف شكر للصدفة التي ساقتكما إلينا.
سيريل (على حدة) :
إنه مسرور بقتلنا. (إلى جان)
أنت مثال اللطف، ومن يشابه أبه فما ظلم.
جان (إلى شارل) :
لا شك في أنك تعبت في مهمتك الحربية.
شارل :
لقد ذقت الأمرين، ولكنني أحمد الله على سلامتي.
جان :
حمده تعالى واجب. (سيريل يتثاءب.)
جان (مازحا) :
ما بالك يا صاح تريد ابتلاعي.
سيريل :
لقد أصبت، ولكي تنجو من ذلك اهدني إلى غرفتي؛ لأن مشاق السفر أنهكتني.
جان :
اذهب معه يا والدي.
سيريل :
أرجو منكما سيدي أن توقظاني صباحا؛ لأنهض وأعتني بجوادي الاعتناء اللازم.
أندره :
فليكن ما أمرت.
سيريل :
اعلما أنني أغط في نومي الثقيل كالتمساح، فأرجو منك أن تطرق الباب طرقات عنيفة؛ لأن نومي ثقيل كجسمي الغليظ.
أندره :
سر بنا ونم مطمئنا (يخرجان) .
جان :
ومتى تريد أن تنام يا سيدي القائد؟ (يحدق إلى المسدس.)
شارل :
أنا أسهر قليلا، ما بالك تحدق النظر إلى مسدسي كأنه أعجبك؟
جان :
نعم، ولكن لا داع إلى إزعاج نفسك بحمله، فأنت في مأمن من كل خطر، فمر بأن أضعه في هذا الدرج.
شارل :
لقد تعودت أيها الفتى أن أرقد وسلاحي بجانبي، فأصبحت لا يغمض لي جفن ما لم يكن بقربي، فاعذرني إذا رددت طلبك وأنا واثق بأنني في بيتي.
جان :
إن ثقتك لأكيدة (يتمشى ذهابا وإيابا) . (شارل يحدق إليه.)
جان :
أظن أن والدي نسي أن يقدم إليك من خمرتنا الجيدة (ينادي أباه)
أبي! أبي! هات كأسا من الخمرة الجيدة لجناب القائد، إن الذين يتقدمون في السن ينسون أكثر الواجبات، (يسمع ضجة)
ماذا جرى؟ (يخرج.)
شارل :
إنه يريد أن يسكرني؛ ليسهل عليه اغتيالي، ولكنني لا أقع في شراكه.
جان (يعود مذعورا) :
بعيشك سيدي، إن والدي سقط في قبو الخمر فأرجو منك أن تتنازل وتساعدني على إنهاضه، أسرع يا سيدي، هلم وانظر ...
شارل (يطل) :
مسكين هذا الشيخ لقد أنزل به الأذى وجودنا عندكم.
جان :
أعني يا سيدي على إنقاذه.
شارل :
بما أنني أجهل المكان فانحدر أمامي.
أندره (يئن ويصرخ) :
أنجدوني خلصوني.
جان :
هلم بنا (يتقدم)
من هنا. من هنا ...
شارل :
ويحك يا غادر، أتريد أن تأخذني بهذه الحيلة؟ فالحق بوالدك يا ابن اللؤم والخداع (يرفسه) . (جان يقع في قبو الخمر.)
شارل :
فلنقفل الباب على الاثنين (يقفل الباب)
لقد ظفرت الآن ونجوت، فألف شكر لله (ينادي)
سيريل! يا سيريل! يا سيريل (يطلق رصاصة)
أين أنت؟
المشهد الحادي عشر (سيريل - شارل)
سيريل :
هنا يا سيدي، هنا (يدخل وبيده خنجر وفي الأخرى مسدس) .
شارل :
لا تخف شرا فقد سجنت الوالد وابنه بقبو النبيذ، ولا يخرجان منه إلا إلى السجن.
سيريل :
لله درك بطلا!
شارل :
اذهب وفتش عن الأخرس.
سيريل (يخرج مسرعا فيلتقي به في الكوليس فيعود به) :
هذا هو هذا هو.
المشهد الثاني عشر (المذكوران - إميل)
شارل (إلى إميل) :
لقد سجنا الوالد وابنه، فكن مطمئنا يا غلام.
إميل :
شكرا لك يا رب.
شارل :
أأنت تتكلم؟
إميل :
نعم سيدي، وما أخرسني إلا جور صاحب الدار وابنه؛ لكيلا أبوح بسر فظائعهما، هل ذبحتهما؟
شارل :
إنهما سجينان فاجلس وقص علينا خبرك.
إميل :
لقد حان موعد مجيء زمرة اللصوص، فكونوا على حذر.
شارل :
ومن أين يدخلون؟
إميل :
من هذا الباب.
شارل :
سيريل كن على حذر (يرصدان خلف الباب) .
المشهد الثالث عشر (المذكورون - اللصوص) (يقرع الباب فيفتح إميل، فيدخل لصان فيقبض عليهما سيريل وشارل ويقيدانهما.)
شارل (إلى اللصين) :
وهل يشرفنا غيركما؟ قولا الصحيح.
إرمان :
لا يا سيدي. (يسمع من الخارج صياح وعويل.)
شارل :
أظنهم قدموا جميعا، حذار يا سيريل.
سيريل :
الحذر الحذر.
المشهد الرابع عشر (المذكورون - فارس)
فارس (يدخل) :
أأنت هنا يا سيدي والفرقة تبحث عنك؟
شارل :
لقد صرنا في مأمن تباركت يا رب! اذهب معه يا سيريل وقل لهم يكونوا في انتظاري، فقد عولت على الذهاب الآن وسآخذ اللصوص معي؛ لأذيقهم عقاب ما جنت يداهم، قل للفرقة تدخل الأقبية وتشرب الخمور المعتقة، وتأكل ما طاب لها أكله بعد أن تقيد الفتى وأباه، لنأخذهما مع هذين اللصين.
سيريل :
أمرك مطاع (يخرج) .
شارل (يناديه) :
سيريل، عد. (سيريل يرجع.)
شارل :
أخرج هذين اللصين من هنا. (سيريل يخرجهما هو والفارس.)
شارل :
تعال أيها الفتى وأخبرنا قصتك الآن، فقد أمنا شر الأعداء.
إميل :
إن قصتي غريبة يا سيدي، فبينما كنت ذات يوم مع والدي، دخل بيتنا رجل وهو أحد اللصين الغليظ الجثة، يطلب من والدي دينا وأخذ يهينه بكلام بذيء، فأبى والدي أن أسمع كلامه فأمرني بالخروج إلى البستان، وما كدت أخرج حتى التف حولي ثلاثة رجال يتهددوني بالقتل، إذا فهت ببنت شفة، وربطوا على عيني عصابة لم ينزعوها إلا في هذه الدار، ولما وبختهم ذات ليلة على فظائعهم، أمروني ألا أتكلم أبدا، فقضيت عندهم ثلاث سنوات صامتا، ولا أدري ما حل بوالدي الشيخ.
شارل :
وابن من أنت؟
إميل :
أنا إميل بن فرنان دي كارني.
شارل :
إميل فرنان دي كارني؟ أنت ابن أخي!
إميل :
عماه (يتعانقان) .
المشهد الخامس عشر (المذكوران - سيريل)
سيريل (يدخل) :
ماذا أرى؟
شارل (إلى إميل) :
كأن الله أرسلك إلى هذا المكان لتنقذني، فأنت ملكي الحارس!
إميل :
وأنت منقذي ومخلصي.
سيريل :
ما هذا؟
شارل :
هذا ابن أخي إميل يا سيريل، سباه اللصوص وأسروه هنا، ألم أقل لك إنني أشعر بميل إليه؟
سيريل :
ما أعظم رحمة الله!
شارل :
عد وقل للجنود أن يستعدوا للسفر، وسر بنا يا إميل إلى غرفتك؛ لنستعد للذهاب لنسر ونفرح بلقيا والدك المسكين ، فالله لا يترك عبده. (يرخى الستار.)
الفصل الثالث
في القصر
المشهد الأول (لويس وحده)
لويس :
الله من مصائب الدهر وما أقوى شوكة الأيام! فهي تقلب للبشر ظهر المجن، فقد كان سيد القصر رجلا عظيما مهابا تخشى صولته البشر، أما اليوم فقد أصبح صريع نبال الأيام، ملقى على فراش الأوجاع تهيج شجونه ذكرى أولاده الثلاثة - الذين ماتوا غرقا - ويحزنه فقد أخيه الذي كان يعلق على حياته أملا كبيرا، أما الآن - وقد قضي الأمر - فالله أسأل أن يصبرك يا فرنان!
المشهد الثاني (شارل - لويس)
شارل (يدخل) :
السلام عليك.
لويس :
وألف تحية يا حضرة القائد، ما أحب رؤياك، فمنذ زمن طويل لم نر حملة السيوف في هذا القصر، فصاحبه شيخ عاجز يئن في فراشه وأنا أذوب حزنا عليه.
شارل :
أليس هذا قصر الكونت دي كارني؟
لويس :
بلى سيدي وأنا قهرمانه.
شارل :
أهو مريض؟
لويس :
ولا يكاد يسير إلا ببطء، وهو دائما يبكي وينوح!
شارل :
وعلى ما ينوح؟
لويس :
لا تسل يا سيدي، فالحديث شجون، لقد فقد أولاده الثلاثة وفجع بأخيه القائد شارل.
شارل :
وماذا يحل به إذا عرف أن أخاه حي يرزق؟
لويس :
أصحيح ما تقول؟ لا ريب أن يهبك مالا جزيلا مكافأة على هذه البشرى.
شارل :
أنا هو شارل، أنسيتني يا لويس؟
لويس :
مولاي!
شارل :
صديقي (يتعانقان)
وأزيدك فرحا، بأن أقول لك إن إميل ولده لم يزل في قيد الحياة وعن قريب يصل.
لويس :
رباه أتكذبن آذاني؟!
شارل :
كن واثقا بما أقوله لك يا لويس.
المشهد الثالث (المذكوران - إميل - سيريل)
إميل (يدخل ومعه سيريل) :
لويس مهذبي!
لويس :
سيدي حبيبي!
سيريل :
ما أحلى هذا الاجتماع!
شارل :
إنه ثمرة اجتهادك وإخلاصك.
سيريل :
عفوا سيدي.
فرنان (من الخارج) :
يا لويس! تعال إلي يا لويس! فقد سئمت الإقامة بين هذه الجدران، تعال وأنهضني يا لويس.
لويس :
أنا آت يا مولاي.
إميل :
هذا صوت أبي (يهم بالخروج) .
شارل :
مهلا يا إميل، فلا يحسن أن يعرف بنا فجأة فيموت من الفرح، اذهب يا لويس، وأخرجه إلى هنا وحدثه معزيا عن بلواه، وأفهمه أننا لم نزل أحياء. (لويس يخرج.)
فرنان :
تعال يا لويس.
شارل :
اخرج يا سيريل، مع إميل إلى الخارج، وحافظ على اللص الذي زور السند، وأهان أخي عندما اختطفوا إميل (يخرجان) .
شارل :
هذا أخي فرنان، مسكين عاجز، قبح الله الدهر!
المشهد الرابع (شارل - فرنان - لويس)
فرنان (يدخل) :
ماذا تفيد الحياة يا لويس وأنا شيخ هرم، جزاك الله خيرا على حسن اعتنائك بي، أيها الصديق الحميم.
لويس :
لا تيأس يا مولاي، فالصبر مفتاح الفرج.
فرنان :
وأي أمل لي بالفرج بعد انقراض أسرتي؟ فقد أصبحت أطلب الموت وهو يفر مني، تعال أيها الموت تعال.
لويس :
أتصدق يا سيدي إذا قلت لك إن أخاك شارل لم يزل حيا، وإن خبر وفاته كان كاذبا؟
فرنان :
هيهات يا صاح، ليت ذلك صحيح! فليس عند الله أمر عسير ولكن ...
لويس :
نعم سيدي وقد رأيته اليوم.
فرنان :
بربك أحقا ما تقول؟!
لويس :
نعم سيدي.
فرنان :
آه ما أقسى قلبه. وكيف لم يأت إلي؟ هيهات، أنت صديق مخلص تريد أن تخفف ويلاتي بتذكار أخي وتعللني بالآمال.
شارل (يظهر) :
لا يا أخي، فأنا حي.
فرنان :
هذا صوت شارل، ماذا أسمع؟! أين هو؟!
شارل (يسرع إليه ويعانقه قائلا) :
أخي فرنان!
فرنان :
أخي حبيبي.
شارل :
لم أكن أظن يا أخي أنك صرت هكذا!
فرنان :
هي المصائب يا أخي تقوض الجبال، فقد فقدت أولادي الثلاثة، ولكنني وجدت بلقاك كل العزاء، وأحس أن شبابي تجدد.
شارل :
لا تقنط يا أخي من رحمة الله، فهو قادر أن يرد ابنك إليك.
فرنان :
ما هذه الأحلام؟
شارل :
لا أقول لك إلا الصدق.
فرنان :
رباه ماذا أسمع أتكذبني آذاني؟
شارل :
سيريل هات إميل (يدخلان) .
المشهد الخامس (المذكورون - إميل - سيريل)
إميل :
أبي أبي.
فرنان :
يا روحي يا ح ... (يغمى عليه) .
شارل (ينشقه المنبهات) :
هذا ما كنت أتوقعه.
فرنان :
آه، إميل شارل أخي ابني آه ... (ينشقونه المنعشات.) (فرنان يستفيق ويصافح ولده وأخاه، فيغمى عليه ثانية.)
فرنان (يستفيق بعد قليل قائلا) :
لقد قرب الأجل، سأموت قرير العين .
شارل :
تجلد يا أخي، لأقص عليك خبرنا.
فرنان :
إن مرآكما ألذ وأشهى الأخبار يا عزيزي.
شارل :
لقد جئنا بالرجل الذي جاءك - إذا كنت تذكر - بالسند المزور، فهو وعصابته اختطفوا إميل، فهل تحب أن ترى ذلك اللئيم؟!
فرنان :
لقد فرحت بمرآكما، فلا تكدر صفو آخر ساعة من حياتي برؤية من أهانني.
شارل :
إذن تأمر بقتله؟
فرنان :
لا يا أخي، فالله يأمر بالمسامحة والغفران، إنني أعفو عنه وكفاني أن عاد إلي ولدي ورأيت أخي.
لك الحمد يا رباه والشكر والثنا
لأنك بعد الصبر بالرغد تنعم
أردت امتحاني بالمصائب والبلا
وهذي حياتي اليوم بالبشر تختم (تمت)
Bilinmeyen sayfa