الثانية
جاء في المنهاج ص80 ما نصه: «فإن قيل هل يلزم العبد طلب الرزق بحال ما؟ فاعلم أن الرزق المضمون الذي هو الغذاء والقوام لا يمكننا طلبه إذ هو شيء من فعل الله سبحانه للعبد كالحياة والموت لا يقدر العبد على تحصيله ولا على دفعه (؟!) فإن قيل: لكن لهذا الرزق المضمون أسباب، فهل يلزمنا طلب الأسباب؟ قيل له لا يلزمك، إذ لا حاجة للعبد إليه إذ الله سبحانه يفعل بسبب وبغير سبب. فمن أين يلزمنا طلب السبب، ثم إن الله تعالى ضمن لك ضمانا مطلقا من غير شرط الطلب والكسب، قال الله تعالى:
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها
ثم كيف يصح أن يأمر العبد بطلب ما لا يعرف مكانه فيطلبه، والواحد منا لا يعرف سبب الرزق يتناوله من أين يحصل له، فلا يصح تكليفه. فتأمل».
وقد تأملنا كثيرا، فلم نر هذه الحجج إلا خيالا في خيال!
الثالثة
أراد الغزالي أن يحض على التوكل فأمر بملاحظة الجنين كيف وصلت سرته بسرة الأم لينتهي إليه الغذاء لما كان عاجزا عن الحركة والاضطراب، فلما انفصل سلط الله على الأم الحب لترضعه وهي راغمة، وأدر له اللبن اللطيف، إذ كان مزاجه لا يحتمل الغذاء الكثيف. وانتقل الغزالي من هذا إلى بيان أن الكبير قد كثرت أسباب الرفق به، فبعد أن كان المشفق واحدا هو الأم أو الأب، أصبح أهل البلدة كافة يشفقون عليه. ثم أخذ يبين كيف ينتفع اليتيم بشفقة المسلمين، إلى آخر ما قال.
وهذه الحجة على الغزالي لا له، فإنه إذا كان الله وصل سرة الجنين بسرة أمه لضعفه عن الحركة، وأدر عليه اللبن لعجزه عن المضغ، وسلط على أمه الحب لعجزه عن السعي، فلماذا منحه القوة إذن، إذا كان لم يشأ أن يستغني بها عن الناس؟
فأما ما قاله من أن كل واحد من أهل البلد إذا أحس بمحتاج تألم قلبه، ورق عليه، وانبعثت له داعية إلى إزالة حاجته، فهي أمنية شعرية، وليته ذكر أن العرب هموا بترك دينهم ليخلصوا من الزكاة!
الفصل الخامس
Bilinmeyen sayfa