ومن صفات هذا العبد أنه لم يكن يحمل إلى مولاه إلا أخبار السوء، ومن طبعه أن لا يهدأ له لسان فهو كما تقول العامة في من كان مثله: «لسانه بسبع شناخيب»، وفي وصفه قال هذا الشاعر المنكوب بعد أن عدد شعرا صفات هذا العبد النمام المبشر دائما بالسوء:
وإن قلت : ما الأخبار؟ قال: رديئة
سعوا فيك، أو مات امرؤ، أو غلا السعر
وإن قلت: من في الباب؟ قال مفولا
على الباب عزرائيل وانفصل الأمر
ومن الأمثال المصنوعة على قالب كليلة ودمنة، حكي أنه كان في إحدى الغابات الكثيفة شجرة ضخمة طال عمرها فنخرت السنون في جذعها. وضعت اللبؤة في قرارة جوفها أشبالها، كما بنى العقاب في شماريخ أغصانها وكره. وبينما كان في وكره يزق أفراخه، إذ بالهر يشرفه بزيارة غير منتظرة افتتحها بالتحية المعتادة: «حياك الله أيها الصديق.» وبعد السلام والكلام شرع الهر بالتدليس والتملق، فتنفش العقاب وأصغى بأبهة ورصانة إلى حديث زائره الكريم. وبعد إفراغ جراب التحيات والسلامات انتقل الهر إلى الغرض الذي من أجله جاء فقال له: «لي معك حديث تهمك معرفته، وإذا لم أقدم حتى الآن على إطلاعك عليه فخوفا من أن تبوح بالسر.»
وبعدما كبر الأمر وجسم الخطر أقسم له العقاب بشرفه وبدينه أنه لا يفشي من سره شيئا. فقال له الهر: «سمعت الأسد يقول لبنت عمه اللبؤة: إنه يترقب فرصة غيابك ليصعد إلى أفراخك ويأخذها زادا لأشباله.»
فشكره العقاب على نصيحته الغالية، وودع الهر وانصرف.
وفي طريقه عرج على الأسد، وقبل أن يدخل عليه صاح به من بعيد: «أمني يا ملك الزمان، فأنا أحمل إليك نبأ يهمك.»
وكان له الأمان الذي أراد، فدخل وهو يقول: «أسعد الله صباحك يا ابن العم، إن القرابة هي التي حملتني على أن أنقل إليك خبرا يهمك جدا أن تعرفه؛ لتكون على بصيرة من أمرك. إن العقاب المعشش فوق في أعالي الشجرة يتحين فرصة غيابك لينقض على أشبالك ويطعمها أفراخه.»
Bilinmeyen sayfa