ما رأيت دولة تمثل تمثيلا أشبه بالملهاة كما هي الحال في لبناننا العزيز. ولسنا نحس الانقلابات والتطورات إحساسا يفوق حسن النظارة في المسرح. إننا نفرح بمرسوم، ونحزن بمرسوم، وهل يفرح حقا من يؤمر بالفرح؟
إن الحياة المدرسية هي نواة الحياة الاجتماعية الوطنية. فهل من يقول لي: ماذا نزرع - على مقاعد المدارس الأجنبية - في نفوس النشء اللبناني؟
إذا كان الكاهن رسول ربه، فالمعلم هو الرسول المبشر بأسمى عقائد زمانه ووطنه. فهل يشعر من تعلم وتتلمذ في مدارس الأجانب أنه ابن هذه الصخور؟
اسمعوا، أيها الإخوان، كما تختلف تربية المصري عن تربية الحجازي والعراقي، تختلف كذلك التربية اللبنانية عن غيرها، فلا يكون تحوير المنهاج وفقا لزراعة الدخان في النبطية، والقمح والعدس في بعلبك، والليمون في صيدا وطرابلس، والموز في أنطلياس، والدراق والخوخ في بسكنتا، والبطاطا في تنورين والعاقورة، والتفاح في فاريا وميروبا، والأجاص والجوز في بشري وأهدن.
إنني تحدثت عن التربية الوطنية، والتربية الوطنية تتناول أولا ما يزرع في النفوس هذا الذي أريد أن أعرفه فقط، مع اعترافي أنكم تستحقون شكر الوطن على ذلك التحوير، فويل أهون من ويلين.
لا جديد في لبنان إذا كنا نرى في مدارسنا الماروني إلى جانب الدرزي والأرثوذكسي مع السني والشيعي، فالمطران جرمانوس فرحات تتلمذ للشيخ سليمان الحلبي قبل أن أعلنت حقوق الإنسان ... وأنا كنت أجلس في عهد التلمذة سنة 1905 على بنك واحد في كنيسة مدرسة الحكمة، كل يوم، وحوالي الأمير رفيق أرسلان والسيد محيي الدين أيبش. فالمير والسيد لم يتنصرا، ومارون عبود خرج كصاحب مضرية بديع الزمان.
لست عدو الدين، ولا أطلب تربية بلا دين. فمن الخير تعليمه لئلا يخرج أبناؤنا بلا وطن ولا دين. فالاعتقاد، كما يقول بلزاك في قصته «خوري القرية» هو الإرادة البشرية البالغة أقصى قوتها. ولا ولا ولولاه لما رددنا:
نصر من الله وفتح قريب . فالمعتقد المكين سر قوة الشعب، ولا تعدوني وثنيا إن قلت: إن لبنان أدونيس كان أعز من لبنان هذا. الدين لا يستأصل من الإنسان، كالوكيل الدوري، كلما عزل فهو وكيل. وقد قال دركايم معلم المعلمين العلمانيين: إذا أفرغنا المبادئ الأدبية من عناصر الدين فإننا نبترها.
مسكين حظ لبنان، فما فيه حد وسط. فهناك إما لبناني يظن لبنان جزءا من أوروبا، وإما لبناني يريد أن يجعله في الدهناء وحضرموت وقد نسي أن العرب أولعوا بوطن ثان كلبنان، هو الأندلس، وأن لبنان عربي اللسان، شرقي الجنان، طعمت شرقيته بالحضارة الغربية، فكونته هذا التكوين الخاص، فيه العربي والمستعرب، فما حيلتنا في المولييريين الذين جعلوه طبيبا غصبا عنه.
إذا كان الإنسان ابن بيته فلا يكون لبنان إلا كما هو. إن بيته شارع يمتد إلى الجادة العالمية، يرى كل عابر سبيل ولا عاصم من التأثر.
Bilinmeyen sayfa