في الحرب العظمى الأولى، التقيت بدرويش يحمل كشكوله. وكنت أنا أحمل زادي. فالخبز عز في ذلك الزمان ولو كان خبز شعير.
ترافقنا مسافة غير قصيرة. وأخيرا مر بنا غني يركب عربته، فتقدم منه الدرويش يقوله: «من مال الله!»
فوقف الرجل وأمر خادمه أن يعطيه، فأعطاه بضعة أرغفة، فأخذ اثنين فقط ورد البقية.
فصاح به الغني: أفي هذه الأيام يرد من خبز القمح؟
فقال الدرويش: هذا عشائي، أما فطوري فعلى غيرك، إن عشت.
فقلت له بعدما مشينا: يا درويش الخير، ألا تخاف الجوع؟
فقال: لا والله! ومن يتوكل عليه يظل مكفيا. لي سبعون عاما، وأنا أطوف في أرض الله ولم أحرم القوت. أتكون البهائم خيرا منا؟
ثم حملق بي وقال: ألا تعرف ماذا يقول إنجيلك: «تأملوا طيور السماء فإنها لا تزرع ولا تحصد، وأبوكم السماوي يقيتها»؟
نحن لا ندعو إلى عيش الزهد والتقشف والتوكل بدون عمل وسعي، ولكنا ندعو إلى حياة رتيبة حافلة بخير العمل الذي لا تلذ هذه الحياة بدونه. وإذا شئنا أن نخفف همومنا فلنعمل بقول المتنبي:
لا تلق دهرك إلا غير مكترث
Bilinmeyen sayfa