فما سمعت شيئا قط أحسن من غنائها واستحسنت الشعر فحفظته، وما بقي منه لم يحفظه علي بن الحارث حدثنا ابن أبي الدنيا، حدثني محمد بن الحسين، حدثني رستم بن أسامة، حدثني إبراهيم بن رستم الخياط، جليس لأبي بكر بن عياش، عن أبي بكر، قال: قال لي رجل مرة وأنا شاب: خلص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رق الآخرة، فإن أسير الآخرة غير مفكوك أبدا، قال أبو بكر: فما نسيتها بعد (1) -[0] حدثنا ابن أبي سعد، حدثني محمد بن إسحاق المسيبي، حدثني القاسم بن محمد بن المعتمر، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمه موسى بن طلحة، قال: كان بيني وبين رجل من بني عبد شمس خصومة إلى مروان، فكنت إذا اجتمعت أنا وهو عند .... رأى أن الحق حقي فوجه إلي القضاء، فإذا خرجت من عنده، صرفه أهل بيته عن ذلك فأعود إليه، وقد حال داؤه، فيتعاود الخصومة فيرى أن الحق حقي فيصدر إلى القضاء ويخرج من عنده فيصرفه عن ذلك أصحابه فخرجت من عنده يوما، فلقيت عبد الله بن الزبير، فقال: من أين يا ابن أبي محمد؟ فقلت: من عند مروان، قال : ما لك وله والدخول عليه؟ فحدثته بحديثي وحديث خصمي، فقال: أنا حاضر معك غدا، فلما كان من الغد حضرت باب مروان، فإذا أنا بابن الزبير قد حضر وخرج أذنه فنظر من بالباب، ودخل إليه فأخبره، ثم خرج، فقال: قم يا أبا بكر فقام ابن الزبير ثم أذن لنا فدخلنا عليه، فإذا ابن الزبير معه على الفراش، فجلست بين يديه أنا وخصمي فقام ابن الزبير فجلس معنا، فقال: " يا مروان هذا ابن أبي محمد، فلعن الله قاتل أبي محمد "، قال: فقال مروان: ورحم الله قاتل الزبير، قال: فقال: أترحم على قاتل الزبير؟ قال: فيلعن قاتل أبي محمد؟ قال: فقام كل واحد منهما إلى صاحبه، قال: وقمت فدخلت بينهما فأقبلت على ابن الزبير، فقلت: سبحان الله شيخ قريش وعابدها يخرج إلى هذا؟ قال: فيترحم ابن الزرقاء على قاتل الزبير، قال: فأقبلت على مروان، فقلت: سبحان الله أنت الأمير ولك سن في قومك أما تستحي من هذا؟ قال: فيلعن ابن العوام قاتل طلحة؟! قال: فوالله إن زلت أدفع هذا عن هذا حتى فرقت بينهما وكل واحد منهما ينازل صاحبه، وظننت أن الذي حمل ابن الزبير على ما فعل شيء كان .... أبا بكر أكان بلغك عني شيء؟ قال: لا، قال: فما أخرجك إلى هذا وأنا أشكو إليك ظلمة ما تراه وصانعا بعد هذا؟، فقال: وما علمك أنت بهذا؟ فانصرفت، فلما كان من الغد حضرت، فإذا ابن الزبير قد حضر فخرج حاجب مروان، فنظر من بالباب فدخل إليه ثم خرج، فقال: قم يا أبا بكر، قال: فدخل ثم أذن للخصوم، قال: فدخلت أنا وخصمي فجلسنا بين يديه، فأقبل مروان علينا، فقال: إني قد نظرت في هذا الأمر، فإذا الحق حق ابن طلحة، أشهد أني قد قضيت له به، قال: فلقيت ابن الزبير فقال: ألم أقل لك إني أعلم بمعاملة قومي حدثني أبو إسحاق البصري، حدثني أبو الحسن على بن الصباح، نا أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب، عن عوانة بن الحكم، قال: كان عبد المطلب إذا ورد اليمن نزل على عظيم من عظمائهم فنزل في بعض ما كان، فنزل فوجد عنده رجلا كبيرا قد أمهل له في العمر، فقد قرأ الكتب، فقال الرجل: يا عبد المطلب ائذن لي في أن أفتش مكانا منك، فقال: ليس كل مكان مني آذن في تفتيشه، قال: إنما هما منخراك، قال: فدونك، فنظر إلى شعر في منخريه، فقال: أرى نبوة وملكا وأرى أحدهما في زهرة، فرجع عبد المطلب فتزوج هالة بنت وهيب بن عبد مناف، فولدت له أبا النبي صلى الله عليه وسلم قال: فقال له ذلك الثاني الذي كان ينزل عليه: يا أبا حارث ألا تغير ما أرى من بياض رأسك ولحيتك؟ قال: بلى، فأمر بحناء فخضب به ثم علا بالوسمة فلما أراد عبد المطلب الانصراف زوده وسمة وحناء، فلما دنا عبد المطلب من مكة اختضب ودخل مكة، فقالت امرأته نتيلة: ما أحسن هذا السواد لو كان يدوم، فأنشأ عبد المطلب، يقول:
ولكن بديلا من شباب قد انصرم
تمتعت منه والحياة قصيرة ... ولا بد من موت نتيلة أو هرم
وما ذا الذي يغني عن المرء خفضه ... وزينته يوما إذا عرشه انهدم
فموت جهيز عاجل لا شوى له ... لعمري خير من مقالتهم حكم
قال: وكان عبد المطلب لا يسافر سفرا إلا ومعه ابنه الحارث، وكان أكبر ولده، وكان شبيها به جمالا وحسنا، فأتى اليمن وكان يجالس عظيما من عظمائهم، ويجلس معه الحارث، وكان عبد المطلب لا يكاد يشرب تنزيها عنه، حين طعن في السن، فقال الحميري: يا أبا الحارث لو أمرت ابنك هذا يجالسني وينادمني، فإني أسر بذلك، فكان عبد المطلب لا ينهاه عن ذلك، فعشقت امرأة الحميري الحارث فراسلته، فأبى عليها، وألحت عليه، فبعث إليها:
لا تطمعي فيما لدي فإنني ... كرم منادمتي عفيف مئزري
أسعى لأدرك مجد قوم سادة ... عمروا فطفن البيت عند المشعر
فافني خيالا واعلمي أني امرؤ ... أربي بنفسي أن يعير معشري
إني أذن لخلوتي أو كنيتي ... أو أن يقال صبا بعرس الحميري
، وأخبر أباه بذلك ، وكان عند الملوك سم ساعة، وسم يوم، وسم شهر، فلما يئست منه سقته سم شهر، فارتحل عبد المطلب، حتى إذا كان بمكة مات الحارث، فجزع عليه عبد المطلب فأنشأ يقول:
سقى الإله صدى واريته ظهرا ... ببطن مكة يعفوه الأعاصير
. من مريرته بالخير مذكور
يا حارث الخير قد أورثتني شجنا ... فما لقلبي عن ذكراك تغيير
فلست أنساك ما هبت شآمية ... وما بدا علم في الآل معمور
Sayfa 1