قَالَ: فَخَرَجَ، فَإِذَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَأَرَادَ الْمَأْمُونُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ مُوسَى، فَلَمَّا بَصُرَ بَهِ مِنْ بَعِيدٍ، وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ بِهِ بُغْضًا، رَفَعَ يَدَيْهِ مَادًّا إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ بَدِّلْنِي بِعَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ مُطِيعًا نَاصِحًا، فَإِنَّهُ بِصَدَاقَتِهِ لِهَذَا آثَرَ هَوَاهُ عَلَى هَوَايَ، فَلَمَّا دَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، فَسَلَّمَ فَرَدَّ ﵇، ثُمَّ دَنَا فَقَبَّلَ يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَاتِ حَوائِجَكَ.
قَالَ: ضَيْعَتِي بِالْمُغِيثَةِ غُصِبْتُهَا وَقُهِرْتُ عَلَيْهَا.
قَالَ: نَأْمُرُ بِرَدِّهَا عَلَيْكَ، قَالَ: حَاجَتُكَ؟ قَالَ: دَينٌ كَثِيرٌ عَلَيَّ فِي جَفْوَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِي.
قَالَ: نَقْضِي دَيْنَكَ، ثُمَّ قَالَ: حَاجَتُكَ؟ قَالَ: تَأْذَنُ لِي فِي الْحَجِّ.
قَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لَكَ.
ثُمَّ قَالَ: حَاجَتُكَ؟ قَالَ: وَقْفُ أَبِي كُنْتُ إِلَيْهِ، فَأُخْرِجَ مِنْ يَدِي وَصَارَ إِلَى قَثَمٍ وَالْقَاسِمِ، ابْنَيْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: فَتُرِيدُ مَاذَا؟، قَالَ: يُرَدُّ إِلَيَّ.
قَالَ: أَمَّا مَا كَانَ يُمْكِنُنَا فِي أَمْرِكَ فَقَدْ جُدْنَا لَكَ بِهِ.
وَأَمَّا وَقْفُ أَبِيكَ فَذَاكَ إِلَى وَرَثَتِهِ وَمَوَالِيهِ، فَإِنْ رَضُوا بِكَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ وَقَيَّمًا لَهُمْ رَدَدْنَاهُ، وِإِلا أَقْرَرْنَاهُ فِي يَدِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ.
ثُمَّ خَرَجَ.
فَقَالَ الْمَأْمُونُ لِعَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ: مَا لِي وَلَكَ عَافَاكَ اللَّهُ، مَتَى رَأَيْتَنِي نَشَطْتُ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَعُنِيتُ بِهِ، وَهُوَ صَاحِبِي بِالأَمْسِ بِالْبَصْرَةِ.
فَقَالَ: ذَهَبَ فِكْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى.
قَالَ: صَدَقْتَ، ذَهَبَ عَنْ فِكْرِكَ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْكَ حِفْظُهُ، وَحَفِظَ فِكْرُكَ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ لا يَخْطُرَ بِهِ، أَمَا إِذَ أَخْطَأْتَ فَلا تُعْلِمْ إِسْمَاعِيلَ مَا دَارَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي أَمْرِهِ.
فَظَنَّ عَلِيٌّ أَنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ إِسْمَاعِيلَ بْنَ مُوسَى، فَأَخْبَرَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ جَعْفَرٍ بِالْقِصَّةِ حَرْفًا حَرْفًا، فَأَذَاعَهَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَبَلَغَ الْخَبَرَ الْمَأْمُونُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي هَذِهِ الأَخْلاقَ الَّتِي أَصْبَحْتُ أَحْتَمِلُ بِهَا عَلِيَّ بْنَ صَالِحٍ، وَابْنَ عِمْرَانَ، وَابْنَ الطُّوسِيِّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَمَنْصُورَ بْنَ النُّعْمَانِ، وَزَعَامِشَ
سَمِعْتُ أَبَا عَبَّادٍ، ذُكِرَ الْمَأْمُونُ، فَقَالَ: " وَاللَّهِ أَحَدُ مُلُوكِ الأَرْضِ، الَّذِي يَجِبُ لَهُ هَذَا الِاسْمُ بِالْحَقِيقَةِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ، قَالَ: كَانَ يَلْزَمُ بِابِي رَجُلٌ لا أَعْرِفُهُ، فَلَمَّا طَالَتْ مُلازَمَتُهُ قُلْتُ لَهُ بِسُوءِ لِقَائِي: يَا هَذَا مَا لُزُومُكَ بَابِي؟، قَالَ: طَالِبُ حَاجَةٍ.
قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تُوصِلْنِي إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ تُوصِلْ لِي رُقْعَةً.
قُلْتُ: مَا يُمْكِنُنِي فِي أَمْرِكَ مَا تُرِيدُ.
فَانْصَرَفَ، وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيئًا، وَجَعَلَ يَلْزَمُ الْبَابَ، فَمَا يُفَارِقُهُ، فَإِذَا انْصَرَفْتُ فَرَآنِي نَشِيطًا تَصَدَّى لِي فَأَرَانِي وَجْهَهُ فَقَطْ.
وَإِنْ رَآنِي بِغَيْرِ تِلْكَ الْحالِ، كَرَّ نَاحِيَةً.
فَمَا زَالَتْ تِلْكَ حَالَهُ، صَابِرًا عَلَيْهَا حَتَّى رَفَقْتُ عَلَيْهِ.
فَقُلْتُ لَهُ يومًا وَقَدِ انْصَرَفْتُ مِنَ الدَّارِ: مَكَانَكَ.
فَأَقَامَ.
فَقُلْتُ لِلْغُلامِ: أَدْخِلْ هَذَا الرَّجُلَ.
فَأَدْخَلَهُ.
1 / 44