فَاكْفُفْ لِسَانَكَ عَمَّنْ لَيْسَ يَرْدَعُهُ ... عَنِ الْوَفَاءِ خَلابٌ بِالنَّحِيَّاتِ
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ شُرَيْحٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُعَاوِيَةُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ مَيْسَرَةَ، عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: تَقَدَّمَتْ إِلَيَّ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: أَيُّهَا الْقَاضِي، إِنِّي جِئْتُكَ مُخَاصِمَةً.
قَالَ: وَأَيْنَ خَصْمُكِ؟ قَالَتْ: أَنْتَ أَيُّهَا الْقَاضِي.
فَأَخْلَى الْمَجْلِسَ، وَقَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي.
قَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ وَلِي إِحْلِيلٌ، وَلِي فَرْجٌ.
فَقَالَ لَهَا: قَدْ كَانَ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ ﵇ فِي هَذِهِ قَضِيَّةٌ وَرَّثَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ الْبَوْلُ.
فَقَالَتْ: إِنَّهَ يَجِيءُ مِنْهُمَا.
فَقَالَ لَهَا: فَمِنْ أَيْنَ سَابَقُ الْبَوْلِ؟ قَالَتْ: لَيْسَ مِنْهُمَا، يَسْتَوْجِبَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَيَنْقَطِعَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
فَقَالَ لَهَا: إِنَّكِ لَتُخْبِرِينِي بِعَجَبٍ.
قَالَتْ: وَأُخْبِرُكَ بِمَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا، تَزَوَّجَنِي ابْنُ عَمٍّ لِي، وَأَخْدَمَنِي خَادِمَةً، فَوَطَئْتُهَا فَأَوْلَجْتُهَا، وَإِنَّمَا جِئْتُكَ لَمَّا وُلِدَ لِي لِتُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي، فَقَامَ مِنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، فَدَخَلَ عَلِيٌّ ﵇ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: " عَلَيَّ بِالْمَرْأَةِ، فَأُدْخِلَتْ، فَقَالَ: " أَحَقٌّ مَا يَقُولُ الْقَاضِي؟، قَالَتْ: هُوَ كَمَا قَالَ.
قَالَ: فَدَعَا بِزَوْجِهَا، فَقَالَ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ وَابْنَةُ عَمِّكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَعَلِمْتَ مَا كَانَ، قَالَ: نَعَمْ، أَخْدَمْتَهَا خَادِمَةً فَوَطِئَتْهَا فَأَوْلَدَتْهَا، ثُمَّ وَطِئْتَهَا أَنْتَ بَعْدُ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لأَنْتَ أَحْسَنُ مِنْ خَاصِي أَسَدٍ، عَلَيَّ بِدِينَارِ الْخَادِمِ وَامْرَأَتَيْنِ، فَجِئَ بِهِمْ، فَقَالَ: خُذُوا هَذِهِ الْمَرْأَةَ، إِنْ كَانَتِ امْرَأَةً، فَأَدْخِلُوهَا بَيْتًا وَأَلْبِسُوهَا ثِيَابًا، وَعُدُّوا أَضْلاعَ جَنْبَيْهَا، فَفَعَلُوا، فَقَالَ: عَدَدُ الأَيْمَنِ أَحَدَ عَشْرَ وَعَدَدُ الأَيْسَرِ اثْنَا عَشْرَ.
فَقَالَ عَلَيٌّ: اللَّهُ أَكَبْرُ.
فَأَمَرَ لَهَا بِرِدَاءٍ وَحَذَاءٍ وَأَلْحَقَهَا بِالرِّجَالِ.
فَقَالَ زَوْجُهَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، زَوْجَتِي وَابْنَةُ عَمِّي، فَرَّقْتَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، فَأَلْحَقْتَهَا بِالرِّجَالِ، عَمَّنْ أَخَذْتَ هَذِهِ الْقِصَّةَ؟، قَالَ: إِنِّي أَخَذْتُهَا عَنْ أَبِي آدَمَ ﷺ، إِنَّ اللَّهُ ﷿، خَلَقَ حَوَّاءَ، ضِلْعًا مِنْ أَضْلاعِ آدَمَ، فَأَضْلاعُ الرِّجَالِ أَقَلُّ مِنْ أَضْلاعِ النِّسَاءِ بِضِلْعٍ "، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَأُخْرِجُوا.
وَمِنْ عِنْدِنَا انْثَبَتَ، فَرَدُّوا الأَمْرَ إِلَى أَهْلِهِ يُصْدِرُوهُ كَمَا أَوْرَدَهُ.
قَالَ ثُمَّ رَجَعَ وَاللَّهِ إِلَى خُطْبَتِهِ كَأَنَّمَا يَقْرَؤُهَا مِنْ كَفِّهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: كَانَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: " اتَّقُوا اللَّهَ، عِبَادَ اللَّهِ، فَكَمْ مُؤَمِّلٍ مَا لا يَبْلُغُهُ، وَطَاعِمٍ مَا لا يَأْكُلُهُ، وَمَانِعٍ عَمَّا سَوْفَ يَتْرُكُهُ، وَلَعَلَّهُ مِنْ بَاطِلٍ جَمَعَهُ، وَمِنْ حَقٍّ مَنَعَهُ، أَصَابَهُ حَرَامًا، وَأَوْرَثَهُ عَدُوًّا، فَاحْتَمَلَ إِصْرَهُ، وَبَاءَ بِوِزْرِهِ، وَوَرَدَ عَلَى رَبِّهِ، آسِفًا لاهِفًا، قَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخَرَةَ، ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ
1 / 25