الهفوات ويرتكبون ما يُحدّون عليه، وإنكار ذلك مكابرة صرفة وعناد محض وجهل بموارد الآيات والأحاديث؛ بل مرادنا أنهم لم ينتقلوا من هذه العار إلى دار القرار إلا وهم طاهرون مطهرون تائبون آيبون ببركة صحبتهم للنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ونصرتهم إياه وبذل أنفسهم وأموالهم في محبته وتعظيمهم له أشد التعظيم سرا وعلانية، كما يدل على ذلك الكتاب وتشهد له الآثار. ومما يفصح عن تعظيمهم له ما رواه الموافق والمخالف أن عروة بن مسعود لما أتى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - في قضية الحديبية وكلمه ثم رجع إلى الصحابة قال لهم: أي قوم والله هؤلاء ولقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا ﷺ، إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما. إلى آخر ما قال. ولا يرد على هذا المنافقون لأنهم بمعزل عن الاتصاف بذلك، ولا يعلم ارتداد متصف بما ذكره وموته على الردة ليقال هلا رجع إلى الإيمان ببركة ذلك. وإن سلمنا وجود مرتد كان متصفا بما ذكر وقد مات على الردة فهو أعز من بيض الأنوق.
وقد يستشهد لما قلنا بقوله تعالى بعد تلك الآية: ﴿واعلموا أن فيكم رسول الله لو
1 / 23