أجنحة المكر الثلاثة
أجنحة المكر الثلاثة
Yayıncı
دار القلم
Baskı Numarası
الثامنة
Yayın Yılı
١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م
Yayın Yeri
دمشق
Türler
من الناس، والتي يمكن أن تغمز زرًا في آلة فتندفع منها قنبلة ذرية أو هيدروجينية فتدكّ مدينة، وتقتل شعبًا، وتقوّض حضارة، والتي يمكن أن تخطّ أمرًا إلى جيش فيتوجّه إلى حربٍ طاحنة يتحكم بها ويوجّه حركاتها - نفس صاحبها التي تسيطر عليها فكرة مهيمنة على عقله فعواطفه فإرادته.
من هذا يظهر لنا أن الفكرة من وراء القوى الإنسانية أقوى قوة تتحكم بهذه القوة، وأقدر الناس على التحكم بالقوى المادية هم أقدرهم على تزويد العقول بالأفكار التي يريدون إقناع العقول بها،وأعجز الناس في ذلك هم أكثرهم تهاونًا ببث الأفكار التي يمكن أن تخدم غاياتهم.
ومهما بلغت أمة من الضعف في القوى المادية أمام أمة أخرى، فإنما تستطيع أن تستخدم لغاياتها قوى الأمم الأخرى، متى استطاعت أن تغذي عقولهم بما تشاء من أفكار، وتملأ قلوبهم بما تشاء من قناعات ومعتقدات.
وقد أدرك أعداء الإسلام هذه الحقيقة، وهالتهم قوة المسلمين الضاربة في أكثر من نصف المعمورة أيام كان للمسلمين تلك القوة، فأخذوا يحركون جيوش الغزو الفكري من كل مكان، ويوجهونها شطر بلاد المسلمين، ليهدموا الوحدة الفكرية الناظمة لهم في سلك وحدة جماعة المسلمين، ولتكون مُحدَثات الأفكار التي تدخل إلى أفرادهم بمثابة جيش سحري غير مرئي، يمعن في صفوف المسلمين قتلًا وتشريدًا، ويمعن في قلاعهم هدمًا وتخريبًا، دون أن يصيبه سهم واحدٌ في هذه الحرب الخبيثة، التي يغفل عنها السواد الأعظم من الذين توجّه ضدّهم هذه الحرب.
وكان في مقدمة أعداء الإسلام الذين خططوا لهذا الغزو الفكري طائفة يهود، وقد كانوا بمثابة الشيطان في عصابة المجرمين، ثم سار الصليبيون هذه المسيرة ضد المسلمين بتعصب مقيت، بعد خيبة الحروب الصليبية، وجندوا لذلك الجيوش الكثيرة، وجربوا خلال عدة قرون مخططات شتى، أخضعوها للتطوير والتحسين، لتُظفرهم بمكاسب أوفر مما يبتغون تحقيقه في الشعوب الإسلامية.
1 / 26