أقصى أوسيان كلية هومر عن قلبي وأفكاري. إلى أي عالم يقودني هذا الشاعر السموي هناك؛ لأهيم في المروج والفيافي، تحوطني العواطف الجبارة لأشهد على ضوء القمر الضئيل أرواح أسلافنا المحبوبين، لأسمع من قمم الجبال بين زمجرة الأمواج أصوات شكاتهم صاعدة من الوهاد السحيقة، ونحيب العذراء المحزن أسقمها الغرام، وهي تصعد زفرتها الأخيرة فوق قبر مغطى بالطحلب، هو مثوى البطل الذي كان يعبدها. ألقى هذا الشاعر بشعره الفضي هائما في الوادي، يبحث عن مواطئ أقدام آبائه، فلا يجد - وا لوعتاه! - إلا قبورهم، ثم يطالع القمر الشاحب وهو يتوارى خلف أمواج الأعماق المزبدة، وتعود ذكرى الأزمان الخالية إلى عقل البطل، تلك الأزمان التي كان يسر قلبه فيها وينعش جثمانه اقتراب الأخطار، والتي سطع فيها القمر على سفينته المحملة حينذاك بأسلاب أعدائه، وأضاء بانتصاره. وحين أقرأ في محياه أعمق الحزن، حين أرى مجده الذي أذهل يوما غارقا في اللحد، حين يرمي بنظرة إلى الطين البارد الذي سيغطيه قائلا: «سيأتي الرحالة الذي عرف قدري باحثا عن الشاعر الذي ينعش القلوب، ابن فنجال
Finjal
المجيد، وسيمشي على قبري، ولكن عبثا يبحث عني .» هناك، إيه هناك يا صديقي العزيز، أكاد أمسك بسيف فارس باسل نبيل، ومتى أنقذت أميري من الآلام المتعبة لحياة طويلة، أغمده في صدري، لألحق بشبيه الإله الذي فككت إساره.
الرسالة التاسعة والستون
19 أكتوبر
آه! يا لهذا الفراغ الهائل الذي لا يوصف، يملأ صدري! في بعض الأحايين، بين خطرات الخيال، أتصور بشغف لو قدر لي مرة واحدة، واحدة فقط، أن أضمها إلى قلبي! إذا لتم لي الهناء.
الرسالة السبعون
26 أكتوبر
أنا مقتنع كل الاقتناع الآن أيها الصديق العزيز بأن وجود أي فرد لا يهم الهيئة الاجتماعية. قدمت إلى شارلوت صاحبة لها تزورها، فذهبت إلى الغرفة المجاورة وتناولت كتابا، ولكنني لم أجد ميلا إلى المطالعة، فألقيت به جانبا، وتناولت القلم أكتب إلى صديقي، وكذلك أصرح لك بإخلاص أنك لا تدين لي لكتابتي هذه الرسالة إلا بالقليل. حتى الآن أسمع حديثهما: يتحدثان عن أخبار البلدة العادية؛ فواحد سيتزوج، وآخر مريض جدا بسل هائل، سعال وإغماء متكرر ولا أمل في الشفاء. تقول شارلوت: «هرس أيضا في حالة مخطرة.» وتجيبها الأخرى: «آه أظنني الآن قرب فراشهم، ويخيل إلي أنهم يناضلون الردى الظالم، ويودون لو يعيشون قليلا بين أتعابهم وعذابهم.» ومع ذلك يا صديقي فإن هاتين الشابتين الفاضلتين تتكلمان بكل هدوء وثبات عن أصدقائهما المائتين، كأنهما لا تعرفانهم. آه يا للسماء! حين أتلفت في هذه الغرفة التي أنا بها الآن، وأرى ثياب شارلوت وحليها، وأوراق ألبرت مبعثرة هنا وهناك، وهذه الأشياء التي أعرفها جيدا، حتى الدواة التي أستخدمها الآن، أفكر حالا في علاقتي بهذه الأسرة؛ أنني كل شيء، وهم يقدرونني ويسعدون بصحبتي، وأنا واثق أنني شقي بدونهم، ومع ذلك إذا فارقتهم فجأة فهل يشعرون طويلا بالفراغ الذي يحدثه غيابي؟ طويلا! وا لوعتاه! هكذا يضعف الإنسان، حتى إنه حيث ينعم بنفسه، وحيث تتعلق بوجوده هناءة قوم آخرين، وحيث يعيش في قلوب أحب أصدقائه إليه؛ هناك يجب أن يموت وينسى اسمه سريعا.
الرسالة الحادية والسبعون
Bilinmeyen sayfa