ولم يتم كلامه حتى رأى القوم يسوقون هجنهم نحوهم وقد أشرعوا الأسنة، فتحقق أنهم من الأعداء، فأخذ يتأهب للفرار وإذا بهجان منهم ملثم تقدمهم وأشار بيده كأنه يقول لهم: «قفوا عندكم.»
فقال زكريا : «ماذا تريدون؟ من أنتم؟»
وكان الهجان قد وصل إليهم، فتفرس في زكريا ولما تبينه قال له باللغة القبطية: «ألست قادما من النوبة؟ قف ولا تتحرك.»
فرآه زكريا يتكلم القبطية كأنه من أهلها مع أن لباسه عربي فأشكل أمره عليه وقال في نفسه: «لا يمكن أن يكون هذا عربيا، فلعله جاسوس من الأقباط يعين العرب عليهم.» وزاده تلثم الرجل شكا فيه. لكنه شغل بالخوف منه عن البحث في شأنه.
فتحقق الركب عند ذلك أنهم مأخوذون، وعلم زكريا أن رفاقه لا يستطيعون الفرار لثقل أحمالهم، أما هو فحمله خفيف وليس عليه ما يمنعه من الإسراع فتهيأ للفرار. بينما تقدم الراهبان وأرادا الاستفهام من الهجان عما يريده، فقال أحدهما له: «ما الذي تبغونه منا؟»
قال: «اتركوا الأحمال وانجوا بأنفسكم.»
قال: «إننا نحمل طعاما للدير، ولم نعهد أن يتعرض لنا أحد؛ لأننا أصدقاء الأمير صاحب مصر.»
قال: «لم نتعرض لكم قبلا، أما الآن فأنتم أعداؤنا. وإذا لم تتخلوا عن الأحمال قتلناكم فانجوا بأنفسكم.»
فتحقق الراهبان وزكريا أنهم مغلوبون على أمرهم، فقد كان المغيرون أكثر من عشرة بالسلاح الكامل وهم لا سلاح معهم، فضلا عن قلة عددهم، فأخذوا يتوسلون إليهم أن يتخلوا عنهم مستغربين هذه المعاملة التي لم يسبق لها مثيل منذ عدة أعوام، فقال كبير القوم: «لا تسألونا عن السبب بل اسألوا بطريركم، وهو يخبركم.» قالوا ذلك وهم يهددونهم بالقتل إذا لم يتخلوا عن الأحمال وينصرفوا.
فتقدم زكريا يريد أن يستعطفهم، وقال: «إن هذه الأحمال طعام لرهبان يقيمون بهذا الدير، وقد أوصى نبيكم بهم خيرا.»
Bilinmeyen sayfa