أما هي فكان الضوء واقعا على جانب رأسها فاكتسب وجهها رونقا من تكسر الأشعة واختلاف كثافتها على تقاطيعه، وكانت عيناها قد ذبلتا من البكاء بين يدي القسيس، فازدادتا ذبولا عند رؤية سعيد لما جاش في نفسها وما ينازعها من عوامل الدهشة والرجاء والخوف. فوقفت لا تتحرك، ولكنك لو جسست يديها أو سمعت حركة قلبها لظننتها بطارية كهربائية عليها مرجل يغلي ماؤه، ويتدفق بخاره لما يبدو لك من ارتعاش أناملها وخفوق قلبها واصطكاك ركبتيها.
فتقدم إليها باحترام، وقال: «هل تأذن سيدتي دميانة في أن أكلمها؟»
فلم تجب بلسانها، وإنما أجابت بعينيها ولم تحركهما، فقال: «أراك وحدك هنا ولعل خادمك أبطأ عليك، فهل تأذنين لي أن أماشيك إلى المنزل أو إلى أن يأتي الخادم؟»
فأطرقت وهي تصلح طرف نقابها، وقالت بصوت تخامره بحة: «أشكرك يا سيدي، وأخشى أن يكون في ذلك تعب عليك.»
قال: «كلا، وإذا خفت التعب لطول الطريق فاركبي هذا الفرس وأنا أقوده، ولا بأس عليك منه.»
فقالت وقد استأنست بتلطفه واستدلت منه على أنه يضمر مثلما تضمر: «لقد بالغت في التلطف يا سيدي بل يكفيني حظا أن أمشي إلى جانبك فأكون في ظلك، لا أخشى بأسا، ولا أخاف تعبا.»
قالت ذلك وهي تكاد تشرق بريقها من شدة الاضطراب، وسارت تتعثر بثوبها وركبتاها ترتعدان.
فماشاها سعيد يقود جواده وقد رأى المقام ذا سعة ليشكو لها ما يكنه فؤاده فقال: «إني أسير معك ولكنني في الواقع في حماك يا سيدتي؛ فإنك صاحبة هذه الأرض ومالكة رقاب أهلها وقلوبهم.»
فالتفتت إليه وقالت: «لا تقل يا سيدتي.»
فقال: «وماذا أقول إذن؟». قالت: «قل يا دميانة وكفى.»
Bilinmeyen sayfa