مقدمات
مقدمة التحقيق
...
مقدمة التحقيق:
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ١، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ٢، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ٣.
وبعد:
فلم يكن الإسلام في يومٍ من الأيَّام مجرَّد طقوس لا علاقة بواقع الناس وشئونهم الحياتية، ولعلَّ فهم أهل مكة من المشركين لذلك، ويقينهم بأنَّ محمدًا ﷺ إنَّمَا يدعو بهذا الدين إلى منهج حياة متكاملٍ يمكن تلخيصه في كلمة واحدة هي: لا إله إلا الله.
تلك الكلمة التي تعلن التوحيد الخالص والعبودية الكاملة لله وحده، ونزعها عن أيّ أحد، أو أيّ شيء آخر، وترجع الإنسان إلى حكم واحد هو الخالق الحكيم، وتتبرَّأ من كل
_________
١ آل عمران: ١٠٢.
٢ النساء: ١.
٣ الأحزاب: ٧٠، ٧١.
وهذه المقدّمة تسمَّى "خطبة الحاجة" كان الرسول ﷺ يعلّم أصحابه أن يقولوها بين يدي كلامهم.
والحديث أخرجه:
أبو داود في كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح ٢/ ٢٠٤ "٢١١٨"، والترمذي في كتاب النكاح، باب: ما جاء في خطبة النكاح ٢/ ٣٥٥ "١١٠٧"، والنسائي في كتاب النكاح، باب: ما يستحب من الكلام عند النكاح ٦/ ٨٩، والطبراني في المعجم الكبير ١٠/ ١٢١، ١٢٢ رقم "١٠٠٨"، والحاكم في المستدرك ٢/ ١٨٢، ١٨٣، وسكت هو والذهبي عنه، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب النكاح، باب: ما جاء في الخطبة في النكاح ٧/ ١٤٦ جميعًا من حديث عبد الله بن مسعود.
1 / 5
الأنداد والشركاء المزعومين.
ورغم أنَّ مسألة شمولية الإسلام وأنَّه منهج حياة كامل يعتبرها كثيرون قضية مسلَّمة، وثابتة بلا شكٍّ ولا مرية، نجد فريقًا آخر يحاول بشدة فصل الدين عن شئون الحياة، وبخاصَّة السياسية منها.
وفي ظلِّ هذا الخلاف كان لا بُدَّ من الرجوع إلى تراثنا الإسلامي الزاخر نستقي منه المبادئ، ونقف منه على المعالم؛ لنرى كيف أدلى السابقون من العلماء المسلمين بدلوهم في المسائل المتعلقة بنظم الحكم، وكيف حاولوا التنظير والتقنين لنظام الحكم في الإسلام من خلال بحثهم في كتاب الله تعالى، وسنة نبيه ﷺ، ومن خلال استقرائهم لسيرة الرسول الكريم محمد ﷺ، وتاريخ الخلفاء الراشدين من بعده.
غير أنَّه من المهمّ للباحث حتى يكون محايدًا ومنصفًا أن ينظر هذه المحاولات في سياقها الزماني والفترة التي أُلِّفَت فيها؛ لنرى إذا ما كانت تعبّر عن قيمةٍ في عصرها أم لا.
كما علينا أن ننظر إلى هذه المحاولات بحيادية تامَّة دون تحيّز أو تجنٍّ، ذلك أنَّ كثيرًا من الباحثين ينظرون إلى كلِّ ما هو قديم على أنَّه هو الصواب، حتى إنَّ كثيرًا من المحققين في عصرنا قد انحصر عملهم في الثناء على المصنِّف، وعلى أسلوبه وجودة تبويبه، ومحاولة التدليل على صدق كل ما يورده في كتابه.
بينما نرى فريقًا آخر من الذين يسمّون أنفسهم بدعاة الحداثة والتقدُّم يبذل جهده كله لتشويه كل ما هو قديم، ونعته بالتخلف والسطحية وعَدَم الملاءمة لعصرنا.
لذلك كان حرصنا على تحقيق كتاب الأحكام السلطانية للإمام الماوردي، والذي يعتبر كتابًا في الفقه يبحث في أحكام الإمامة العظمى والولاية وما يتعلَّق بهما، كما يمكن اعتباره من أوائل الكتب في نظم الحكم، إذا استثنينا كتاب العلَّامة ابن تيمية السياسة الشرعية.
عملي في الكتاب:
ويمكن تلخيص ما قمنا به من عملٍ في النقاط التالية:
أولا: أخذنا على أنفسنا أن يكون تناولنا للكتاب ودراستنا موضوعية، فما نراه متفقًا
1 / 6
ومبادئ الإسلام وقواعده دلَّلْنَا عليه، وذكرنا الشواهد والنصوص لتأكيده، وما رأينا أنَّه مخالف لهذه المبادئ وتلك القواعد ذكرنا من النصوص ما يؤكِّد مخالفته.
ثانيًا: قمت بعمل ترجمة للمصنِّف.
ثالثًا: حرصت على تفصيل ما أجمله المصنِّف من مسائل وأحكام بالرجوع إلى كتب الفقه والأصول؛ لتتضح الصورة أكثر، وليستوثق من هذه الأحكام.
رابعًا: لاحظت أنَّ المصنِّف في كتابه كثيرًا ما يغفل مذهب الإمام أحمد في كثير من القضايا والأحكام، لذلك رأيت من الإنصاف أن أشير إلى أقوال الحنابلة في هامش الكتاب.
خامسًا: حرصت على تخريج الأحاديث الواردة في الكتاب مع ذكر تعليقات المحدثين وحكمهم عليها، خاصَّة الحافظ ابن حجر، والزيلعي قديمًا، وفضيلة الشيخ الألباني حديثًا.
سادسًا: قمت كذلك بالترجمة لمعظم الأعلام الوارد ذكرهم في الكتاب.
سابعا: قمت بتبويب الكتاب، وذلك بوضع عناوين تعبِّر عن كل فصل من الفصول التي ذكرها المصنِّف.
وبعد، فأدعو الله ﵎ أن ينفع بهذا الكتاب وتلك الدراسة، إنَّه وليّ ذلك ومولاه.
أحمد جاد
1 / 7
ترجمة المصنِّف:
الإمام الماوردي [٣٦٤هـ - ٤٥٠هـ] [٩٧٥م - ١٠٥٨م]
نسبه ومولده:
هو علي بن محمد بن حبيب، أبو الحسن البصري، المعروف بالماورديِّ نسبةً إلى بيع ماء الورد، أقضى قضاة عصره، من العلماء الباحثين أصحاب التصانيف الكثيرة النافعة، وُلِدَ سنة ٣٦٤هـ/ ٩٧٥م في البصرة.
اجتهاده وطلبه للعلم:
وُلِدَ الماوردي في البصرة لأبٍ يعمل ببيع ماء الورد، فنسب إليه فقيل: "الماوردي".
ارتحل به أبوه إلى بغداد، وبها سمع الحديث، ثم لازم واستمع إلى أبي حامد الإسفراييني، كما حدَّث عن الحسن الجيلي.
عمل الماوردي بالتدريس في بغداد ثم بالبصرة، وعاد إلى بغداد مرة أخرى، كان يعلِّم الحديث وتفسير القرآن، لقِّبَ عام ٤٢٩هـ بأقضى القضاة، وكانت مرتبته أدنى من قاضي القضاة، ثم بعد ذلك تولَّى منصب قاضي القضاة.
مكانته العلمية:
يعتبر الماوردي من أكبر فقهاء الشافعية، والذي ألَّف في فقه الشافعية موسوعته الضخمة في أكثر من عشرين جزءًا.
وقد نال الماوردي حظوة كبيرة عند الخليفة المقتدر "المتولي بين سنتي ٣٨١ و٤٢٢هـ"، وعند بني بويه، وربما توسَّطَ بينهم وبين الملوك وكبار الأمراء فيما يصلح به خللًا أو يزيل خلافًا.
وقد كان معاصرًا لخليفتين من أطول الخلفاء بقاءً في الحكم: الخليفة العباسي القادر بالله، ومن بعده ابنه القائم بأمر الله، الذي وصل الضعف به مبلغه حتى إنَّه قد خُطِبَ في عهده للخليفة الفاطمي على منابر بغداد.
وكان الماوردي ذا علاقات مع رجال الدولة العباسية، كما كان سفير العباسيين ووسيطهم لدى بني بويه والسلاجقة، وبسبب علاقاته هذه يرجِّح البعض كثرة كتابته عمَّا يسمَّى بالفقه
1 / 9
السياسي، وقد اتُّهِمَ الماوردي بالاعتزال، ولكن انتصر له تلميذه الخطيب البغدادي فدافع عنه ودفع عنه الادِّعَاء، وقد كان مصنِّفًا قديرًا بارعًا، تدل كتبه المختلفة على مقدرةٍ في التفكير وبراعة في التعبير.
آثاره العلمية:
ترك الإمام الماوردي العديد من المصنَّفات في نظم الحكم وشئون السياسة، نذكر منها:
- أدب الدنيا والدين.
- الأحكام السلطانية.
- قانون الوزارة.
أما كتبه الأخرى فمنها:
- سياسة أعلام النبوة.
- كتاب الحاوي الكبير، في فقه الشافعية، في أكثر من عشرين جزءًا.
- كتاب نصيحة الملوك.
- كتاب قوانين الوزارة وسياسية الملك.
- كتاب التفسير.
- كتاب الإقناع، وهو مختصر كتاب الحاوي
- كتاب أدب القاضي.
- كتاب أعلام النبوة.
- كتاب تسهيل النظر.
- كتاب الأمثال والحكم في تفسير القرآن "النكت والعيون".
وقد نال الأخير عناية المفسرين المتأخِّرين ونقلوا عنه، كابن الجوزي في: زاد المسير، والقرطبي في تفسيره: الجامع لأحكام القرآن.
وفاته:
توفِّي الإمام في يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الأول من سنة ٤٥٠هـ، ودُفِنَ من الغدِ في مقبرة باب حرب، وكان قد بلغ ٨٦ سنة، وصلَّى عليه الإمام الخطيب البغدادي.
1 / 10
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة المؤلف:
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَوْضَحَ لَنَا مَعَالِمَ الدِّينِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ، وَشَرَعَ لَنَا مِنْ الْأَحْكَامِ، وَفَصَّلَ لَنَا مِنْ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مَا جَعَلَهُ عَلَى الدُّنْيَا حُكْمًا تَقَرَّرَتْ بِهِ مَصَالِحُ الْخَلْقِ، وَثَبَتَتْ بِهِ قَوَاعِدُ الْحَقِّ، وَوَكَّلَ إلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ مَا أَحْسَنَ فِيهِ التَّقْدِيرَ، وَأَحْكَمَ بِهِ التَّدْبِيرَ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَدَّرَ وَدَبَّرَ، وَصَلَوَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَى رَسُولِهِ الَّذِي صَدَعَ بِأَمْرِهِ، وَقَامَ بِحَقِّهِ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ.
وَلَمَّا كَانَتْ الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ بِوُلَاةِ الْأُمُورِ أَحَقَّ، وَكَانَ امْتِزَاجُهَا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ يَقْطَعُهُمْ عَنْ تَصَفُّحِهَا مَعَ تَشَاغُلِهِمْ بِالسِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ، أَفْرَدْتُ لَهَا كِتَابًا امْتَثَلْتُ فِيهِ أَمْرَ مَنْ لَزِمَتْ طَاعَتُهُ؛ لِيَعْلَمَ مَذَاهِبَ الْفُقَهَاءِ فِيمَا لَهُ مِنْهَا فَيَسْتَوْفِيهِ، وَمَا عَلَيْهِ مِنْهَا فَيُوَفِّيهِ؛ تَوَخِّيًا لِلْعَدْلِ فِي تَنْفِيذِهِ وَقَضَائِهِ، وَتَحَرِّيًا لِلنَّصَفَةِ فِي أَخْذِهِ وَعَطَائِهِ، وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى حُسْنَ مَعُونَتِهِ، وَأَرْغَبُ إلَيْهِ فِي تَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ، وَهُوَ حَسْبِي وَكَفَى.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ نَدَبَ لِلْأُمَّةِ زَعِيمًا خَلَفَ بِهِ النُّبُوَّةَ، وَحَاطَ بِهِ الْمِلَّةَ، وَفَوَّضَ إلَيْهِ السِّيَاسَةَ؛ لِيَصْدُرَ التَّدْبِيرُ عَنْ دِينٍ مَشْرُوعٍ، وَتَجْتَمِعَ الْكَلِمَةُ عَلَى رَأْيٍ مَتْبُوعٍ، فَكَانَتْ الْإِمَامَةُ أَصْلًا عَلَيْهِ اسْتَقَرَّتْ قَوَاعِدُ الْمِلَّةِ، وَانْتَظَمَتْ بِهِ مَصَالِحُ الْأُمَّةِ حَتَّى اسْتَثْبَتَتْ بِهَا الْأُمُورُ الْعَامَّةُ، وَصَدَرَتْ عَنْهَا الْوِلَايَاتُ الْخَاصَّةُ، فَلَزِمَ تَقْدِيمُ حُكْمِهَا عَلَى كُلِّ حُكْمٍ سُلْطَانِيٍّ، وَوَجَبَ ذِكْرُ مَا اخْتَصَّ بِنَظَرِهَا عَلَى كُلِّ نَظَرٍ دِينِيٍّ؛ لِتَرْتِيبِ أَحْكَامِ الْوِلَايَاتِ عَلَى نَسَقٍ مُتَنَاسِبِ الْأَقْسَامِ، مُتَشَاكِلِ الْأَحْكَامِ.
وَاَلَّذِي تَضَمَّنَهُ هَذَا الْكِتَابُ مِنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْوِلَايَاتِ الدِّينِيَّةِ عِشْرُونَ بَابًا؛
فَالْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي عَقْدِ الْإِمَامَةِ.
وَالْبَابُ الثَّانِي: فِي تَقْلِيدِ الْوَزَارَةِ.
1 / 13
وَالْبَابُ الثَّالِثُ: فِي تَقْلِيدِ الْإِمَارَةِ عَلَى الْبِلَادِ.
وَالْبَابُ الرَّابِعُ: فِي تَقْلِيدِ الْإِمَارَةِ عَلَى الْجِهَادِ.
وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْوِلَايَةِ عَلَى الْمَصَالِحِ.
وَالْبَابُ السَّادِسُ: فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ.
وَالْبَابُ السَّابِعُ: فِي وِلَايَةِ الْمَظَالِمِ.
وَالْبَابُ الثَّامِنُ: فِي وِلَايَةِ النِّقَابَةِ عَلَى ذَوِي الْأَنْسَابِ.
وَالْبَابُ التَّاسِعُ: فِي الْوِلَايَةِ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَوَاتِ.
وَالْبَابُ الْعَاشِرُ: فِي الْوِلَايَةِ عَلَى الْحَجِّ.
وَالْبَابُ الْحَادِيَ عَشَرَ: فِي وِلَايَةِ الصَّدَقَاتِ.
وَالْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ: فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ.
وَالْبَابُ الثَّالِثَ عَشَرَ: فِي وَضْعِ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ.
وَالْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ: فِيمَا تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُ مِنْ الْبِلَادِ.
وَالْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ: فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَاسْتِخْرَاجِ الْمِيَاهِ.
وَالْبَابُ السَّادِسَ عَشَرَ: فِي الْحِمَى وَالْأَرْفَاقِ.
وَالْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ: فِي أَحْكَامِ الْإِقْطَاعِ.
وَالْبَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ: فِي وَضْعِ الدِّيوَانِ وَذِكْرِ أَحْكَامِهِ.
وَالْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ: فِي أَحْكَامِ الْجَرَائِمِ.
وَالْبَابُ الْعِشْرُونَ: فِي أَحْكَامِ الْحِسْبَةِ.
1 / 14
الباب الأول: في عقد الإمامة
مدخل
...
البَابُ الأَوَّلُ: فِي عَقٍدِ الْإِمَامَةِ
الْإِمَامَةُ١: مَوْضُوعَةٌ لِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا، وَعَقْدُهَا لِمَنْ يَقُومُ بِهَا فِي الْأُمَّةِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ شَذَّ عَنْهُمْ الْأَصَمُّ.
هَلْ الخِلَافَةُ وَاجَبَةٌ بِالشَّرْعِ أَمْ بِالْعَقْلِ؟
وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا٢ هَلْ وَجَبَتْ بِالْعَقْلِ أَوْ بِالشَّرْعِ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: وَجَبَتْ بِالْعَقْلِ لِمَا فِي طِبَاعِ الْعُقَلَاءِ مِنْ التَّسْلِيمِ لِزَعِيمٍ يَمْنَعُهُمْ مِنْ التَّظَالُمِ، وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمْ فِي التَّنَازُعِ وَالتَّخَاصُمِ، وَلَوْلَا الْوُلَاةُ لَكَانُوا فَوْضَى مُهْمَلِينَ، وَهَمَجًا مُضَاعِينَ، وَقَدْ قَالَ الْأَفْوَهُ الْأَوْدِيُّ٣، وَهُوَ شَاعِرٌ جَاهِلِيٌّ "مِنْ الْبَسِيطِ":
لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سَرَاةٌ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: بَلْ وَجَبَتْ بِالشَّرْعِ دُونَ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَقُومُ بِأُمُورٍ شَرْعِيَّةٍ قَدْ
_________
١ قلت: والإمامة والخلافة مصطلحان مترادفان، وإن كان مصطلح الخلاقة أسبق، ومصطلح الإمامة أكثر ما يتردَّد عند الشيعة، والإمامية منهم خاصة، لكنَّ المعنى يكاد يكون واحدًا، وهو: رئاسة عامَّة في أمر الدين والدنيا، كما قال التفتازاني، أو: هي خلافة الرسول ﷺ في إقامة الدِّين وحفظ حوزة الملَّة، يجب اتباعه على كافَّة الأمة، كما قال عضد الدين الإيجي في شرح المواقف، أو: هي خلافةٌ عن النبي ﷺ كما قال الشيخ رشيد رضا في كتابه الخلافة.
٢ يقول الدكتور عبد الرزاق السنهوري ﵀: إنَّ أهل السنَّة والمعتزلة يرون أنَّ الخلافة واجب شرعي، ولكنَّهم يختلفون في أساس هذا الوجوب؛ فأهل السُّنَّة يرون أنَّ سند وجوب الخلافة هو الإجماع، أمَّا الرأي الآخرِ وغالب أنصاره من المعتزلة، فيرى أنَّ سند الوجوب هو العقل، وهناك طائفة من المعتزلة ترى أنَّ سند وجوب الخلافة شرعيّ وعقليّ في واقت واحد، ويرى الشيعة كذلك وجوب إقامة الحكومة الإسلامية. "فقه الخلافة وتطورها: ص ٥٩".
٣ الأفوه الأودي، هو صلاءة بن عمرو بن مالك، أبو ربيعة، من بني أود، من مذحج؛ شاعر يماني جاهلي، لقِّبَ بالأفوه لأنَّه كان غليظ الشفتين ظاهر الأسنان، كان سيِّدَ قومه وقائدهم في حروبهم، وهو أحد الحكماء والشعراء في عصره.
1 / 15
كَانَ مُجَوَّزًا فِي الْعَقْلِ أَنْ لَا يَرِدَ التَّعَبُّدُ بِهَا، فَلَمْ يَكُنِ الْعَقْلُ مُوجِبًا لَهَا، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ الْعَقْلُ أَنْ يَمْنَعَ كُلُّ وَاحِدٍ نَفْسَهُ مِنَ الْعُقَلَاءِ عَنِ التَّظَالُمِ وَالتَّقَاطُعِ، وَيَأْخُذَ بِمُقْتَضَى الْعَدْلِ فِي التَّنَاصُفِ وَالتَّوَاصُلِ، فَيَتَدَبَّرُ بِعَقْلِهِ لَا بِعَقْلِ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ جَاءَ الشَّرْعُ بِتَفْوِيضِ الْأُمُورِ إلَى وَلِيِّهِ فِي الدِّينِ، قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] .
فَفَرَضَ عَلَيْنَا طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ فِينَا، وَهُمُ الْأَئِمَّةُ الْمُتَأَمِّرُونَ عَلَيْنَا١.
وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ﴿سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلَاةٌ، فَيَلِيكُمْ الْبَرُّ بِبِرِّهِ، وَيَلِيكُمْ الْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُمْ وَأَطِيعُوا فِي كُلِّ مَا وَافَقَ الْحَقَّ، فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ﴾ ٢.
_________
١ إذن لا بُدَّ -وفي كل الأحوال- للأمَّة أن تختار من تنيطه في تطبيق أحكام وحدود شرع الله في الأرض بين الناس، وإمضاء أحكامه، بل إنَّ إقامة الإمام أو الخليفة واجب وجوب الشريعة ذاته، تطبيقًا للمبدأ القائل: ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب. "انظر: الإسلام وأوضاعنا السياسية: عبد القادر عودة، ص: ١٠٩، ١١٠".
٢ ضعيف: رواه الدارقطني في سننه، باب: صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه "٢/ ٥"، والطبراني في الأوسط "٦/ ٢٤٧"، وقال: لم يَرْوِ هذا الحديث عن هشام بن عروة إلّا عبد الله بن محمد بن عروة، تفرَّد به إبراهيم بن المنذر، ولم يسند هشام بن عروة عن أبي صالح هذا، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد "٥/ ٢١٨"، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة وهو ضعيف جدًّا.
فائدة: يقول الدكتور السنهوري -رحمه الله تعالى: والحقيقة أنَّ النصوص التي تذكر في هذا المجال ليست قاطعة في وجوب الخلافة باعتبارها ذلك النوع من نظم الحكم الذي يتميز بالخصائص التي أشرنا إليها، بل إنَّها تلزم المسلمين بإيجاد حكومة ما دون تحديد نوع هذه الحكومة، وتوجب عليهم طاعة هولاء الحكَّام، ولكنَّنَا نرى أنَّ هذه النصوص وإن لم تكف بذاتها سندًا لوجوب الخلافة، فهي على الأقلِّ كافية لتكون سندًا للإجماع الذي أوجبها. "فقه الخلافة وتطورها: ص٦، هامش: ١".
1 / 16
فَصْلٌ: "فِي بَيَانِ حُكْمِ الخِلَافَةِ"
فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْإِمَامَةِ فَفَرْضُهَا عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ، فَإِذَا قَامَ بِهَا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا سَقَطَ فَرْضُهَا عَلَى الْكِفَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا أَحَدٌ خَرَجَ مِنَ النَّاسِ فَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَهْلُ الِاخْتِيَارِ حَتَّى يَخْتَارُوا إمَامًا لِلْأُمَّةِ١.
وَالثَّانِي: أَهْلُ الْإِمَامَةِ حَتَّى يَنْتَصِبَ أَحَدُهُمْ لِلْإِمَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ عَدَا هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْأُمَّةِ فِي تَأْخِيرِ الْإِمَامَةِ حَرَجٌ وَلَا مَأْثَمٌ، وَإِذَا تَمَيَّزَ هَذَانِ الْفَرِيقَانِ مِنَ الْأُمَّةِ فِي فَرْضِ الْإِمَامَةِ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ.
فَأَمَّا أَهْلُ الِاخْتِيَارِ فَالشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيهِمْ ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهَا: الْعَدَالَةُ الْجَامِعَةُ لِشُرُوطِهَا٢
_________
١ وهذا كما حدث بعد مقتل عمر بن الخطاب ﵁.
٢ أقول: فالعدالة أمر مهم لا بُدَّ أن يتوافَر في أهل الشورى، حتى يؤتَمَنوا على مصالح المسلمين فضلًا على الإسلام، ولكن ما العدالة؟ يقول الأستاذ عبد القادر عودة في تحديد مفهومها:
"والعدالة هى التحلِّي بالفرائض والفضائل، والتخلِّي عن المعاصي والرذائل، وعمَّا يخِلُّ بالمروءة أيضًا".
فالعدالة في مجملها: هي الاستقامة الدينية التى تجعل صاحبها ملتزمًا بما يمليه عليه دينه في كل شيء؛ أقواله وأفعاله واعتقاده، فهي بمعنًى آخر: التقوى والورع.
فإذا تحققت هذه العدالة في أيِّ إنسان فإنّها ستحيط جميع أقواله وأفعاله بسياج من الطهارة والوضوح، فيلتزم بما يمليه عليه ضميره الديني ووَرَعَه وتقاه.
لذلك كان شرط العدالة مُهِمًّا في كلِّ مَنْ يُخْتَار ليكون من أهل الحلِّ والعقدِ، بل وهو مهم في كل فردٍ حتى يكون صالحًا نافعًا لدينه ولوطنه.
لقد أثبت التاريخ أنَّ أهل التقوى هم أقدر الناس على نفع الرعية وخيرها، كما أثبت أنَّ طلاب السلطة من أهل الدنيا هم أقل الناس قدرة على هذا، بل هم دائمًا سبب شقاء العباد وفساد البلاد.
لذلك فلا ينيغي أن يكون من بين أهل الشورى مَنْ يَقْدَح في ذمته أو من يستبيح الكذب وخداع الناس!
1 / 17
وَالثَّانِي: الْعِلْمُ١ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِمَامَةَ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهَا.
وَالثَّالِثُ: الرَّأْيُ وَالْحِكْمَةُ٢ الْمُؤَدِّيَانِ إلَى اخْتِيَارِ مَنْ هُوَ لِلْإِمَامَةِ أَصْلَحُ، وَبِتَدْبِيرِ الْمَصَالِحِ أَقْوَمُ وَأَعْرَفُ، وَلَيْسَ لِمَنْ كَانَ فِي بَلَدِ الْإِمَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ فَضْلُ مَزِيَّةٍ تَقَدَّمَ بِهَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَنْ يَحْضُرُ بِبَلَدِ الْإِمَامِ مُتَوَلِّيًا لِعَقْدِ الْإِمَامَةِ عُرْفًا لَا شَرْعًا؛ لِسُبُوقِ عِلْمِهِمْ بِمَوْتِهِ، وَلِأَنَّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ فِي الْأَغْلَبِ مَوْجُودُونَ فِي بَلَدِهِ.
_________
١ قلت: فرق كبير بين من يحكم على الأمور من خلال ميوله وانطباعاته الشخصية، أو متأثرًا بما يسمع ويرى، وبين من يحكم عليها من منطلق علمه بها وفهمه لها.
فذلك الذي يحكم بميوله دون علمٍ يسهل التغرير به وإيقاعه في الخطأ، فيكون حكمه على الأمور بعيدًا عن الصواب كثيرًا.
فالشورى لا بُدَّ لمن يتصدَّى لها أن يكون من أهل العلم بالأحكام الشرعية والفقهية؛ بحيث يعرف الحلال من الحرام، ويمتلك أدوات الاجتهاد من قياسٍ واستنباطٍ ومراعاة لمصالح الأمة.... إلخ، أو على الأقلِّ يمتلك معظم هذه الأدوات.
"والعلم المقصود هو العلم بمعناه الواسع، فيدخل فيه علم الدين وعلم السياسة وغيرهما من العلوم، ولا يشترط أن يكون العالم منهم ملمًّا بكلِّ العلوم، بل يكفي أن يكون ملمًّا بفرعٍ من العلوم كالهندسة أو الطبِّ أو غير ذلك، وليس من الضروري أن يكون العلماء جميعًا مجتهدين، فيكفي أن يتوفَّر الاجتهاد في مجموعهم لا في كلِّ فرد منهم".
٢ قلت: ويراد بهذا الشرط الحكمة والعقل الراجح الذي يمكِّنُ صاحبه من اختيار الرأي الأصوب، ويساعده على الترجيح بين الأمور؛ فلأنهم هم أهل الرأي وهم المستشارون في كل كبيرة وصغيرة، لا بُدَّ أن يكونوا من أصحاب الرأي السديد والقول الصائب، الذين يزنون الأمور بميزان العقل والحكمة، بعيدين عن الاندفاع.
"ويشترط فيمن يصلح للشورى أن يكون مِمَّنْ عُرِفَ بجودة الرأي والحكمة، ولا يشترط فيه أن يكون من ذوي العصبية؛ لأن أساس الشورى هو الرأي الصحيح الحكيم المتفق مع الشرع المجرَّد من الهوى والعصبية".
وقيل: "إذا كنت مستشيرًا فتوخَّ ذا الرأي والنصيحة، فإنه لا يكتفي برأي من لا ينصح، ولا نصيحة من لا رأي له".
وهذه الشروط التي استنبطناها من سيرة النبي ﷺ، وسنته الفعلية، وسيرة الخلفاء الراشدين من بعده، هي -في مجملها- الشروط التي يراها كثير من علماء الإسلام وفقهائه قديمًا وحديثًا.
1 / 18
فصل: "الشروط التي ينبغي توافرها في الخليفة"
وَأَمَّا أَهْلُ الْإِمَامَةِ فَالشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيهِمْ سَبْعَةٌ:
أَحَدُهَا: الْعَدَالَةُ عَلَى شُرُوطِهَا الْجَامِعَةِ١.
وَالثَّانِي: الْعِلْمُ الْمُؤَدِّي إلَى الِاجْتِهَادِ فِي النَّوَازِلِ وَالْأَحْكَامِ٢.
وَالثَّالِثُ: سَلَامَةُ الْحَوَاسِّ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ؛ لِيَصِحَّ مَعَهَا مُبَاشَرَةُ مَا يُدْرَكُ بِهَا.
وَالرَّابِعُ: سَلَامَةُ الْأَعْضَاءِ مِنْ نَقْصٍ يَمْنَعُ عَنِ اسْتِيفَاءِ الْحَرَكَةِ وَسُرْعَةِ النُّهُوضِ٣.
_________
١ أمَّا العدالة: فالمراد بها أن يكون صاحب استقامة في السيرة، وأن يكون متجنبًا الأفعال والأحوال الموجبة للفسق والفجور، فكما لا يكون الظالم والغادر مستحقًّا للخلافة، لا يكون المتَّصِف بالتآمر والتحايل كمثل تسليم قطيعٍ من الغنم للذئب وجعله راعيًا لها. وأقوى برهان على ذلك قوله تعالى لإبراهيم ﵇ عندما سأله أن يجعل الإمامة في ذريته: ﴿لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾، أي: لا يستحقونها ولا يصلون إليها، والقصد الأساسي من تنصيب الخليفة هو دفع الظلم عن الناس لا تسليط الظلم عليهم، فلذا لا يجوز عند علماء الإسلام كافَّة انتخاب من هو بالظلم والبغي خليفة، كما أنَّ الخليفة الذي ارتكب الظلم والطغيان أثناء خلافته يستحقّ العزل، بل إنَّه عند قدماء الشافعية وعلى رأسهم الشافعي نفسه: ينعزل ولو لم تعزله الأمة. "فقه الخلافة وتطورها، ص ٩١".
٢ يستلزم أغلبية الفقهاء أن يكون الخليفة على درجة كبيرة من العلم، فلا يكفي أن يكون عالمًا، بل يجب أن يبلغ مرتبة الاجتهاد في الأصول والفروع على السواء؛ لكي يكون قادرًا على تنفيذ شريعة الإسلام، ودفع الشبهات عن العقائد، وإعطاء فتاوى في المسائل التي تقتضيها، وإصدار الأحكام استنادًا إلى النصوص أو إلى الاستنباط؛ لأن الغرض الأساسي للخلافة هو صيانة العقائد وحل المشاكل والفصل في المنازعات. "فقه الخلافة وتطورها، ص ٩٢".
قلت: وينبغي أن يكون الإمام إلى جانب علمه بأحكام الإسلام مثقَّفًا ثقافة عالية، مُلِمًّا بأطرافٍ من علوم عصره، ويا حبَّذا لو كان متخصِّصًا في بعضها، ويكون على علمٍ بتاريخ الدول وأخبارها، وبالقوانين والمعاهدات الدولية، والعلاقات السياسية والتجارية والتاريخية.
٣ قلت: وقد فرَّق ابن خلدون في مقدمته بين العيوب الجسمية المطلقة التي تمنع الخليفة من أداء وظيفته، كأن يكون أعمى أو أخرس، أو أصمّ، أو مقطوع اليدين، أو الرجلين، ففي هذه الحالة لا يكون المرشَّح أهلًا للخلافة، أمَّا إن كان أعور أو أصمَّ بإحدى أذنيه، أو مقطوعًا إحدى يديه، ففي هذه الحالة يبقى المرشَّح أهلًا للرئاسة.
1 / 19
وَالْخَامِسُ: الرَّأْيُ الْمُفْضِي إلَى سِيَاسَةِ الرَّعِيَّةِ وَتَدْبِيرِ الْمَصَالِحِ١.
وَالسَّادِسُ: الشَّجَاعَةُ وَالنَّجْدَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى حِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَجِهَادِ الْعَدُوّ٢ِ.
وَالسَّابِعُ: النَّسَبُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ٣؛ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِضِرَارٍ٤ حِينَ شَذَّ فَجَوَّزَهَا فِي جَمِيعِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁ احْتَجَّ يَوْمَ السَّقِيفَةِ عَلَى الْأَنْصَارِ فِي دَفْعِهِمْ عَنِ الْخِلَافَةِ لَمَّا بَايَعُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ عَلَيْهَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: "الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ" ٥ فَأَقْلَعُوا عَنْ التَّفَرُّدِ بِهَا وَرَجَعُوا عَنِ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا حِينَ قَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، تَسْلِيمًا لِرِوَايَتِهِ وَتَصْدِيقًا لِخَبَرِهِ وَرَضُوا بِقَوْلِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا" ٦.
وَلَيْسَ مَعَ هَذَا النَّصِّ الْمُسَلَّمِ شُبْهَةٌ لِمُنَازِعٍ فِيهِ، وَلَا قَوْلٌ لِمُخَالِفٍ لَهُ٧.
_________
١ قلت: ويعبِّر بعض الفقهاء عن هذا الشرط بالحكمة، والحق أنَّ هذه الحكمة غالبًا ما تُكْتَسَب بالخبرة والتجربة، لكن غاية ما ينبغي أن يتوفَّر في المرشَّحِ لمنصب الخليفة أن يكون قادرًا على سياسة الأمور سياسةً دقيقة ناتجة عن حِنْكَة وتجربة وفهمٍ للواقع.
٢ ذلك أنَّ الخليفة هو قائد الجيوش الإسلامية، ولا يتَّسق أن يكون قائد جيوش المسلمين جبانًا أو متخاذلًا عن الدفاع عن قضايا الإسلام الكبرى.
٣ ويشمل ذلك كل من كان من ذرية قريش، التي تنتسب إلى جدِّها الأول "النضر بن كنانة"، الملقَّب بقريش، ولقد كان لهذه القبيلة في الجاهلية نفوذ كبير بين العرب من الناحية الدينية والأدبية. وبعد انتشار الإسلام في أنحاء الجزيرة، وخاصة بعد فتح مكة، وعفو النبي ﷺ عن القرشيين، زاد نفوذهم زيادة عظيمة، وخاصَّة لكون النبيّ وكبار صحابته كانوا من قريشِ، وقد تأكَّد هذا النفوذ نهائيًّا بتولِّي أبي بكر الخلافة، الذي كان معناه الاعتراف بسلطة قريش، وكان الخلفاء الأربعة الراشدون قرشيين أيضًا، وكذلك الأمويون والعباسيون، وطبقًا لمذهب أهل السنة: لا نزاع في وجوب توفُّر هذا الشرط، فهو لازم بالإجماع تقريبًا، إلَّا أن بعض فقهاء السنة، ومنهم ابن خلدون، فضلًا عن المعتزلة والخوارج يميلون إلى إلغاء هذا الشرط. "فقه الخلافة وتطورها: ص ٩٦".
٤ قلت: هو ضرار بن عمرو المعتزلي، إليه تنسب الفرقة الضرارية من المعتزلة، كان يقول: يمكن أن يكون جميع من في الأرض مِمَّن يظهر الإسلام كافرًا؛ توفِّي في حدود الثلاثين ومائتين.
٥ صحيح: رواه أحمد "١١٨٩٨"، وصحَّحه الشيخ الألباني في صحيح الجامع "٢٧٥٨".
٦ صحيح: ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح، وقال: أخرجه عبد الرزَّاق بإسناد صحيح، لكنَّه مرسل وله شواهد، وصحَّحه الشيخ الألباني في صحيح الجامع "٢٩٦٦".
٧ والنظرية الأخرى التى أخذ بها الخوارج وغالبية المعتزلة، يقول هؤلاء: إنَّ الخلافة ممكنة لأيِّ شخص، ولو لم يمكن قرشيًّا، وحجتهم في ذلك الحديث النبوي: "اسمعوا وأطيعوا ولَوْ وُلِّيَ عليكم عبد حبشي" مما يدل -في نظرهم- على أنَّ الإمام يمكن أن يكون غير قرشي، بل إنَّ ضرار بن عمرو الغطفاني -وهو من فقهاء المعتزلة- يرى أنَّه يجب أن يفضَّل الزنجيّ على القرشيّ إذا كان كلاهما في درجة واحدة من الأهلية؛ لأنَّ الزنجي يكون من السهل عزله إذا خرج عن واجباته كخليفة. "فقه الخلافة وتطورها: ص ٩٨".
1 / 20
فصل: "بِمَ تنعقد الإمامة"؟
والإمامة تنعقد من وجهين:
أحدهما: باختيار أهلِ العَقْدِ والحَلِّ١.
_________
١أقول: إنَّ اختيار الحاكم في الإسلام حقٌ من حقوق الأمَّة، كفله لها الإسلام، فلا ينبغي أن تفرِّط فيه أو أن تتنازل عنه ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، تشهد بذلك الوقائع التاريخية المعتمدة في التشريع الإسلامي، وهي المدَّة من نزول الوحي على النبي ﷺ، وحتى آخر خلافة علي بن أبي طالب ﵁؛ لقوله ﷺ: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ... ".
ففي حياة النبي ﷺ في بيعة العقبة الثانية يقدِّم ﷺ أوَّلَ إرساءٍ لهذا المبدأ -مبدأ حق الأمَّة في اختيار من يمثلها- حين قال مخاطبًا الأنصار: "أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيبًا ليكونوا على قومهم بما فيهم".
ثم كانت بيعة أبي بكر بعد مساجلات ومناقشات حرة ومداولات مطوَّلَة بين المهاجرين والأنصار، أدلى كلٌّ منهم برأيه حتى اجتمعوا على اختياره ﵁.
ثم كان أن استَخْلَفَ أبو بكر عمر فارتضت الأمَّة ذلك منه وبايعته ﵁ عن اقتناع حر، بعد أن أعلن كل فرد رأيه، حتى قال قائل لأبي بكر ﵁ وهو على سرير الموت: ما أنت قائل لربِّك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته، وهو إذا وَلِيَ كان أفظّ وأغلظ؟
فردَّ أبو بكر قائلًا: "أبالله تخوّفني؟ خاف من تزود من أمركم بظلم!! أقول: اللهمَّ إني قد استخلفت على أهلك خير أهلك".
ثم كان استخلاف عثمان بعد مشاورات قام بها الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف، استشار فيها كافَّة أهل المدينة، حتى إنَّه عبَّر عن ذلك قائلًا قبل مبايعته عثمان: "أيها الناس، إني قد سألتكم سرًّا وجهرًا عن إمامكم، فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين إمَّا عليّ وإمَّا عثمان ... ".
فهذه الفترة من تاريخ الأمَّة الإسلامية، هو وحده الذي يصلح لاستنباط الأحكام والتشريعات منه ويعد ما حدَثَ بها سوابق دستورية يجب الالتزام بها والسير عليها.
أما ما حدث بعد ذلك على أيدي بني أمية، فليس من الإسلام في شيء، بل لا قيمة له في ميزان الإسلام.
يقول سيد قطب ﵀: "فلمَّا جاء بنو أميَّة وصارت الخلافة الإسلامية ملكًا عضوضًا فيهم بالوراثة، لم يكن ذلك من روح الإسلام، إنَّمَا كان من حمق الجاهلية الذي أطفأ إشراقة الروح الإسلامي".
1 / 21
وَالثَّانِي: بِعَهْدِ الْإِمَامِ مِنْ قَبْلُ١.
فَأَمَّا انْعِقَادُهَا بِاخْتِيَارِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ٢ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عَدَدِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ
_________
١ قلت: ولا قيمة لعهد الإمام لأحدٍ من بعد بتولِّي منصب الخلافة ما لم تزكِّ أغلبية الأمة هذا الترشيح وتبايعه على ذلك، فتلك البيعة أو الانتخابات الحرَّة النزيهة كما يطلق عليها في عصرنا، هي الشيء الوحيد الذي يضفي الشرعيّة على سلطة خليفة، أو نائب أو والٍ....إلخ.
٢ على الرَّغم من أنَّ مصطلحات "أهل الشورى"، و"أهل الحل والعقد"، يتردَّد ذكرها كثيرًا في الكتب التي تتناول الحديث عن الخلافة والإمامة وشئون الحكم، إلَّا أننا لا نجد في هذه الكتب ما يشير من قريبٍ أو من بعيد إلى كيفيَّة اختيار هذه الهيئة التي تُعْرَف بأهلِ الحلِّ والعقد أو أهل الشورى، ولا من الذي يقوم باختيارهم أو تعيينهم.
إننا إذا نظرنا إلى آيات القرآن أو إلِى السنَّة النبوية الصحيحة، لم نجد بين نصوصهما ما يحدِّد صفات أهل الشورى ولا كيفية اختيارهم، بل لم نجد ذلك في عصر الصحابة.
يقول الدكتور السنهوري: "ففي عصر الصحابة لم يكن من الممكن التفكير في وضع شروط لمزاولة حقِّ انتخاب أهل الحلِّ والعقد؛ لأن الفكرة السهلة التي سادت هي أنَّ الناخبين هم صحابة النبي، ولو بقيت الخلافة انتخابية بعد جيل الصحابة لشعرت الأمة الإسلامية بضرورة إجراءات منظّمة ومحدّدة لاختيار أهل الحلِّ والعقد وتحديدهم؛ بحيث لا تبقى المسألة الجوهرية، وهي مسألة انتخاب أهل الحلِّ والعقد، ثم انتخاب الخليفة بمعرفتهم دون قواعد محددة".
ولعلَّ هذا هو السبب في ذلك الاختلاف البيِّن بين علماء الفقه السياسي الإسلامي قديمًا وحديثًا، ففي الوقت الذي نجد فيه الماوردي يحدِّد شروط أهل الاختيار في ثلاثة شروط فيقول: "العدالة الجامعة لشروطها، والثاني: العلم الذي يتوصّل به إلى معرفة من يستحقّ الإمامة، على الشروط المعتبرة فيها، والثالث: الرأي والحكمة وبتدبير المصالح أقوم وأعرف".
كذلك نَجِد الإمام النووي يقول في تعريف أهل الحلِّ والعقد: "إنهم العلماء والرؤساء".
بينما يرى الإمام البغدادي أنَّ أهل الشورى هم من لهم حق الاجتهاد فيقول بأنهم: "أهل الاجتهاد".
ثم نَجِد من يقول: "إنَّهم الأشراف والأعيان"، ثم نَجِد الإمام محمد عبده يقول: "أهل الحلّ والعقد من المسلمين هم الأمراء والحكام والعلماء ورؤساء الجند وسائر الرؤساء والزعماء الذين يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح".
ويقول الإمام محمد عبده: "إن أولي الأمر في زماننا هم كبار العلماء ورؤساء الجند، والقضاة، وكبار التجار والزرَّاع وأصحاب المصالح العامَّة ومديرو الجمعيات والشركات، وزعماء الأحزاب، ونابغو الكُتَّاب والأطباء والمحامين الذين تثق بهم الأمة في مصالحها، وترجع إليهم في مشكلاتها".
ثم يحاول الشيخ محمود شلتوت تعريف أهل الشورى فيقول: "أولو الأمر هم أهل النظر الذين عرفوا في =
1 / 22
الْإِمَامَةُ مِنْهُمْ عَلَى مَذَاهِبَ شَتَّى، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِجُمْهُورِ أَهْلِ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ؛ لِيَكُونَ الرِّضَاءُ بِهِ عَامًّا وَالتَّسْلِيمُ لِإِمَامَتِهِ إجْمَاعًا، وَهَذَا مَذْهَبٌ مَدْفُوعٌ بِبَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ ﵁ عَلَى الْخِلَافَةِ بِاخْتِيَارِ مَنْ حَضَرَهَا وَلَمْ يَنْتَظِرْ بِبَيْعَتِهِ قُدُومَ غَائِبٍ عَنْهَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: أَقَلُّ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ مِنْهُمُ الْإِمَامَةُ خَمْسَةٌ يَجْتَمِعُونَ عَلَى عَقْدِهَا، أَوْ يَعْقِدُهَا أَحَدُهُمْ بِرِضَا الْأَرْبَعَةِ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ ﵁ انْعَقَدَتْ بِخَمْسَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ تَابَعَهُمْ النَّاسُ فِيهَا، وَهُمْ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَبِشْرُ بْنُ سَعْدٍ، وَسَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ﵃.
وَالثَّانِي: عُمَرُ ﵁ جَعَلَ الشُّورَى فِي سِتَّةٍ لِيُعْقَدَ لِأَحَدِهِمْ بِرِضَا الْخَمْسَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ.
_________
= الأمَّة بكمال الاختصاص في بحث الشئون وإدراك المصالح والغيرة عليها، وليس من شكٍّ في أنَّ شئون الأمَّة متعددة، ففي الأمة جانب القوة، وفيها جانب القضاء، وفيها جانب المال، وفيها جانب السياسة الخارجية، وفيها غير ذلك من الجوانب، ولكل جانب رجال عرفوا فيه بنضج الآراء وعِظم الآثار، وهؤلاء الرجال هم أولو الأمر من الأمَّة، وهم أهل الإجماع الذين يكون اتفاقهم حجة يجب النزول عليها".
ويقول السيد رشيد رضا في تعريف أهل الحلِّ والعقد الذين يمثّلون سلطة الأمة، واختاره الأستاذ الإمام: "والمراد بأولي الأمر أهلُ الرأي والمكانة في الأمة، وهم العلماء بمصالحها وطرق حفظها، والمقبولة آراؤهم عند عامتها".
ولم يختلف علماء الإسلام في تعريف أهل الشورى والمراد بهم فحسب، بل اختلفوا أيضًا في تسميتهم، فمن قائل: "أهل الحل والعقد"، ومن قائل: "أهل الاختيار"، ومن قائل: "أهل الاجتهاد"، ومن قائل: "أولو الأمر".
والحقّ أنَّ النبي ﷺ وإن كان لم يترك قولًا يحدِّد فيه كيفية أهل الشورى، إلّا أنه ﷺ قد ترك ذلك في سنَّتِه الفعلية برسمه الملامح والمنهاج الذي يمكن أن تسير عليه الأمة من بعده.
فمن خلال استقرائنا لسيرة النبي ﷺ وصحابته من بعده، بل ولتاريخ أمتنا، نستطيع أن نقول: إنّ أهل الحل والعقد لا بُدَّ وأن يتمَّ انتخابهم انتخابًا مباشرًا من قِبَلِ الأمَّة.
1 / 23
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ: تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ يَتَوَلَّاهَا أَحَدُهُمْ بِرِضَا الِاثْنَيْنِ لِيَكُونُوا حَاكِمًا وَشَاهِدَيْنِ، كَمَا يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: تَنْعَقِدُ بِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لِعَلِيٍّ -رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا: اُمْدُدْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَايَعَ ابْنَ عَمِّهِ، فَلَا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ اثْنَانِ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ وَحُكْمُ وَاحِدٍ نَافِذٌ.
_________
١ قلت: وهذا كلام غريب وعجيب ينبغي الوقوف أمامه طويلًا؛ لبيان ما به من مخالفات لروح الشريعة الإسلامية، فما يدَّعيه البعض من أنَّ الخلافة تنعقد بستة أو بخمسة، أو حتى بواحد، كلام لا يقبل شرعًا ولا عقلًا.
فكيف نجيز لواحد أو خمسة أو ستة من أفراد الأمَّة، أو حتى عدة آلاف أن تعقد الإمامة لفردٍ ما دون الرجوع لرأي الأمة؟.
ثم إنَّ الخلافة لم تنعقد لأبي بكر بخمسة كما يدَّعي القائلون بذلك، ولم تنعقد لعثمان بستة كما يزعمون، فما فعله الخمسة في بيعة أبي بكر، أو الستة في بيعة عثمان لم تنعقد به الإمامة، إنَّما انعقدت بالبيعة العامَّة التي تمَّت بعد ذلك من جموع أفراد الأمة.
وعلى ذلك: فلا وزن لتلك المقولات التي ساقها بعض الفقهاء في عصور الضَّعف الإسلامي، والتي تقوي نفوذ الحكَّام، وتهوّن من شأن الأمَّة وأهل الحلِّ والعقد في الأمور السياسية.
فابن جماعة -مثلًا- وجدناه يفتح الباب على مصراعيه أمام أهل النفوذ والقوة المسيطرين على البلاد، ليطلبوا ما ليس لهم، ويجعل من ذلك حقًّا شرعيًّا!.
يقول ابن جماعة: "إن خلا الوقت من إمام فتصدَّى لها -يعني الإمامة- من ليس من أهلها، وقهر الناس بشوكته وجنوده بغير بيعة أو استخلاف، انعقدت بيعته، ولزمت طاعته؛ لينتظم شمل المسلمين، ولا يقدح في إمامته كونه فاسقًا أو جاهلًا، ما دام قد تمَّت له الغلبة".
ليس هذا فحسب، بل إنَّه يذهب إلى أكثر من هذا فيقول: "وإذا انعقدت الإمامة بالشوكة والغلبة لواحد، ثم قام آخر فقهر الأول بشوكته وجنوده، انعزل الأول، وصار الثاني إمامًا، لما قدمناه من مصلحة المسلمين وجمع كلمتهم".
كما كانت أفكار الوزير السلجوقي "نظام الملك"، من أبعد تلك الأفكار عن روح الإسلام في مسألة الحكم؛ إذ يقول: "إن السلطان تختاره العناية الإلهية مباشرة، وإنه مسئول مباشرة أمام الله".
ثم وجدناه هذه الأفكار التي صدرت عن نظام الملك تنتقل إلى الأندلس عن طريق محمد بن الوليد الطرطوشي، الذي يقول: "إنَّ حق السلطان في الحكم صادر عن إرادة الله، ومن ثَمَّ فهو ليس موضع مناقشة قط، وهناك بيان أو عهد بين الله تعالى والملوك، يُلْزِم الحاكم بمعاملة رعاياهم بالعدل والإنصاف والإحسان، أمَّا الحاكم الظالم فهو يعتبره بمثابة عقوبة من الله تعالى قدرَّها على عباده، جزاءً لهم على عصيانهم، ولذلك كان لزامًا عليهم أن يتحمَّلوا حكمه".
فهذه الأفكار وأمثالها التي تغثّ بها بعض الكتب القديمة والحديثة على السواء أفكار انهزامية، أصدرها أصحابها في محاولةٍ منهم لجمع كلمة المسلمين، وللتوفيق بين المصلحة العامَّة من حفظٍ لدماء المسلمين، والحفاظ على وحدتهم من التفرُّق والتشتت، وبين الشريعة.
وعلى أيِّ حالٍ فهي -كما قلنا- لا تعتبر سوابق دستورية ولا فتاوى يتَّكِأُ عليها اليوم أو غدًا، ذلك أنَّ لكل عصرٍ خصوصيته وظروفه.
1 / 24
فصل: "في وجوب اختيار الأصلح"
فَإِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ لِلِاخْتِيَارِ تَصَفَّحُوا أَحْوَالَ أَهْلِ الْإِمَامَةِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِمْ شُرُوطُهَا، فَقَدَّمُوا لِلْبَيْعَةِ مِنْهُمْ أَكْثَرَهُمْ فَضْلًا وَأَكْمَلَهُمْ شُرُوطًا، وَمَنْ يُسْرِعُ النَّاسُ إلَى طَاعَتِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُونَ عَنْ بَيْعَتِهِ، فَإِذَا تَعَيَّنَ لَهُمْ مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ مَنْ أَدَّاهُمْ الِاجْتِهَادُ إلَى اخْتِيَارِهِ عَرَضُوهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَجَابَ إلَيْهَا بَايَعُوهُ عَلَيْهَا، وَانْعَقَدَتْ بِبَيْعَتِهِمْ لَهُ الْإِمَامَةُ١، فَلَزِمَ كَافَّةَ
_________
١ قلت: كلَّا والله لم تنعقد إلَّا بعد بيعة غالبية الأمة له، فبيعة أبي بكر ﵁ لم تتمّ إلّا بعد مبايعة غالبية أهل المدينة، وكذلك مبايعة غالبية باقي الأمصار.
يقول الدكتور فهمي عبد الجليل: "فبيعة أبي بكر ﵁ حدثت في مجلسٍ ضمَّ عامَّة الأنصار، وهم أكثرية أهل المدينة، وإذا كانت الخلاصة قد سبقت إلى بيعته، فإنَّ بيعة العامَّة من الحاضرين لمجلس السقيفة هي التي أعطت الشرعية لهذه البيعة".
كذلك كان اختيار أبي بكر لعمر للخلافة من بعده بناءً على موافقة الأمَّة، فقد روي أنه ﵁ قال: "أترضون بمن أستخلف عليكم، فقالوا جميعًا: سمعنا وأطعنا".
وكذلك كان اختيار عثمان بن عفان ﵁ بناءً على اختيار الأمَّة، فكان عبد الرحمن بن عوف ﵁ يسأل قبل أن يعلن عن الخليفة الذي تَمَّ اختياره من الأمَّة.
يقول الإمام السيوطي: "بويع بالخلافة -أي: عثمان- بعد دفن عمر بثلاث ليالٍ، فروي أنَّ الناس كانوا يجتمعون في تلك الأيام إلى عبد الرحمن بن عوف يشاورونه ويناجونه، فلا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدًا، ولمَّا جلس عبد الرحمن للمبايعة، حمد الله وأثنى عليه وقال في كلامه: إنِّي رأيت الناس يأبون إلّا عثمان.
ثم جاءت بيعة علي ﵁ بناءً على اختيار الأمة؛ لتؤكِّد على دور العامَّة في اختيار من يمثِّلها، سواء كان الخليفة أو أهل الشورى أو غير ذلك.
1 / 25
الْأُمَّةِ الدُّخُولُ فِي بَيْعَتِهِ وَالِانْقِيَادُ لِطَاعَتِهِ، وَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْإِمَامَةِ وَلَمْ يُجِبْ إلَيْهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُرَاضَاةٍ وَاخْتِيَارٍ لَا يَدْخُلُهُ إكْرَاهٌ وَلَا إجْبَارٌ، وَعُدِلَ عَنْهُ إلَى مَنْ سِوَاهُ مِنْ مُسْتَحِقِّيهَا.
فَلَوْ تَكَافَأَ فِي شُرُوطِ الْإِمَامَةِ اثْنَانِ قُدِّمَ لَهَا اخْتِيَارًا أَسَنُّهُمَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زِيَادَةُ السِّنِّ مَعَ كَمَالِ الْبُلُوغِ شَرْطًا، فَإِنْ بُويِعَ أَصْغَرُهُمَا سِنًّا جَازَ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ وَالْآخَرُ أَشْجَعَ رُوعِيَ فِي الِاخْتِيَارِ مَا يُوجِبُهُ حُكْمُ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى فَضْلِ الشَّجَاعَةِ أَدْعَى لِانْتِشَارِ الثُّغُورِ وَظُهُورِ الْبُغَاةِ كَانَ الْأَشْجَعُ أَحَقَّ، وَإِنْ كَانَتِ الْحَاجَةُ إلَى فَضْلِ الْعِلْمِ أَدْعَى لِسُكُونِ الدَّهْمَاءِ وَظُهُورِ أَهْلِ الْبِدَعِ كَانَ الْأَعْلَمُ أَحَقَّ، فَإِنْ وَقَفَ الِاخْتِيَارُ عَلَى وَاحِدٍ مِنِ اثْنَيْنِ فَتَنَازَعَاهَا، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ التَّنَازُعَ فِيهَا لَا يَكُونُ قَدْحًا مَانِعًا.
وَلَيْسَ طَلَبُ الْإِمَامَةِ مَكْرُوهًا، فَقَدْ تَنَازَعَ فِيهَا أَهْلُ الشُّورَى، فَمَا رُدَّ عَنْهَا طَالِبٌ، وَلَا مُنِعَ مِنْهَا رَاغِبٌ، وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُقْطَعُ بِهِ تَنَازُعُهُمَا مَعَ تَكَافُؤِ أَحْوَالِهِمَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَيُقَدَّمُ مَنْ قَرَعَ مِنْهُمَا.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يَكُونُ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعَةِ أَيِّهِمَا شَاءُوا١ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ، فلو
_________
أقول: ويمكن الجمع بين قول من يقول باختيار من يمثل الأمة عن طريق أهل الحل والعقد، وبين من يرون الاختيار المباشر عن طريق الأمة، وذلك أن يتمّ الترشيح الأوليّ عن طريق أهل الحل والعقد الذين يستطيعون إنزال الناس منازلهم، ثم يعرض هذا الترشيح على الأمَّة لتختار من هذه الترشيحات ما تريد.
٢ قلت: بل يرجع في ذلك إلى رأي الأمَّة لتختار من يتولَّى هذا المنصب الجليل، فالشعب وحده هو صاحب الحقِّ في اختيار الحاكم، ولا يحقّ لأحد مهما بلغت قوته ونفوذه الافتئات على الشعب، فيقوم باختيار الحاكم وتوليته من تلقاء نفسه، ومن يفعل ذلك فقد تعدَّ حدوده وخان هذه الأمة.
ولعلَّ هذا ما لفت إليه الفاروق عمر بن الخطاب ﵁ وأرضاه الأنظار حين سمع من يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعت فلانًا، فقال عمر معترضًا ومؤكدًا على مبدأ سيادة الشعب: "إني لقائم العشية في الناس فمحذّرهم من هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوا الناس أمرهم".
غير أنَّ هناك من يرى أنَّ أهل الشورى الذين يُنَاط بهم اختيار الحاكم هم أهل الحل والعقد وحدهم وليس عامَّة الشعب، ومن هؤلاء المعتزلة الذين يرون أنَّ العامة لا تصلح لذلك، وها هو ذا أحد مفكريهم يقول: "إنَّ العامة لا تعرف معنى الإمامة ولا تأويل الخلافة، ولا تفصل بين فضل وجودها =
1 / 26
تَعَيَّنَ لِأَهْلِ الِاخْتِيَارِ وَاحِدٌ هُوَ أَفْضَلُ الْجَمَاعَةِ فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِمَامَةِ، وَحَدَثَ بَعْدَهُ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ انْعَقَدَتْ بِبَيْعَتِهِمْ إمَامَةُ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ؛ وَلَوْ ابْتَدَءُوا بَيْعَةَ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ دَعَا إلَيْهِ مِنْ كَوْنِ الْأَفْضَلِ غَائِبًا أَوْ مَرِيضًا، أَوْ كَوْنِ الْمَفْضُولِ أَطْوَعَ فِي النَّاسِ وَأَقْرَبَ فِي الْقُلُوبِ، انْعَقَدَتْ بَيْعَةُ الْمَفْضُولِ وَصَحَّتْ إمَامَتُهُ.
وَإِنْ بُويِعَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي انْعِقَادِ بَيْعَتِهِ وَصَحَّتْ إمَامَتُهُ؛ فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْجَاحِظُ إلَى أَنَّ بَيْعَتَهُ لَا تَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ إذَا دَعَا إلَى أَوْلَى الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَجُزِ الْعُدُول عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِأَوْلَى كَالِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَقَالَ الْأَكْثَرُ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ: تَجُوزُ إمَامَتُهُ وَصَحَّتْ بَيْعَتُهُ، وَلَا يَكُونُ وُجُودُ الْأَفْضَلِ مَانِعًا مِنْ إمَامَةِ الْمَفْضُولِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا عَنْ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ، كَمَا يَجُوزُ فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْفَضْلِ مُبَالَغَةٌ فِي الِاخْتِيَارِ، وَلَيْسَتْ مُعْتَبَرَةً فِي شُرُوطِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَلَوْ تَفَرَّدَ فِي الْوَقْتِ بِشُرُوطِ الْإِمَامَةِ وَاحِدٌ لَمْ يُشْرِكَ فِيهَا غَيْرُهُ تَعَيَّنَتْ فِيهِ الْإِمَامَةُ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْدَلَ بِهَا عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ١.
_________
= ونقص عدمها، ولأي شيء ارتدت، ولأي أمر أمَّلت، وكيف مأتاها والسبيل إليها، بل هي مع كل ريح تهب وناشئة تنجم، ولعلها بالمتطلبة أقر عينًا منها بالمحقين"، فأهل الشورى في نظر هذا الفريق هم: "خواص الطبقة العليا في الأمَّة الذين أمر الله -عز شأنه- نبيه بمشاورتهم في الأمر، الذين لهم شرعًا حق الاحتساب والسيطرة على الإمام والعمَّال؛ لأنهم رؤساء الأمة وكلاء العامة".
أقول: وإنَّ من يرى هذا الرأي منَ المعتزلة ومن وافقهم يرون أنَّ العامة لا تصلح لاختيار الحاكم، وأنها ليست مؤهَّلة لذلك. إذًا فمن يختار أهل الشورى؟ إن قالوا: الشعب أو العامَّة ناقضوا أنفسهم، وإن قالوا: الحاكم، قلنا: فما أهمية الشورى إذا كان الحاكم هو الذي يختار أهل مشورته؟!.
"وهذا ما فهمه المسلمون حين أخَّروا عليَّ بن أبي طالب ابن عم رسول الله ﷺ وزوج فاطمة الزهراء وهو أقرب الناس إلى قلب وفؤاد رسول الله ﷺ وأقربهم نسبًا وصهرًا إليه، وإذا كان علي بن أبي طالب قد غبن في تأخيره -وبخاصة بعد استشهاد عمر- إلّا أنَّ هذا التأخير كان له الفضل في التقدير العلمي لنظرية الإسلام ومبادئه في الحكم، حتى تكون بعيدةً عن شبهة الوراثة التي هي أبعد شيء عن روح الإسلام ومبادئه".
١ يقول الدكتور السنهوري: ففي الفرض الأوَّل، أي: إذا كان هناك عذر مبرّر لترك الأفضل، يكون في =
1 / 27