211

Kur'an Hükümleri

أحكام القرآن لابن العربي

Yayıncı

دار الكتب العلمية

Baskı Numarası

الثالثة

Yayın Yılı

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Yayın Yeri

بيروت - لبنان

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِقَوْلِهِ ﷺ: «إنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهَا دَاءٌ».
[مَسْأَلَةٌ قَوْله تَعَالَى وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: ٢١٩]: وَفِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِثْمَ بَعْدَ التَّحْرِيمِ أَكْبَرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
الثَّانِي: أَنَّ الْإِثْمَ فِيمَا يَكُونُ عَنْهَا مِنْ فَسَادِ الْعَمَلِ عِنْدَ ذَهَابِ الْعَقْلِ أَكْثَرُ مِنْ مَنْفَعَةِ اللَّذَّةِ وَالرِّبْحِ؛ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَزَادَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمَّا نَزَلَ تَوَرَّعَ عَنْهَا قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَشَرِبَهَا آخَرُونَ لِلْمَنْفَعَةِ يَعْنِي لِأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا لَا لِمَنْفَعَةِ الْبَدَنِ كَمَا قَدَّمْنَا، حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ [النساء: ٤٣] فَإِنْ قِيلَ: كَيْف شُرِبَتْ بَعْدَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢١٩] وَبَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: ٢١٩] وَكَيْف تَعَاطَى مُسْلِمٌ مَا فِيهِ مَأْثَمٌ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَرَادَ بِالْإِثْمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ شُرْبُهَا لَا نَفْسُ شُرْبِهَا. فَمَنْ فَعَلَ حِينَئِذٍ ذَلِكَ الَّذِي يُؤَوَّلُ إلَيْهِ فَقَدْ أَثِمَ بِمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ لَا بِنَفْسِ الشُّرْبِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الَّذِي يُؤَوَّلُ إلَيْهِ لَمَا كَانَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إثْمٌ؛ فَكَانَ هَذَا مَقْصَدَ الْقَوْلِ عَلَى وَجْهِ الْوَرَعِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ؛ فَقَبِلَهُ قَوْمٌ فَتَوَرَّعُوا، وَأَقْدَمَ آخَرُونَ عَلَى الشُّرْبِ حَتَّى حَقَّقَ اللَّهُ تَعَالَى التَّحْرِيمَ، فَامْتَنَعَ الْكُلُّ، وَلَوْ أَرَادَ رَبُّك التَّحْرِيمَ لَقَالَ لِعُمَرَ أَوَّلًا مَا قَالَ لَهُ آخِرًا حَتَّى قَالَ: انْتَهَيْنَا.
الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا ذَكَرَ مَا فِيهَا مِنْ الْإِثْمِ الْمُوجِبِ لِلِامْتِنَاعِ وَقَرَنَهُ بِمَا فِيهَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْإِقْدَامِ فَهِمَ قَوْمٌ مِنْ ذَلِكَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ، وَلَوْ تَدَبَّرُوا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: ٢١٩] لَغَلَبَ الْوَرَعُ؛ فَأَقْدَمَ مَنْ أَقْدَمَ، وَتَوَرَّعَ مَنْ تَوَرَّعَ، حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ التَّحْرِيمِ الْبَاحِثَةِ الْكَاشِفَةِ لِتَحْقِيقِهِ، فَفَهِمَهَا النَّاسُ، وَقَالَ عُمَرُ ﵁: انْتَهَيْنَا، «وَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ مُنَادِيَهُ فَنَادَى بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ».

1 / 213