يقصر الصلاة كما جاز للمسافر أن يقصر، فلما لم يجُز ذلك عُلِم أن أمر الصوم لا يُشبِه قصرَ الصلاة.
وقال الشافعي في المسافر: إن شاء أتمَّ وإن شاء قصر، واحتجَّ بقول اللَّه تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٠١]، فلما قيل: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾، عُلِم أنه إن شاء أتم وإن شاء قصر (^١).
قال القاضي: وهذا خطأ قبيح، ولو كان على ما قال لما كانت الإباحة لقصر الصلاة للمسافر إلا عند الخوف، وإنما هذه الآية في قَصْر الترتيب لا قَصْر العدد، لأنه جلَّ وعزَّ قال في إثرها تعليمًا لذلك القصر الذي علمناه عند الخوف وأباحه لنا: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ﴾، فوصف لنا الصلاة المقصورة عند الخوف وعلَّمَناها، فأما صلاة السفر فقد كنا عرفناها بقوله: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ فأقام لهم رسول اللَّه ﷺ صلاة الحضر وصلاة السفر، [ولو كان قوله: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ تخييرًا، لكان قوله في الصفا والمروة: ﴿فَلَا جُنَاحَ﴾ تخييرًا، فمن شاء طاف ومن شاء ترك] (^٢).
قال ابن عمر ﵁: بُعِث رسول اللَّه ﷺ ولا نعلم شيئًا، وإنما نفعل ما كان يفعل (^٣).