Ahkam al-Aqiqah

أحكام العقيقة

Yayıncı

أبو ديس / القدس

Türler

أحكام العقيقة د. حسام الدين عفانه

1 / 1

المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده وروسوله. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وبعد ... فإن العقيقة من السنن الثابتة عن الرسول ﷺ ولكنها تكاد تكون من السنن المنسية التي لا يعمل بها إلا قليل من الناس ولذا قمت بإعداد هذا البحث ونشره من أجل إحياء سنة من سنن المصطفى ﷺ ولتعريف الناس بهذه السنة وبأحكامها وما يتعلق بها حتى تجد طريقها إلى التطبيق العملي وحتى تحل السنن محل العادات الجاهلية التي اعتاد عليها كثير من الناس حتى غدت أحكام الشرع غريبة لدى المسلمين وللأسف الشديد وصارت العادات الجاهلية والبدع المحدثة هي السائدة والغالبة. وقد عرّفت العقيقة في اللغة والاصطلاح وجمعت كل ما وقفت عليه من الأحاديث الواردة في العقيقة من كتب السنة المشرفة وحاولت اسقصائها بقد الوسع والطاقة،

1 / 2

وذكرت كلام العلماء والفقهاء في مسائل العقيقة المختلفة وبيّنت بالتفصيل حكم العقيقة وشروطها وأوجه الانتفاع بها وما يتعلق بذلك وقد بذلت جهدي ووسعي في هذا البحث فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان. وأسال الله العلي العظيم أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وأن ينفع به عامة المسلمين إنه سميع قريب مجيب. د. حسام الدين عفانه أبوديس/القدس في الثالث عشر من رجب ١٤١٥ هـ الموافق، السادس عشر من كانون أول ١٩٩٤ م

1 / 3

الفصل الأول ما يتعلق بالعقيقة

1 / 4

المبحث الأول تعريف العقيقة لغة واصطلاحًا أولًا: تعريف العقيقة لغة: هي الشَعر الذي يولد به الطفل لأنه يشق الجلد. قال امرؤ القيس: يا هند لا تنكحي بوهةً عليه عقيقته أحسَبَا وهي مأخوذة من عق، يَعِقُ ويعَقُ فنقول عق عن ابنه بمعنى حلق عقيقته أي شعر رأسه أو ذبح الشاة المسماة عقيقة، قال ابن منظور: [وقيل للذبيحة عقيقة لأنها تذبح فيشق حلقومها ومريئها وودجاها قطعًا كما سميت ذبيحة بالذبح وهو الشق] (١) وقال الجوهري: [وشعر كل مولود من الناس والبهائم الذي يولد عليه عقيقة ... ومنه سميت الشاة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه عقيقة]. (٢) ثانيًا: تعريف العقيقة اصطلاحًا: هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم سابعه شكرًا لله ﷾ على نعمة الولد ذكرًا كان أو أنثى. (٣) وقد عرفها د. محمد أبو فارس بقوله: [هي الشاة التي تذبح عن المولود ...]. (٤)

(١) لسان العرب ٩/ ٣٢٥. (٢) الصحاح ٤/ ١٥٢٧. (٣) المغني ٩/ ٤٥٨، المجموع ٨/ ٤٢٦، نيل الأوطار ٥/ ١٤٩، الخرشي ٣/ ٤٦، سبل السلام ٤/ ١٧٩. (٤) أحكام الذبائح ص ١٦٨.

1 / 5

وهذا التعريف غير جامع لأن فيه قصرًا للعقيقة على الشياه فقط وهذا على قول من لا يجيز العقيقة من الإبل والبقر وهو قول مرجوح كما سيأتي بيانه. فالأولى أن نعبر بقولنا هي الذبيحة فإن ذلك يعم الغنم والبقر والإبل حيث تصح العقيقة من هذه الأنواع كما سيأتي.

1 / 6

المبحث الثاني مشروعية العقيقة ثبتت مشروعية العقيقة بالسنة النبوية من قول النبي ﷺ ومن فعله كذلك. فمن السنة القولية وردت أحاديث كثيرة منها: ١. روى الإمام البخاري بسنده عن محمد بن سيرين: حدثنا سلمان بن عامر الضبي قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دمه وأميطوا عنه الأذى) ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد والدارمي والبيهقي. (١) ٢. عن سمرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى) رواه أبو داود واللفظ له والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وأحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: صحيح. (٢) ٣. عن أم كرز الكعبية قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) رواه أبو داود واللفظ له وأحمد والبيهقي. (٣) ٤. وفي رواية أخرى لحديث أم كرز أنها سألت رسول الله ﷺ عن العقيقة فقال:

(١) فتح الباري ١٢/ ٩، عون المعبود ٨/ ٣٠، سنن الترمذي ٤/ ٩٨، سنن النسائي ٧/ ١٦٦، سنن البيهقي ٩/ ٢٩٩، مسند أحمد ٧/ ١٧، سنن ابن ماجة ٣١٦٥. (٢) عون المعبود ٨/ ٢٨، الترمذي ٤/ ١٠١، النسائي ٧/ ١٦٦، ابن ماجة ٢/ ١٠٥٧، المستدرك ٤/ ٢٣٧، سنن البيهقي ٩/ ٢٩٩، صحيح سنن النسائي ٣/ ٨٨٥، إرواء الغليل ٤/ ٣٨٥، مسند أحمد ٥/ ٧ - ٨،١٢ - ١٧ - ١٨. (٣) عون المعبود ٨/ ٢٧، المسند ٦/ ٤٢٢، سنن البيهقي ٩/ ٣٠١.

1 / 7

(نعم عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة، لا يضركم ذكرانًا أم إناثًا) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وأحمد، وقال: الترمذي حديث صحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال الألباني: صحيح. وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح. (١) ٥. عن يوسف بن ماهك قال: دخلنا على حفصة بنت عبد الرحمن فسألناها عن العقيقة فأخبرتنا أن عائشة أخبرتها أن رسول الله ﷺ قال: (عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة) رواه ابن حبان واللفظ له وأحمد والترمذي وابن ماجة وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح. (٢) ٦. وفي رواية أخرى للحديث السابق: (أن عائشة أخبرتهم أن الرسول ﷺ أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. والبيهقي وقال الألباني: صحيح. (٣) ٧. عن اسماء بنت يزيد أن النبي ﷺ قال: (العقيقة حق عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) رواه أحمد والطبراني. قال الهيثمي رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله محتج بهم. (٤)

(١) عون المعبود ٨/ ٢٦، سنن الترمذي ٤/ ٩٨، سنن النسائي ٧/ ١٦٥، سنن ابن ماجة ٢/ ١٠٥٦، صحيح سنن النسائي ٣/ ٨٨٥، الإحسان ١٢/ ١٢٨، إرواء الغليل ٤/ ٣٩١، سنن البيهقي ٩/ ٢٠٠. (٢) الإحسان ١٢/ ١٢٦، سنن الترمذي ١٥١٣، سنن ابن ماجة ٣١٦٣، المسند ٦/ ٣١. (٣) سنن الترمذي ٤/ ٩٦، سنن البيهقي ٩/ ٣٠١، صحيح سنن الترمذي ٢/ ٩٢، إرواء الغليل ٤/ ٣٨٩. (٤) مجمع الزوائد ٤/ ٥٧، وانظر فتح الباري ١٢/ ٩، الفتح الرباني ١٣/ ١٢١.

1 / 8

٨. عن أبي هريرة أنه ﷺ قال: (مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دمًا وأميطوا عنه الأذى) قال الهيثمي رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. (١) ٩. عن يزيد بن عبد المزني عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: (يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم) رواه الطحاوي والطبراني في الأوسط والكبير وقال الهيثمي: ورجاله ثقات. (٢) ١٠. عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق) رواه الترمذي وقال حسن غريب. (٣) ١١. عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: (إذا كان يوم سابعه فأهريقوا عنه دمًا وأميطوا عنه الأذى وسموه) رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله كما قال الهيثمي. (٤) ١٢. عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: (للغلام عقيقتان وللجارية عقيقة) قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الكبير وفيه عمران بن عيينة وثقه ابن معين وابن حبان وفيه ضعف. (٥) وقال الشيخ الألباني أخرجه الطحاوي بسند جيد في الشواهد وذكر أن طريق الطحاوي سالمة من الضعف. (٦)

(١) مجمع الزوائد ٤/ ٥٨. (٢) إرواء الغليل ٤/ ٣٨٩، مجمع الزوائد ٤/ ٥٨. (٣) سنن الترمذي ٥/ ١٣٢، نيل الأوطار ٥/ ١٥٢. (٤) مجمع الزوائد ٤/ ٥٨. (٥) المصدر السابق. (٦) إرواء الغليل ٤/ ٣٩٢.

1 / 9

وأما السنة الفعلية الثابتة عن رسول الله ﷺ فمنها أحاديث: ١. عن عكرمة عن ابن عباس: (أن رسول الله ﷺ عق عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا) رواه أبو داود (١). وقال النووي: رواه أبو داود بإسناد صحيح (٢). وقال الألباني: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري وقد صححه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الكبرى (٣). وقال شعيب الأرناؤوط: وأخرجه ابن الجارود والطبراني وإسناده صحيح. (٤) ٢. وفي رواية أخرى لحديث ابن عباس: (أن الرسول ﷺ عق عن الحسن والحسين بكبشين كبشين) رواه النسائي وقال الألباني: صحيح. (٥) ٣. عن بريدة أن الرسول ﷺ: (عق عن الحسن والحسين) رواه أحمد والنسائي والطبراني (٦)، وقال الألباني: صحيح (٧). وقال الأرناؤوط: وإسناده صحيح على شرط مسلم. (٨) ٤. عن أنس بن مالك قال: (عق رسول الله ﷺ عن حسن وحسين بكبشين) رواه ابن حبان وقال محققه: حديث صحيح.

(١) عون المعبود ٨/ ٣٠. (٢) المجموع ٨/ ٤٢٨. (٣) إرواء الغليل ٤/ ٣٧٩. (٤) الإحسان ١٢/ ١٣٠. (٥) صحيح سنن النسائي ٣/ ٨٨٥، إرواء الغليل ٤/ ٣٨٠. (٦) المسند ٥/ ٣٥٥، سنن النسائي ٧/ ١٦٦ من حديث ابن عباس مرفوعًا. (٧) صحيح سنن النسائي ٣/ ٨٨٤. (٨) الإحسان ١٢/ ١٣١.

1 / 10

وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار وأبو يعلى والبزار والبيهقي (١)، وصححه عبد الحق في الأحكام الكبرى وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح (٢). وقال الساعاتي ورجاله ثقات. (٣) ٥. عن عائشة قال: (عق رسول الله ﷺ عن حسن وحسين يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رأسهما الأذى) رواه ابن حبان وقال محققه: إسناده حسن (٤). والبيهقي وقال النووي: بإسناد حسن (٥)، ورواه الحاكم ووافقه الذهبي. (٦) ٦. وعن عائشة أن النبي ﷺ: (عق عن الحسن والحسين وقال: قولوا بسم الله والله أكبر اللهم لك وإليك هذه عقيقة فلان) رواه البيهقي بإسناد حسن كما قال النووي. (٧) ٧. عن عبد الله بن عمرو: (أن النبي ﷺ عق عن الحسن والحسين عن كل واحد منهما كبشين اثنين مثلين متكافئين) قال الشيخ الأرناؤوط: أخرجه الحاكم بسند حسن في الشواهد. (٨) ٨. وعن جابر بن عبد الله: (أن الرسول ﷺ عق عن الحسن والحسين) رواه أبو يعلى والطبراني، قال الشيخ الألباني: [ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير المغيرة

(١) الإحسان ١٢/ ١٢٥، وانظر سنن البيهقي ٩/ ٢٩٩. (٢) إرواء الغليل ٤/ ٣٨٢، مجمع الزوائد ٤/ ٥٨. (٣) الفتح الرباني ١٣/ ١٢٤. (٤) الإحسان ١٢/ ١٢٧. (٥) المجموع ٨/ ٤٢٨، وانظر سنن البيهقي ٩/ ٢٩٩ - ٣٠٠. (٦) المستدرك ٤/ ٢٣٧. (٧) المجموع ٨/ ٤٢٨. (٨) الإحسان ١٢/ ١٣٠.

1 / 11

بن مسلم وهو القسملي وهو ثقة لكن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه ولولا ذلك لقلت بصحته وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات]. (١) وقال الساعاتي: رجاله ثقات. (٢)

(١) إرواء الغليل ٤/ ٣٨٢ - ٣٨٣، مجمع الزوائد ٤/ ٥٩. (٢) الفتح الرباني ١٣/ ١٢٤.

1 / 12

المبحث الثالث معنى قول الرسول ﷺ كل غلام مرتهن بعقيقته ورد في الحديث عن سمرة قال: قال رسول الله ﷺ: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمَّى ويحلق رأسه) (١)، وفي رواية عند أحمد والنسائي: (كل غلام رهين بعقيقته) (٢)، وفي رواية عند الترمذي وابن ماجة: (كل غلام مرتهن بعقيقته) (٣)، وقد اختلف العلماء في تفسير ذلك: ١. قال الخطابي: [قال أحمد: هذا في الشفاعة يريد أنه إن لم يعق عنه فمات طفلًا لم يُشفع في والديه. وقوله رهينة بإثبات الهاء معناه مرهون فعيل بمعنى مفعول والهاء تقع في هذا للمبالغة، يقال فلان كريمة قومه أي محل العقدة الكريمة عندهم]. (٤) وقول أحمد [هذا] روى البيهقي مثله عن عطاء الخراساني حيث روى بسنده عن يحيى بن حمزة قال: [قلت لعطاء الخراساني ما مرتهن بعقيقته؟ قال: يحرم شفاعة ولده]. (٥) ٢. وقيل أن المعنى أن العقيقة لازمة لا بد منها فشبه المولود في لزومها وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن وقال النوربشتي أي أنه كالشيء المرهون لا يتم الانتفاع به

(١) سبق تخريجه. (٢) الفتح الرباني ١٣/ ١٣، صحيح سنن النسائي ٣/ ٨٨٥. (٣) صحيح سنن الترمذي ٢/ ٩٤، صحيح سنن ابن ماجة ٢/ ٢٠٦. (٤) معالم السنن ٤/ ٢٦٤ - ٢٦٥. (٥) سنن البيهقي ٩/ ٢٩٩.

1 / 13

دون فكه، والنعمة إنما تتم على المنعم عليه بقيامه بالشكر ووظيفته والشكر في هذه النعمة ما سنه الرسول ﷺ وهو أن يعق عن المولود شكرًا لله تعالى وطلبًا لسلامته. (١) ٣. وقيل أن المعنى أن الغلام مرهون بأذى شعره ويدل على ذلك قوله: (فأميطوا عنه الأذى). (٢) ٤. وقيل أنه مرهون بالعقيقة بمعنى أنه لا يسمى ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها (٣)، ولم يرتض ابن القيم هذه التفسيرات للحديث وردها وقال: وفيه نظر لا يخفى فإن شفاعة الولد في الوالد ليست بأولى من العكس وكونه والدًا له ليس للشفاعة فيه. وكذا سائر القرابات والأرحام وقد قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا)، وقال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ)، وقال تعالى: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ)، فلا يشفع أحد لأحد يوم القيامة إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى، فإذنه ﷾ في الشفاعة موقوف على عمل المشفوع له من توحيده وإخلاصه. ومن الشافع من قربه عند الله ومنزلته ليست مستحقة بقرابة ولا بنوة ولا أبوة. وقد قال سيد الشفعاء وواجههم عند الله لعمه وعمته وابنته: (لا أغني عنكم من الله شيئًا) وفي رواية: (لا أملك لكم من الله شيئًا) وقال في شفاعته العظمى لما يسجد

(١) الإحسان ١٢/ ١٣١ - ١٣٢ الهامش، فتح الباري ١٢/ ١٢، نيل الأوطار ٥/ ١٥٠. (٢) معالم السنن ٤/ ٢٦٥. (٣) نيل الأوطار ٥/ ١٥٠.

1 / 14

بين يدي ربه ويشفع: (فيحد لي حدًا فأدخلهم الجنة) فشفاعته في حد محدود يحدهم الله سبحانه له ولا تجاوزهم شفاعته. فمن اين يقال أن الولد يشفع لوالده فإذا لم يعق عنه حبس عنه الشفاعة له ولا يقال لمن يشفع لغيره أنه مرتهن ولا في اللفظ ما يدل على ذلك والله ﷾ يخبر عن ارتهان العبد بكسبه كما قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) وقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا) فالمرتهن هو المحبوس إما بفعل منه أو فعل من غيره، وأما من لم يشفع لغيره فلا يقال له مرتهن على الإطلاق، بل المرتهن هو المحبوس عن أمر كان بصدد نيله وحصوله ولا يلزم من ذلك أن يكون بسبب منه بل تحصيل ذلك تارة بفعله وتارة بفعل غيره. وقد جعل الله سبحانه النسيكة عن الولد سببًا لفك رهانه من الشيطان الذي يعلق به من حين خروجه إلى الدنيا وطعن في خاصرته فكانت العقيقة فداء وتخلصًا له من حبس الشيطان له وسجنه في أسره ومنعه له من سعيه في مصالح آخرته التي إليها معاده فكأنه محبوس لذبح الشيطان له بالسكين التي أعدها لأتباعه وأوليائه وأقسم لربه أنه ليستأصلن ذرية آدم إلا قليلًا منهم فهو بالمرصاد للمولود من حين يخرج إلى الدنيا فحين يخرج يبتدره عدوه ويضمه إليه ويحرص على أن يجعله في قبضته وتحت اسره ومن جملة أوليائه وحزبه فهو أحرص شيء على هذا ... فكان المولود بصدد هذا الارتهان فشرع الله سبحانه للوالدين أن يفكا رهانه بذبح يكون فداه فإذا لم يذبح عنه بقي مرتهنًا به فلهذا قال ﵊: (الغلام مرتهن بعقيقته فأريقوا عنه دمًا وأميطوا عنه الأذى) فأمر بإراقة الدم عنه الذي يخلص به من الارتهان، ولو كان الارتهان يتعلق بالأبوين لقال فأريقوا عنكم الدم لتخلص إليكم شفاعة أولادكم. فلما أمرنا بإزالة الأذى الظاهر عنه وإراقة الدم الذي يزيل الأذى

1 / 15

الباطن بارتهانه علم أن ذلك تخليص للمولد من الأذى الباطن والظاهر، والله أعلم بمراده ورسوله. (١)

(١) تحفة المودود ص ٥٧ - ٥٩.

1 / 16

المبحث الرابع الحكمة من مشروعية العقيقة لا شك أن للعقيقة حكمًا وفوائد كثيرة منها: ١. الشكر لله ﷾ على نعمة الولد فإنها من أعظم النعم، والأولاد من زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (١)، وفطر الله الإنسان على السرور والبهجة عند قدوم المولود فكان حريًا بالإنسان أن يشكر الله الخالق الواهب وقد رود في الأثر عن الحسين ﵁ في تهنئة من رزق مولودًا أن يقال له: (بارك الله لك في الموهوب وشكرت الواهب وبلغ أشده ورزقت بره) (٢)، فالعقيقة نوع من أنواع الشكر لله تعالى والتقرب إليه. ٢. فيها فكاك المولود وفديته كما فدى الله سبحانه إسماعيل الذبيح بالكبش وكان أهل الجاهلية يفعلونها ويلطخون رأس المولود بالدم، فأقرها الإسلام ونهى عن تلطيخ رأس المولود بالدم. وأخبر النبي ﷺ أن ما يذبح عن المولود إنما ينبغي أن يكون على سبيل النسك كالأضحية والهدي فقال: (من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل) فجعلها على سبيل الأضحية التي جعلها الله نسكًا وفداء لإسماعيل ﵇. وغير مستبعد في حكمة الله في شرعه وقدره أن يكون سببًا لحسن إثبات الولد ودوام سلامته طول حياته في حفظه من ضرر الشيطان حتى يكون كل عضو منها فداء كل عضو منه. (٣)

(١) الكهف الآية ٤٦. (٢) الأذكار ص ٢٤٦. (٣) تحفة المودود ص ٥٤ - ٥٥.

1 / 17

٣. الإعلان والأخبار بأن هذا الشخص قد رزق مولودًا وسماه كذا فيظهر ذلك بين الناس من الأهل والجيران والأصدقاء فيقدم هؤلاء لتهنئة وحضور عقيقته مما يؤدي إلى زيادة روابط الألفة بين المسلمين. ٤. فيها نوع من أنواع التكافل الاجتماعي في الإسلام حيث أن الذي يعق عن ولده يذبح الذبيحة ويرسل منها للفقراء والأصدقاء والجيران أو يدعوهم إليها ويساهم هذا الأمر في تخفيف معاناة الفقراء والمحتاجين. (١)

(١) انظر أحكام الذبائح ص ١٦٩، تربية الأولاد في الإسلام ١/ ٩٩ - ١٠٠.

1 / 18

المبحث الخامس هل يكره تسمية العقيقة بهذا الاسم؟ ذهب بعض أهل العلم إلى كراهة تسمية العقيقة بهذا الإسم وقالوا الأولى أن تسمى نسيكة أو ذبيحة. (١) احتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (سئل رسول الله ﷺ عن العقيقة فقال: لا أحب العقوق، وكأنه كره الإسم. فقالوا: يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له. قال: من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (٢) وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: حسن صحيح. (٣) وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: وهذا سند حسن. (٤) والحديث رواه البيهقي من طريقين الأول طريق عمرو بن شعيب المذكورة أعلاه، والثانية عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه فذكره ثم قال: [وهذا إذا انضم إلى الأول قويا]. (٥)

(١) فتح الباري ١٢/ ٤، نهاية المحتاج ٨/ ١٣٧، المنتقى ٣/ ١٠١، تحفة المودود ص ٤٢. (٢) انظر نيل الأوطار ٥/ ١٥٢، سنن البيهقي ٩/ ٣٠٠، المستدرك ٤/ ٢٣٨، المجموع ٨/ ٤٢٧ - ٤٢٨. (٣) صحيح سنن النسائي ٣/ ٨٨٤. (٤) الإحسان ١٢/ ١٣٢. (٥) سنن البيهقي ٩/ ٣٠٠.

1 / 19

قال الإمام الباجي: [قوله ﷺ لا أحب العقوق ظاهره كراهية الإسم لما فيه من مشابهة لفظ العقوق وآثر أن يسمى نسكًا]. (١) وقد أجاب التوربشتي عن ذلك بقوله: [هذا الكلام وهو أنه كره الاسم غير سديد إدرج في الحديث من قول بعض الرواة ولا يدري من هو وبالجملة فقد صدر عن ظن يحتمل الخطأ والصواب. والظاهر أنه ها هنا خطأ لأنه ﷺ ذكر العقيقة في عدة أحاديث ولو كان يكره الاسم لعدل عنه إلى غيره، ومن سنته تغيير الإسم إذا كرهه والأوجه أن يقال يحتمل أن السائل ظن أن اشتراك العقيقة مع العقوق في الاشتقاق مما يوهن أمرها فأعلم النبي ﷺ أن الذي كرهه الله تعالى من هذا الباب هو العقوق لا العقيقة]. (٢) وقد ثبت عن النبي ﷺ استعمال اسم العقيقة في أحاديث منها: أ. حديث سمرة ﵁: (كل غلام رهينة بعقيقته ...). ب. وحديث سلمان بن عامر الضبي ﵁: (مع الغلام عقيقته). جـ. وحديث أسماء بنت يزيد ﵂: (العقيقة عن الغلام شاتان ...). د. وحديث أبي هريرة ﵁: (مع الغلام عقيقته ...). (٣) ففي هذه الأحاديث استعمل النبي ﷺ لفظ العقيقة فدل على الإباحة لا على الكراهة وفقهاؤنا يستعملون هذه اللفظة في كتبهم ولا يستعملون لفظة نسيكة). (٤)

(١) المنتقى ٣/ ١٠١. (٢) الفتح الرباني ١٣/ ١١٣. (٣) سبق تخريج هذه الأحاديث. (٤) انظر تحفة المودود ص ٤٢.

1 / 20