وأمسك عصاه بيسراه، وأسند رأسه على كف يمناه، وطفق يخاطبها قائلا: «وأنت أيها القصر الخرب، ألم يقطنك رجل ثري كان يشار إليه بالبنان؟! ولكنه الطمع، عدو الإنسان الأكبر، دفعه إلى طلب المزيد بالمضاربات المالية، فأضاع كل ما كان له من مال وعقار، فما أحمق الناس الذين لا يملأ عيونهم إلا التراب ...»
واتفق حينئذ مرور «إلهة البخت» العمياء، فلما رأته وقفت تعترض طريقه، وقالت له: «أصغ إلى ما سأقوله لك، وتدبره أيها الرجل؛ فقد مضى علي زمن طويل وأنا أحاول الاتصال بك لمساعدتك وتحسين حالك؛ فافتح كشكولك؛ لأني سأصب فيه كل ما تطلبه نفسك من نقود ذهبية، شرط ألا تدع قطعة واحدة منها تسقط من الجراب إلى الأرض؛ لأنها إذا سقطت فكل ما قد يكون فيه من قطع الذهب، سوف يتحول إلى تراب في لحظة واحدة، فاحذر! ولا تنس أن كشكولك قد أنهكه الاستعمال، فلا تحمله أكثر مما يقدر على حمله.»
فما إن سمع منها هذا الشرط «البسيط» حتى أسرع وفتح أمامها كشكوله، فأخذت تصب فيه من ذهبها الوهاج، رويدا رويدا، ما أذهله عن التحذير والنصح الذي أسدته إليه منذ لحظة، فقالت له: ألا ترى أن فيما أغدقته عليك الكفاية؟ - كلا! يا سيدتي، أرجوك ... أيضا ...! أيضا ...! أيضا ... زيدي ... - ولكن ... أريدك أن تذكر أن كشكولك ليس جديدا، ويخشى عليه أن ينشق، إذا حملته فوق طاقته. - لا ...! لا خوف عليه ...! لا تخافي ...! إنه يسع أكثر مما فيه الآن ... أرجوك أن ...! - ولكني أرجوك بدوري ألا يذهلك رنين ذهبي عن حقيقة كشكولك، وعن الشرط الذي ذكرته لك عندما عرضت عليك هبتي ... - فقط ... أرجو أن تكملي جميلك ... بحبة أخرى من ...
وفي تلك اللحظة انشق الكشكول، فسقط ما كان فيه على الأرض، وصار ترابا، واختفت إلهة الحظ تاركة الشحاذ أفقر مما كان؛ وهو يقلب بين يديه كشكوله المشقوق، ويقرع سنه ندما وحسرة ...
الجرو يتحدى فيلا
كان الفيال يقود فيلا هائلا في أكبر طرق المدينة، ورآه جرو صغير، فطفق ينبح حول الفيل ويثب نحوه، كأنه يهاجمه ويستثيره لمنازلته ومصارعته.
فنظر إليه الفيال وانتهره في سخرية، وهو يقول له: أحقا ترغب، يا ضئيل، في مصارعة هذا الفيل؟ فإذا كان الأمر كذلك، فثق أن صوتك سيبح قبل أن يرمقك بنظره، أو يعيرك أقل اهتمام، ونصيحتي لك هي أن ترحم نفسك، وتريح حنجرتك، وتذهب في حال سبيلك.
فقال الجرو الخبيث: هون عليك يا صاح؛ لأني متيقن من صدق ما تقول، ولولا هذا اليقين لما كنت اجترأت على مهاجمة فيلك الجبار تلك المهاجمة التي ستجعل كل من يعلم بها يعجب لشجاعتي ويقول: «انظر إلى هذا الجرو الجريء! حقا إنه بطل صنديد، وداهية شجاع، وإلا لما أقدم على تحدي هذا الفيل.»
النملة1
عاشت في سالف الأزمان نملة، ذكر خبرها مؤرخ نملي عظيم، لا يتطرق أقل شك إلى صدق روايته؛ قال: إنها كانت موهوبة بقوة مدهشة، لم يسبق أن كان لغيرها من بني جنسها مثلها؛ فقد كانت تقوى على رفع حبتين كبيرتين من الشعير عن الأرض، وكذلك كانت لها شهرة ذائعة في الشجاعة والإقدام، حتى إنها إذا ما التقت بدودة هجمت عليها وصرعتها ومزقتها تمزيقا بلا أدنى خوف أو وجل، وقد قيل: إنها كانت لا تخشى بأس العنكبوت.
Bilinmeyen sayfa