Mazini'nin Hadisleri
أحاديث المازني
Türler
وليس هذا الذي أصفه تخيلا فإنه هو الحاصل عندنا مع الأسف.
وأنتقل الآن إلى التمثيل، عذري في الإيجاز، أن المقام لا يتسع للإسهاب والتبسط في الكلام، فأقول إن التمثيل قوامه ثلاثة أمور، الموضوع أولا، ثم الأداء أي الإلقاء وتمثيل الشخصيات ثانيا، ثم المناظر ثالثا. فأما الموضوع. فإن أثر الإذاعة فيه أنها جنحت به إلى الإيجاز والتركيز، لأن هم الإذاعة، كما أسلفت التنويع، فهي لا تستطيع أن تهب وقتها كله لرواية تذاع فلابد من الاكتفاء من الكلام بأقل قدر، دون أن يفسد الموضوع أو يغمض فلا محل للحشو وما يجري مجراه، واللمحات الدالة خير من التبسط الذي يضيع الوقت وهذه هي نزعة العصر الحاضر في كل باب - أعني السرعة والاقتصار على ألزم ما يلزم، ولا أظن أن في هذا خسارة أو جناية على الأدب أو القصة، بل رأيي أن العكس هو الصحيح - أي أن تفصيل الألفاظ على قدود المعاني والعبارة عنها ما يكفي في أدائها بغير زيادة، خير من جهتين الأولى أن هذا اقتصاد محمود وإهمال واجب للثرثرة الفارغة التي لا محصول وراءها، والثانية أن هذا يعود القارئ أو السامع أن يكد ذهنه وينفي عنه الكسل العقلي، فلا يعود يعتمد على أن الكاتب أو القائل يبسط له المعنى أو الموضوع بسطا وافيا شافيا كأنه يشرح درسا لتلميذ جاهل.
وفي الإذاعة يستغنى عن الفترات التي تكون بين الفصول لإعداد المناظر وهذا ينشط خيال السامع ويعوده الوثب والانتقال بسرعة مع فصول الرواية، ولما كانت المناظر لا سبيل إليها إلى الآن، ولن يتيسر عرضها إلا بعد أن يشيع استعمال التلفزيون فإن على السامع أن يتخيل هذه أيضا أو يكتفي بوصفها ويروح هو يصورها لنفسه، وليس السماع كالمعاينة ولكن فضل السماع أنه يستحث الخيال فيقوي هذه الملكة وينميها ومازال أنفع للقارئ أو السامع أن يعمل فكره وأن لا يكون كل عمله أن يقنع بالتلقي دون أن يحتاج إلى جهد يبذله من ذات نفسه فخير الأدب ما دعاك إلى التفكير والتدبير، وأحوجك إلى احتثاث خيالك وخير آيات الفنون على اختلافها من موسيقى وتصوير وغير ذلك ما أيقظ عقلك وحرك نفسك وابتعث رقادك أما ما يتركك كما كنت، جامدا أو مسترخيا متفترا، ولا يشعرك بحاجة إلى تخيل أو تأمل فهذا لا خير فيه ولا عناء له.
وأما الأدب من شعر ونثر فكان عهدنا به أنه ينشر ليقرأ وقلما كان يلقى إلقاء إلا في المحافل أو المناسبات العامة. وفرصة التدبر عند القراءة أوسع وأرحب منها عند السماع، والوزن من أجل ذلك يكون أضبط، والنقد أدق، والتقدير أصح. ومازال الأدباء ينشرون ما يكتبون أو ينظمون فالحال لم تختلف من هذه الجهة، بيد أن الإذاعة جاءت بعاملين جديدين هما الإلقاء ومراعاة الزمن المحدود. فأما الإلقاء فعامل سيء الأثر لأن من يحسنه يسعه أن يعول عليه في التأثير في السامعين فيخدعهم بجودة الإلقاء ويغالطهم في القيمة الحقيقية لما يسمعهم من نثر أو شعر، ومما هو من هذا بسبيل أن الإذاعة ليست للخاصة وحدهم والمثقفين دون غيرهم وأهل العلم والرأي بمجردهم، بل للجمهور الأكبر والسواد الأعظم، وهو خليط من طبقات متفاوتة تفاوتا عظيما ففيها الخاصة والعامة والمتعلمون وأنصاف المتعلمين والأميون وأشباههم والجهلة أو من في حكمهم هم الأكثرون، وقد تكون عناية هؤلاء بالاستماع إلى ما يذاع أعظم من عناية الخاصة إلا إذا كان الموضوع يعنيهم، أو كان المتحدث من ذوي الشهرة أو ممن ترجى الاستفادة منه ومن هنا يميل الأدب المذاع إلى تناول ما هو أقرب إلى الإفهام وأدنى إلى الإدراك وأخلق بأن يكون مرغوبا فيه، مرضيا عنه مقبولا من الجمهور على العموم فلا تعويص ولا عمق، ولا تناول لما يعسر فهمه فالموضوعات سهلة قريبة المنال، وليس بالنادر أن تكون من ذلك الضرب الذي هو أسرع تحريكا للنفوس. واللغة أيضا، الأغلب فيها أن تكون أشبه بلغة الجرائد منها بلغة الأدب. وهذا وحده من شر العوامل وأضرها بالأدب لأن الأدب رسالة وليس بتجارة ومن غاياته رفع النفوس والسمو بها وترحيب آفاقها وتعميق مشاعرها وليس من حقه ولا مما ينفعه أو ينفع الناس أن ينحط إلى مستوى الأواسط أو من هم دونهم أو أن يتوجه إلى الغرائز الساذجة التي لم يصقلها العلم والفهم والعقل.
وأما عامل الوقت فأراه محمود الأثر في الأدب والموسيقى والتمثيل على السواء لأنه كما أسلفت يعود المتحدث والسامعين جميعا الاقتصار على الجوهر والاستغناء عن اللت والعجن ويدرب السامعين على استعمال عقولهم.
على أنه لا خوف على العموم من أن تسيء الإذاعة إلى الأدب وتضر به لأن الأديب المخلص أو الموهوب لا يستطيع أن يخون فنه أو يستخف به وهو لا غنى به عن النشر، لأن ما يذاع يذهب مع الرياح الأربع، أما ما ينشر فيبقى إذا كان فيه ما يؤهله للبقاء. غير أنه يمكن أن يقال من ناحية أخرى أن الإذاعة أجلب للشهرة وانتشار الصيت إلى حيث لا يطمع المرء أن يصل كتبه، والشهرة مع الأسف بلاء وداء عياء، وهي طلبة كل إنسان، وإن أبدى الزهد فيها والعزوف والإعراض عنها ولعل الذي يظهر الصد عنها أطلب لها في قرارة نفسه ممن يبغيها علانية. والإنسان طينه خرع ضعيف، وكم أغرت الرغبة في الشهرة بما تنهي الحكمة ويزجر العقل عنه. وكل ما يمكن أن يطمئننا من هذه الجهة هو أن إخلاص الأديب المطبوع خليق أن يكبحه عن التضحية بأدبه من أجل الشهرة العاجلة. وأقول إخلاص الأديب، لأن الإخلاص شرط جوهري وإلا انقلب فنه صناعة، وحاله تجارة، بل هو شرط أيضا للعالم والسياسي والمصلح. وكل من ينشد الخير للجماعة وما أدري كيف كانت الدنيا خليقة أن تكون لولا إخلاص فئة قليلة من الأدباء والعلماء والحكام والقادة. والإخلاص لا يخلو من تضحية، والتضحية من جانب القلة المخلصة هي التي يسرت للعالم أن يبلغ المرتبة الحاضرة وهي التي ستأخذ بيده، على مراتب أخرى أسمى وأكرم.
1
الفصل الثالث
الأدب والجمهور
كان الأمير أو الوزير أو الثري الغني الوجيه في قومه هو الذي عليه معول الأديب في الزمن الغابر، ينظم فيه شعره ويقصد به إليه، أو يؤلف له أو بأمره الكتب، وكان مقياس النجاح مبلغ ما يظفر به الشاعر أو الكاتب من حظوة ونعمة وقبول عند صاحب السلطان أو المال.
Bilinmeyen sayfa