ودعوة برودون على الخصوص قائمة على لزوم هذه المصالح العامة واستغنائها عن «المتسلطين» الذين يعتمدون على القوة دون غيرها في تغليب مصلحتهم على سائر المصالح الاجتماعية.
وقد ألف كتابه: «ما هي الملكية؟» ليقول إنها هي السرقة، ويقول من ثم إن اغتصاب السارقين للثروة المشتركة يضطرهم إلى اغتصاب آخر لحفظ ما سرقوه في أيديهم وهو اغتصاب «السلطة» واحتكار الشريعة والقانون.
وعند برودون أن اغتصاب الملكية واغتصاب السلطة هما الباعث الأكبر على الجريمة والفساد، فحيث لا اغتصاب لا إجرام ولا فساد ولا حاجة إلى التسلط والمتسلطين.
وهذا الرأي قد بطل عند علماء السياسة وعلماء الاجتماع كما قال الطالب النجيب، لأن الدراسات النفسية والمقارنات الاجتماعية بين المجتمعات الأولى والمجتمعات الحديثة قد عرفت الناس ببواعث الجريمة ولم تحصرها في البواعث الاقتصادية.
ولا تدعو إلى القتل
ومن الشائع على الفوضوية أنها تدعو إلى القتل أو إلى الاغتيال السياسي لتحقيق برنامجها.
وهذا أيضا من الإشاعات التي تصدق على نفر قليل من الفوضويين ولا تصدق على الحركة كلها، وقد بدأ الاغتيال السياسي قبل عصر برودون وعاش بعده ولم يكن موقف الدعاة الكبار منه موقف التأييد والتقرير إلا على سبيل الإغضاء والاضطرار.
والنفر القليل الذي يدين بالاغتيال السياسي بين الفوضويين يطلق على الاغتيال اسم «الدعاية بالفعل» أو الدعاية المثيرة، ويعتقد أن حوادث الاغتيال تنبه الأذهان إلى مقاصد الفوضوية فيتساءل عنها من يجهلها ولا يباليها ويفهمها الناس من طريق هذا التساؤل فيقبلون عليها.
وقد أنكر كروبتكين مبدأ الاغتيال السياسي في مقاله الذي استكتبته إياه دائرة المعارف البريطانية بطبعتها الحادية عشرة. وحاول أن يفسره بقوله إنه من قبيل القصاص ورد الفعل للتنكيل بأصحاب هذه الحركة. وإن المغتالين لا يعتدون على الناس جزافا بغير تفرقة بينهم لمجرد التنبيه ولفت الأنظار. ولكنهم يعتدون على المعتدين ويجزونهم بما فعلوه في حماية السلطة والقانون.
ثم نشأت في روسيا طائفة فوضوية اشتراكية تنادي بمقت الاغتيال وترى أنه من معوقات الدعوة والمنفرات منها. ولكنها لم تكن تشتد في إدانة المغتالين ولم يكن بينها وبين الشيوعيين فارق كبير في الوجهة الأخيرة. فإنما كان الفارق الجوهري بين الفوضوية والشيوعية أن الشيوعية ترضى عن قيام السلطة أثناء فترة الانتقال لقمع العناصر الرجعية، وتمهل هذه السلطة الموقوتة أن تذبل على شجرتها فتسقط بغير جهد من المجتمع لانتهاء الحاجة إليها.
Bilinmeyen sayfa