كلما رأيتها في البوفيه الأحمر، قلت لنفسي: «هذه الفتاة تستحوذ علي كالجوع.» إني أتخيلها تمرح في البيت القديم، تجدد شبابه، تدفئ دماءه؛ أتخيلها وهي تشفيني من عللي المزمنة.
ودأب عم أحمد برجل على تشجيعي كلما انفرد بي. قال لي مرة: حليمة قريبة لي من ناحية أمي ... متعلمة وذكية ... أنا من سعيت عند الهلالي بك لإلحاقها بعملها.
فشجعته بدوري قائلا: بنت ممتازة حقا! - خالتها طيبة، والبنت ذات خلق. - لا شك في ذلك.
ورمقني بابتسامة سكرت بها رغبتي المتحفزة. استسلمت لأنامل ناعمة، لنعاس مهدهد بأحلام اليقظة، وانفسحت أمامي عذوبة الحواس الطاغية. قلت له ذات يوم: يا عم أحمد، إني أرغب بصدق.
أدرك البقية المضمرة من كلامي، وتمتم بانشراح: جميل وحكيم. - لا دخل لي سوى أجري، ولكني أملك المسكن، وهو امتياز لا يستهان به في هذه الأيام. - الرغبة في الستر أهم من الظواهر.
وفي نفس الأسبوع استقبلني قائلا: مبارك يا كرم.
دخلت منطقة الظل الحنون، منطقة الخطوبة الصافية، منطقة شفافة يمتزج في نسيجها الحريري وشي الحلم وعذوبة الواقع. أهدتني كيسا جلديا تصطف في ثغراته وعلاقاته أدوات حلاقة الذقن، فسعدت به في طفولة، وإذا بسرحان الهلالي يرفع أجري جنيهين، مهنئا إياي بحياتي الجديدة، واحتفل بنا رجال المسرح في البوفيه، وشيعونا بالأزهار والحلوى. •••
فيم تفكر المرأة؟ ... يدها المعروقة تعبث بالفشار، ولا ينطوي رأسها على فكرة مريحة واحدة. قضي علينا أن نتبادل الضجر في هذه الزنزانة. القاذورات منتثرة فوق أديم الشارع العتيق، محددة له معالم جديدة تحت دفقات الضوء. هبات الهواء تطير ما خف منها، فيزحم أقدام صبية لا حصر لهم. فيم تفكر المرأة؟ •••
ليلة الدخلة؟ أجل، عند صياح الديكة، وقد جذبتنا الحقيقة نحو بؤرة خانقة، وغابت الأعين فلم يبق إلا التاريخ. انقبض قلبي حيال الحيرة المقتحمة، كدت أتصور أن الوجود قد مات لولا تصاعد النحيب المكتوم، وقال النحيب كل شيء، وتمتمت: لن أسامح نفسي.
حقا؟ ... وتمتمت أيضا: كان يجب أن.
Bilinmeyen sayfa