Aufhebung » الهيجلية؛ لأن ماركس لم يقوم أخطاء هيجل، وإنما بدد أوهامه، وعاد إلى الوراء من الوهم المتبدد إلى الواقع الذي لم يتنبه إليه هيجل؛ أي إلى الأسس العينية للحياة الاجتماعية، كما تتمثل في التاريخ والاقتصادي السياسي والاجتماع. فهو بالاختصار قد اقتحم أرضا جديدة واستمد تفكيره من مصادر مغايرة لتلك التي انطلق منها هيجل.
ولو قارن المرء بين ما قام به هيجل بالنسبة إلى السابقين عليه، وما قام به ماركس بالنسبة إلى هيجل؛ لأدرك الفرق بوضوح؛ فهيجل قد تجاوز بالفعل كلا من اسبينوزا وكانت «وفشته»، ولكن هذا كان تجاوزا ينطبق عليه لفظ
Aufhebung ؛ إذ إنه واصل السير في نفس طريق الفلسفة التأملية النظرية الذي سلكوه، واحتفظ بواحدية اسبينوزا وبالذات الفعالة عند كانت وفشته، مع تجاوزه للنظرة الأحادية الجانب عند كل منهم،
38
أما في حالة علاقة ماركس بهيجل فإن الأمر يختلف؛ إذ إنه اتخذ لنفسه منذ البداية طريقا مختلفا، وتخلى عن الوظيفة التأملية للفكر لكي يربط بينه وبين الممارسة العلمية ربطا أساسيا، وجعل للتفكير مهمة مغايرة لكل من سبقه، هي مهمة تغيير العالم لا مجرد تفسيره؛ أي إنه بدلا من أن يرتفع بتأملات هيجل إلى مستوى أعلى قد فجر مذهبه من أساسه.
على أن هذا لا يعني أن ماركس قد انفصل بفكره عن هيجل من أول عهده بالتأليف. فهناك قدر من الصواب في الرأي القائل: إنه قد بدأ هيجليا. ولكن المهم أن نفرق بين الفترة التي كان فيها ماركس دائرا في فلك «الإشكال الهيجلي
la probématique Hegelinre » وتلك التي أصبح له فيها إطاره الفكري الخاص، الذي يتسم بالانضباط العلمي، وتنطبق عليه المقولات البنائية؛ لذلك يقسم ألتوسير تفكير ماركس إلى مراحل: مرحلة الشباب (1840-1844م)، ومرحلة الانفصال أو الاعتزال
coupure
39 (1845م)، ومرحلة النضج (1845-1857م وما بعدها)؛ ففي المرحلة الأولى التي يمكن تسميتها بالمرحلة الأنثروبولوجية، كان اهتمام ماركس منصبا على الإنسان. وكان متأثرا بفوير باخ عندما جعل هدفه هو أن يحقق للإنسان ماهيته الأصيلة ومتأثرا بهيجل في مصطلحاته وطريقته التأملية في تقديم الحجج وحديثه كفيلسوف تجريدي. أما بعد «الاعتزال» فقد أصبح يعد المرحلة السابقة مرحلة «أيديولوجية»، وأخذ يبحث لنفسه عن مصطلحه الخاص، وازداد اهتماما «بالطابع العلمي» للفكر بدلا من طابعه الأيديولوجي، وأصبح مدار بحثه تحليل بنية النظام الاقتصادي والاجتماعي، بعد أن كان تحقيق ماهية الإنسان.
في هذه المرحلة لم ينفصل ماركس، في الواقع، عن هيجل فحسب. بل إنه انفصل عن التراث الفلسفي السابق كله. وتلك نقطة يؤكدها ألتوسير بقوة؛ إذ إن من أهم القضايا التي يلح عليها في تفسيره الخاص للماركسية، أن تفكير ماركس الناضج كان يتسم بالجدة الكاملة وكان يمثل انقطاعا أساسيا
Bilinmeyen sayfa