وتحمل إلي صاحبة الباب ذات مساء حقيبة ضخمة ومعها هذا الكتاب:
سيدي
أنت تعرفني من غير شك، فكثيرا ما حدثك عني صديقك ... وكثيرا ما حدثني عنك، وقد صورك لي دائما على أنك أحب أصدقائه إليه، وأوفاهم له، وأحفظهم لسره، فأنا أحمل إليك هذه الحقيبة بعد أن احتفظت بها عاما كاملا، لا لأني كنت أنتظر أن يعود صاحبها إلي، فقد أيأسني الأطباء من شفائه، بل لأني كنت أجد الجهد كل الجهد في فراقها، وفي فراق ما يتصل به من الكتب والمتاع، ولكن هذه الأعوام التي نحياها قد علمتنا الإذعان للقضاء والخضوع لما ليس منه بد، فإليك هذه الحقيبة يا سيدي، فإن لصاحبها من أبناء وطنه أهلا وأصدقاء هم أحق مني بما فيها وأجدر أن يفهموه ويقدروه.
وفي بيتي غرفة مغلقة منذ عام فيها كتب كثيرة جدا ومتاع ليس بذي بال، فهذه الغرفة طوع أمرك متى شئت أقبلت فأخذت ما فيها ووجهته حيث أحببت.
ولك يا سيدي تحية ملؤها الحزن الذي ما أظن أنه سينقضي أو تهدأ لوعته قبل زمن طويل.
وقد حفظت هذه الحقيبة بضعة عشر عاما لا أعرف من أمرها إلا أنها مملوءة بالأوراق، فلما أتاح الظالمون لي شيئا من فراغ، نظرت في هذه الأوراق فإذا أدب رائع حزين صريح، لا عهد للغتنا بمثله فيما يكتب أدباؤها المحدثون، وقد هممت بنشره وقدمت بين يديه هذا الكتاب، ولكن هل تسمح ظروف الحياة الأدبية المصرية بإذاعة هذه الآثار يوما ما.
Bilinmeyen sayfa