وتناول جورجي من جيبه ورقا ماليا بقيمة ألف وخمسمائة جنيه، والتحويل الذي أخذه من جميل مرمور، ودفع الكل إلى يوسف.
فلما اطلع يوسف على التحويل رمى به وبالأوراق إلى الأرض، وقال: لا أمس مال السحت.
فعبس جورجي به قائلا: ما زلت حيوانا. - إني لكذلك. - إذن لا تعش بين الناس؛ لأنك لا تقدر أن تعيش بينهم إلا إذا كنت إنسانا، فخذ الأوراق كلها واسمع نصح أبيك، وغدا نبحث بتفاصيل التجارة.
فامتثل يوسف صاغرا كأنه يشعر بقوة تتسلط على عقله، ثم التفت جورجي إلى هيفاء، وقال: إنك تعبة يا ابنتي فقومي إلى سريرك في الغرفة الثانية، ولكني أود أن تنهضي غدا وما أنت هيفاء.
فنظرت فيه مستغربة وقالت: ماذا أكون إذن؟ - تكونين وطفاء ولا يعرفك أحد إلا بهذا الاسم، قومي يا ابنتي إلى سريرك.
فنهضت هيفاء ودخلت إلى الحجرة، فوجدت سريرين واضطجعت في أحدهما.
ثم قال جورجي ليوسف: وأنت تنام في السرير الآخر يا يوسف. - يستحيل أن أنام في غرفة هيفاء. - بل تنام حارسا لأختك، وأنا أنام في هذه الغرفة على المقعد حارسا لكما. - إنك تطلب مني أمرا ينفر منه ضميري. - متى كنت سيئ النية هكذا؟ لا تبرهن لي على أنك أخ هيفاء إلا إذا نمت في غرفتها.
فأفحم يوسف ودخل إلى الغرفة مقدما رجلا ومؤخرا أخرى.
أما هيفاء ففي نصف ساعة كانت تغط في نومها، وأما يوسف فلم يستطع أن ينام؛ لأن الهواجس كانت تلعب في رأسه، ولكنه كان يتحاشى أقل حركة؛ لئلا تصحو هيفاء أو تذعر.
ولما كانت الساعة نحو الثالثة شعر يوسف بحركة خفيفة في الباب، ثم انفتح فرأى شبحا يدخل منه متسرقا، فبقي كامنا في سريره ليرى ماذا يكون من أمره، فرآه يتقدم بكل هدوء حتى صار عند سرير هيفاء، ثم رآه انحنى فوق السرير عند قدميها، فجزع وما رأى نفسه إلا واقفا على الأرض، وأسرع في الحال وقبض على الشبح ودفعه إلى الوراء، فاندفع الشبح معه بكل هدوء إلى أن صار كلاهما خارج الغرفة، حيث تبينه يوسف في الرحبة التي لا يزال المصباح الضئيل مضيئا فيها، فإذا هو جورجي، فقال له: هل من غدر آخر؟ - لماذا تقول هكذا؟ - ماذا كنت فاعلا؟ - كنت أقبل ابنتي؛ لأنها لا تنفر مني وهي نائمة، ألا يحق لي ذلك؟ - ولكنك انحنيت عند قدميها. - نعم؛ لأني لا أستحق أن أقبل وجنتيها، وأخاف أن تلهبها أنفاسي فتصحو مذعورة.
Bilinmeyen sayfa