وبعد انفضاض النقاش عادت إلى ذهني صورة الروائية المعاصرة «مارجريت درابل» وهي تتحدث عن فنها الروائي وأدبها بصفة عامة، وذكرت أن هذه السيدة قالت كلاما يتفق مع كلام الكاتبة الأيرلندية «إدنا أوبريان» مفاده أن استعار الحرب ضد الرجل يضمر عدم الرضا عن الأنوثة والشوق الدفين عند المحاربات إلى أن يصرن رجالا، وهذا ما لا تتمناه «درابل» ولا ترجوه «أوبريان»!
ولقد قلت في آخر النقاش إنني من بلاد تتمتع فيها المرأة بحرية تحسدها عليها الأوروبيات، ومنذ طفولتي وأنا أشهد المرأة تعمل جنبا إلى جانب مع الرجل في الحقل والمدرسة والمصنع ... ولا شك أنه ما زال أمام المرأة شوط طويل حتى تنفض عنها ما باد من تقاليد القهر، ولكن هذا لا يأتي بطريقة «سبيفاك»!
الثبات والتغيير في كيمبريدج
تتصدر قاعة الطعام في كلية ترينتي بجامعة كيمبريدج لوحة كبيرة للملك هنري الثامن مؤسس الكلية، وفوقها عبارة لاتينية ضخمة هي
SEMPER EADEM
أي نفس الحال دائما. وفي موعد العشاء (الوجبة الرئيسية في إنجلترا) في السابعة والنصف يضرب أحد العاملين صنجا يؤذن بدخول الأساتذة (ويسمونهم هنا زملاء الكلية) وهم يلبسون عباءاتهم السوداء الفضفاضة. وبعضهم يناهز التسعين ولا يكاد يستطيع السير. ثم يصطفون حول المائدة المخصصة لهم تحت صورة الملك، والأرضية هناك مرتفعة عن سائر الردهة، ثم يقرأ أحدهم عبارات الشكر باللاتينية، بينما يقف جميع الحاضرين من الطلبة والضيوف حتى ينتهي ويجلس، ثم يبدأ تقديم الطعام.
ومثلما يتكرر هذا يوميا على مدار العام، يحافظ الإنجليز على طقوس أخرى في حياتهم ربما كانت أقل غرابة ولكنها أبعد أثرا؛ فقواعد السلوك عند الإنجليز تكاد تكون مقدسة، والعرف هو الذي يحدد ما ينبغي أن يفعله الإنسان أو يقوله؛ ولذلك فكلمة «عيب» المصرية تقابلها في الإنجليزية عبارة
It’s not done
أو عبارة
It’s not said ؛ ولذلك فكثيرا ما يدهش المتفرج الأجنبي الذي يشهد إحدى المسرحيات حين يجد الجمهور يضج ضاحكا لعبارة ليس فيها ما يضحك إذا ترجمت ترجمة دقيقة، ومبعث الضحك بطبيعة الحال هو أن العبارة أو الكلمة تتضمن خرقا لقواعد السلوك المرعية بدقة متناهية، ورغم انفتاح بريطانيا على أوروبا ثم على العالم منذ بداية السبعينيات - تطبيقا لسياسة الانفتاح التي دعا إليها رئيس الوزراء الأسبق «إدوارد هيث» وأسماها
Bilinmeyen sayfa