هذه قصة فتحية كما حكتها بنفسها، وهي تعبر عن مأساة أكثر من مائة ألف امرأة مصرية، يعانين من هذه المشكلة ذاتها (مجلة روز اليوسف، الصادرة بالقاهرة، 30 أكتوبر 1989).
إن الفقر الناتج عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها معظم البلاد في أفريقيا، ومنها مصر، قد أصاب النساء أكثر مما أصاب الرجال؛ فالرجل تحميه القوانين إلى حد ما، أما المرأة فإن القوانين لا تحميها، بل تعرضها للعذاب والتشرد. لا يزال قانون الأحوال الشخصية في مصر يعطي الزوج الحق المطلق في تطليق زوجته في أي وقت يشاء ويتزوج عليها أربع زوجات، ولا يزال القانون المصري يحرم الأم المصرية من إعطاء جنسيتها المصرية لطفلها. إن أطفال الأم الأجنبية يحظون بالجنسية المصرية؛ لأن أباهم مصري، أما الأم المصرية فهي محرومة من هذا الحق إذا تزوجت رجلا ليس مصريا. وليس في القانون المصري أيضا أي بنود تعاقب الآباء أو الأزواج الذين يسيئون استخدام السلطة المطلقة الممنوحة لهم في الشرع.
إن بعض المسلمين المستنيرين يرون أنه لا بد من تغيير هذه القوانين لتكون عادلة، وتعطي المرأة والأم بعض حقوقها المسلوبة، لكن هؤلاء المستنيرين أقلية للأسف الشديد، والأغلبية من الرجال (والنساء) يرون أن «الله» جعل الرجل مسيطرا على المرأة، وأن أي إصلاح للقوانين الحالية إنما هو عصيان لقانون الله. وقد تزايدت هذه النغمة بعد تصاعد التيارات الدينية السلفية المتطرفة، التي تطالب بعودة المرأة إلى الحجاب والبيت، لتكون خادمة للزوج والأطفال فحسب، وليس لها دور آخر سوى ذلك.
إنها معركة طويلة شاقة، تناضل فيها النساء في بلادنا الأفريقية، فإن هذه الحركات السلفية الدينية أصبحت تنتشر في كافة البلاد في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا. إنها حركة سياسية بالدرجة الأولى، لكنها تعمل تحت غطاء الأديان كلها (الإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو غيرها).
والنساء أول ضحاياها؛ لأن النساء حتى اليوم بلا قوة سياسية تستطيع أن تقف في وجه هذه القوى السياسية الصاعدة، والتي تساندها الحكومات والأحزاب بدرجات متفاوتة، لأغراض ومصالح متباينة.
القاهرة، مارس 1990
موت كاتب كبير
جنازته ممدودة من قبل ميدان التحرير إلى حارة العبيد، رجالات البلد كلهم والنساء، من قمة الهرم إلى السفح، يصعب التمييز من القفا بين الرجل والرجل، كلها محلوقة بالموس أو الماكينة، الأعناق مشدودة داخل الربطة السوداء، الأكتاف والصدور محشوة بالقطن أو القش، الدقون ناعمة بلا شعر أو يتدلى شعرها تقربا لله. ورئيس الحزب، في الصف الأول، يتوسطه الرأس المربع «أبو الهول»، النظارة السوداء والسبحة الصفراء والزبيبة، إلى جواره نائبه، صورة بالكربون إلا القامة الأقل، والحشو الأقل في الكتفين والصدر، يتناقص الحشو من المركز إلى الأطراف، إلى الأعضاء المعينين أو المنتخبين، كلهم يأتون بالتعيين لا فرق، إلا نوع الحشو، طويل التيلة أو قصيره، نظرة العين مقلوبة إلى الداخل أو الخارج.
اللحن الجنائزي يجعل شعور رءوسهم تنتصب، أو جلدة الرأس الملساء بعد أن سقط الشعر، النعش ملفوف في العلم، جسده داخل الكفن يهتز مع اهتزازة النعش، يتنفس الصعداء داخل الصندوق مع تصاعد الروح، الراحة النهائية والامبالاة، اهتزازة النعش أو العرش كلاهما زائل مع ملذات الدنيا.
كنت أتمشى في الصف الأخير مع عمال النظافة، الرجال من القاع، أحمل ملامح أمي، قامتها الطويلة، نظرها البعيد، واسمها سأحمله يوم القيامة، بعد أن تزول الدنيا يزول معها اسم الأب، لا يبقى إلا الصحيح.
Bilinmeyen sayfa