ينْتَفع هَذَا الْقَائِل بمقالته لَا من زِيَادَة جاه وَلَا مَال بل غَايَة مَا استفاده وَنِهَايَة مَا وصل إِلَيْهِ اجْتِمَاع الألسن على ذمَّة واستعظام النَّاس لما صدر مِنْهُ
وَهَكَذَا جرت عَادَة الله فِي عباده فَإِنَّهُ لَا ينَال من أَرَادَ الدُّنْيَا بِالدّينِ إِلَّا وبالا وخسرانا عَاجلا أم آجلا خُصُوصا من كَانَ من الحاملين لحجة الله المأمورين بإبلاغها إِلَى الْعباد فَإِن خَيره فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مربوط بوقوفه على حُدُود الشَّرِيعَة فَإِن زاغ عَنْهَا زاغ عَنهُ وَقد صرح الله سُبْحَانَهُ بِمَا يُفِيد هَذَا فِي غير مَوضِع من كِتَابه الْعَزِيز
فَأَنت أَيهَا الْحَامِل للْعلم لَا تزَال بِخَير مَا دمت قَائِما بِالْحجَّةِ مرشدا إِلَيْهَا ناشرا لَهَا غير مستبدل بهَا عرضا من أَعْرَاض الدُّنْيَا أَو مرضاة من أَهلهَا
الْجِدَال والمراء وَحب الِانْتِصَار والظهور
وَمن جملَة الْأَسْبَاب الَّتِي يتسبب عَنْهَا ترك الْإِنْصَاف وكتم الْحق وغمط الصَّوَاب مَا يَقع بِي أهل الْعلم من الْجِدَال والمراء فَإِن الرجل قد يكون لَهُ بَصِيرَة وَحسن إِدْرَاك وَمَعْرِفَة بِالْحَقِّ ورغوب إِلَيْهِ فيخطئ فِي المناظرة ويحمله الْهوى ومحبة الغلب وَطلب الظُّهُور على التصميم على مقاله وَتَصْحِيح خطأه وتقويم معوجه بالجدال والمراء
وَهَذِه الذريعة الإبليسية والدسيسة الشيطانية قد وَقع بهَا من وَقع فِي مهاوي من التعصبات ومزالق من التعسفات عَظِيمَة الْخطر مخوفة الْعَاقِبَة
وَقد شاهدنا من هَذَا الْجِنْس مَا يقْضى مِنْهُ الْعجب فَإِن بعض من يسْلك هَذَا المسلك قد يُجَاوز ذَلِك إِلَى الْحلف بِالْإِيمَان على حَقِيقَة مَا قَالَه وصواب مَا ذهب إِلَيْهِ وَكَثِيرًا مِنْهُم يعْتَرف بعد أَن تذْهب عَنهُ سُورَة الْغَضَب وتزول عَنهُ نزوة الشَّيْطَان بِأَنَّهُ فعل ذَلِك تعمدا مَعَ علمه بِأَن الَّذِي قَالَه غير صَوَاب
1 / 58