أدب المجالسة وَحمد اللِّسَان وَفضل الْبَيَان وذم العي وَتَعْلِيم الاعراب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
١ - وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَأَصْحَابه أما بعد
فَإِن أول مَا ابتدىء بِهِ كتاب وافتتح بِهِ خطاب حمد الله على جزيل عطائه وشكره بجميل آلائه
ثمَّ الصَّلَاة على خَاتم أنبيائه وعاقب رسله صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَرَحمته وَسَلَامه عَلَيْهِم فِي الْعَالمين
الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لِلْإِسْلَامِ وفضلنا بِهِ على جَمِيع الْأَنَام وَجَعَلنَا من أمة سيدنَا ومولانا مُحَمَّد عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام
1 / 29
بَاب أدب المجالسة وَحقّ الجليس
٢ - قَالَ رَسُول الله ﷺ
الْمجَالِس بالأمانات وَإِنَّمَا يتجالس الرّجلَانِ بأمانة الله ﷿ فَإِذا افْتَرقَا فليستر كل وَاحِد مِنْهُمَا حَدِيث صَاحبه
٣ - وَقَالَ ﷺ
إِذا قَامَ الرجل من مَجْلِسه فَهُوَ أَحَق بِهِ حَتَّى ينْصَرف مَا لم يودع جلساءه بِالسَّلَامِ
٤ - وَقَالَ ﷺ
1 / 30
لَا يحل لأحد أَن يفرق بَين اثْنَيْنِ متجالسين إِلَّا بإذنهما وَلَكِن تَفَسَّحُوا وتوسعوا
٥ - قَالَ عمر بن الْخطاب ﵁
مِمَّا يصفي لَك ود أَخِيك أَن تبدأة بِالسَّلَامِ إِذا لَقيته وَأَن تَدعُوهُ بِأحب الْأَسْمَاء إِلَيْهِ وَأَن توسع لَهُ فِي الْمجْلس
٦ - قَالَ أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ
من أَرَادَ أَن يكثر علمه فليجالس غير عشيرته
1 / 31
٧ - قَالَ ابْن شهَاب
كَانَ رجل يُجَالس رَسُول الله ﷺ وَكَانَ لَا يزَال يتَنَاوَل عَن وَجه رَسُول الله ﷺ الشَّيْء فَكَأَن ذَلِك آذَى رَسُول الله ﷺ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله ﷺ
إِذا نزع أحدكُم من أَخِيه شَيْئا فليره إِيَّاه
٨ - وَحدث الْحسن الْبَصْرِيّ أَن رجلا تنَاول من رَأس عمر بن الْخطاب ﵁ شَيْئا فَتَركه مرَّتَيْنِ ثمَّ تنَاول الثَّالِثَة فَأخذ عمر بِيَدِهِ وَقَالَ أَرِنِي مَا أخذت فَإِذا هُوَ لم يَأْخُذ شَيْئا فَقَالَ انْظُرُوا إِلَى هَذَا قد صنع بِي هَذَا ثَلَاث مَرَّات يريني أَنه يَأْخُذ من رَأْسِي شَيْئا وَلَا يَأْخُذ شَيْئا فَإِذا أَخذ أحدكُم من رَأس أَخِيه شَيْئا فليره إِيَّاه
٩ - قَالَ الْحسن
نَهَاهُم أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن الملق
1 / 32
١٠ - قَالَ ابْن عَبَّاس ﵀
أعز النَّاس عَليّ جليسي الَّذِي يتخطى النَّاس إِلَيّ أما وَالله إِن الذُّبَاب يَقع عَلَيْهِ فشق ذَلِك عَليّ
١١ - وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ من أكْرم النَّاس عَلَيْك
قَالَ جليسي
١٢ - قَالَ مُعَاوِيَة ل عرابة الأوسي
بِأَيّ شَيْء استحققت أَن يَقُول فِيك الشماخ
رَأَيْت عرابة الأوسي يسمو ... إِلَى الْخيرَات مُنْقَطع القرين
إِذا مَا راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة بِالْيَمِينِ
1 / 33
فَقَالَ عرابة هَذَا من غَيْرِي أولى بك وَبِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ عزمت عَلَيْك لتخبرني
فَقَالَ بإكرامي جليسي ومحاماتي عَن صديقي فَقَالَ إِذن استحققت
١٣ - قَالَ عَليّ بن حُسَيْن
مَا جلس إِلَيّ أحد قطّ إِلَّا عرفت لَهُ فَضله حَتَّى يقوم
١٤ - قَالَ عبد الله بن يزِيد
وَطن نَفسك على الجليس السوء فَإِنَّهُ لَا يكَاد يخطئك وَرُوِيَ هَذَا من كَلَام أبي خازم وَالله أعلم
1 / 34
١٥ - قَالَ الْأَحْنَف
لِأَن أدعى من بعد أحب إِلَيّ من أَن أقْصَى عَن قرب
١٦ - وَقَالَ البعيث بن حُرَيْث
وَإِن مَكَاني بالندى وَمَوْضِعِي ... لبا لموْضِع الْأَقْصَى إِذا لم أقرب
وَلست وَإِن قربت يَوْمًا ببائع ... خلاقي وَلَا ديني ابْتِغَاء التحبب
وَقد عده قوم كثير تِجَارَة ... ويمنعني من ذَاك ديني ومنصبي
1 / 35
١٧ - جلس رجل إِلَى الْحسن بن عَليّ فَقَالَ
جَلَست إِلَيْنَا على حِين قيامنا
١٨ - كَانَ يُقَال
إياك وكل جليس لَا تصيب مِنْهُ خيرا
١٩ - وَكَانَ يُقَال
من سره أَن يتعاظم حلمه وينفعه علمه فَلْيقل من مجالسة من كَانَ بَين ظهرانيه
٢٠ - قَالَ ابْن شبْرمَة لِابْنِهِ
يَا بني إياك وَطول المجالسة فَإِن الْأسد إِنَّمَا يجتريء عَلَيْهَا من أدمن النّظر إِلَيْهَا
1 / 36
٢١ - وَهَذَا مَأْخُوذ من قَول أردشير لِابْنِهِ
يَا بني إِن أجرأ النَّاس على السبَاع أَكْثَرهم لَهَا مُعَاينَة
٢٢ - وَقَالَ معَاذ بن جبل إياك وكل جليس لَا يفيدك علما
٢٣ - وَقيل لبَعض الْحُكَمَاء
مَتى يجب على ذِي الْمُرُوءَة إخفاء نَفسه وإظهارها قَالَ
على قدر مَا يرى من نفاق الْمُرُوءَة وكسادها
٢٤ - قَالَ ابْن المعتز
1 / 37
رَأَيْت حَيَاة الْمَرْء ترخص قدره ... وَإِن مَاتَ أغلته المنايا الطوامح
فَمَا يخلق الثَّوْب الْجَدِيد ابتذاله ... كَمَا تخلق الْمَرْء الْعُيُون اللوامح
٢٥ - كَانَ يُقَال
إِذا دخلت على أحد فَسلمت فَقُمْ حَتَّى يُشِير إِلَيْك صَاحب الْمنزل أَن تجْلِس فالقوم أعلم بعورات بُيُوتهم
٢٦ - كَانَ يُقَال
مجَالِس الْكِرَام ومجالس الْأَسْوَاق تلْغي وتلهي
1 / 38
٢٧ - ل كشاجم
جليس لي أَخُو ثِقَة ... كَأَن حَدِيثه خَبره
يَسُرك حسن ظَاهره ... وتحمد مِنْهُ مختبره
وَيسْتر عيب صَاحبه ... وَيسْتر أَنه ستره
1 / 39
بَاب حمد اللِّسَان وَفضل الْبَيَان
٢٨ - قَالَ رَسُول الله ﷺ
إِن الرجل ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ من رضوَان الله مَا يظنّ أَنَّهَا تبلغ مَا بلغت يكْتب الله لَهُ بهَا رضوانه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
٢٩ - قَالَ معَاذ قلت يَا رَسُول الله أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ لَا يزَال لسَانك رطبا من ذكر الله
٣٠ - وَرُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ
أفضل الصَّدَقَة صَدَقَة اللِّسَان تدفع بهَا الكريهة وتحقن بهَا الدَّم
1 / 40
٣١ - قَالَ رَسُول الله ﷺ
أفضل الْجِهَاد كلمة حق عِنْد ذِي سُلْطَان جَائِر
٣٢ - قَالَ أبان بن سليم
كلمة حِكْمَة لَك من أَخِيك خير من مَال يعطيك لِأَن المَال يُطْغِيك والكملة تهديك
٣٣ - وَقَالَ
خير الْكَلَام مَا دلّ على هدى أَو نهى عَن رَدِيء
٣٤ - ذكر عِنْد الْأَحْنَف بن قيس الصمت وَالْكَلَام فَقَالَ قوم الصمت أفضل قَالَ ألأحنف الْكَلَام أفضل لِأَن الصمت لَا يعدو صَاحبه وَالْكَلَام ينْتَفع بِهِ من سَمعه ومذاكرة الرِّجَال تلقيح لعقولها
1 / 41
٣٥ - رُوِيَ عَن البني ﷺ
إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا تكلم بِخَير فغنم أَو سكت فَسلم
٣٦ - وَقَالُوا
الْكَلَام بِالْخَيرِ غنيمَة وَالسُّكُوت سَلامَة وَمن غنم أفضل مِمَّن سلم
٣٧ - قَالَ أَعْرَابِي
من فضل اللِّسَان أَن الله ﷿ أنطقه بتوحيده من بَين سَائِر الْجَوَارِح
٣٨ - وَقَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان
الصمت نوم والنطق يقظه
٣٩ - قَالَ خَالِد بن صَفْوَان
مَا الْإِنْسَان لَوْلَا الْبَيَان إِلَّا صُورَة ممثلة أَو بَهِيمَة مُرْسلَة أَو ضَالَّة
1 / 42
مُهْملَة
٤٠ - وَكَانَ يُقَال ألألسنة خدم الْجَوَارِح
٤١ - قَالَ ربيعَة الرَّأْي
السَّاكِت بَين النَّائِم والأخرس
٤٢ - قَالُوا
الْمَرْء بأصغرية لِسَانه وَقَلبه
٤٣ - وَكَانَ يُقَال
يجد البليغ من ألم السُّكُوت كَمَا يجد العي من ألم الْكَلَام
1 / 43
٤٤ - وَكَانَ يُقَال
عقل الْمَرْء مخبوء تَحت لِسَانه ٤٥ قَالَ حسان بن ثَابت
لساني وسيفي صارمان كِلَاهُمَا ... ويبلغ مَا لَا يبلغ السَّيْف مذودي ٤٦ وَقَالَ الْخَلِيل ﵀
لساني وسيفي صارمان كِلَاهُمَا ... وَمَا السَّيْف أقوى وقْعَة من لسانيا
1 / 44
٤٧ - وَقَالَ ابْن سِيرِين
لَا شَيْء أزين على الرجل من الفصاحة وَالْبَيَان وَلَا شَيْء أزين على الْمَرْأَة من الشَّحْم ٤٨ قَالَ الشَّاعِر
وكائن ترى من معجب لَك صَامت ... زِيَادَته أَو نَقصه فِي التَّكَلُّم
لِسَان الْفَتى نصف وَنصف فُؤَاده ... فَلم يبْق إِلَّا صُورَة اللَّحْم وَالدَّم ٤٩ روى ابْن عمر قَالَ
قدم رجلَانِ من الْمشرق فخطبا فَعجب النَّاس لبيانهما فَقَالَ
1 / 45
رَسُول الله ﷺ
إِن من الْبَيَان لسحرا
فتأولت طائقة هَذَا على الذَّم لِأَنَّهُ مَذْمُوم وَذهب الْأَكْثَر من أهل الْعلم وَجَمَاعَة من أهل الْأَدَب إِلَى أَنه على الْمَدْح لِأَن الله تَعَالَى مدح الْبَيَان وأضافه إِلَى الْقُرْآن وَقد أوضحنا هَذَا فِي كتاب التَّمْهِيد وَالْحَمْد لله ٥٠ وَقد قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لرجل سَأَلَهُ حَاجَة فَأحْسن الْمَسْأَلَة فأعجبه قَوْله فَقَالَ
هَذَا وَالله السحر الْحَلَال ٥١ وَقَالَ عَليّ بن عَبَّاس بن الرُّومِي
وحديثها السحر الْحَلَال لَو أَنَّهَا ... لم تجن قتل الْمُسلم المتحرز
1 / 46
فِي أَبْيَات قد ذكرتها فِي موضعهَا من هَذَا الْكتاب ٥٢ وَقَالَ الْحسن
الرِّجَال ثَلَاثَة رجل بِنَفسِهِ وَرجل بِمَالِه وَرجل بِلِسَانِهِ ٥٣ وَكَانَ يُقَال
فِي اللِّسَان عشر خِصَال محمودة أَدَاة يظْهر بهَا الْبَيَان وشافع تدْرك بِهِ الْحَاجة وواصف تعرف بِهِ الْأَشْيَاء وواعظ يَنْتَهِي بِهِ عَن الْقَبِيح ومعز تسكن بِهِ الأحزان وملاطف تذْهب بِهِ الضغينة وموفق يلهى بِهِ الأسماع
1 / 47
٥٤ - نظر مُعَاوِيَة إِلَى ابْن عَبَّاس فَأتبعهُ ببصره ثمَّ قَالَ متمثلا بقول الشَّاعِر
إِذا قَالَ لميترك مقَالا لقَائِل ... مُصِيب يثن اللِّسَان على هجر
يصرف بالْقَوْل اللِّسَان إِذا انتحى ... وَينظر فِي أعطافه نظر الصَّقْر ٥٥ كَانَ يُقَال
الْجمال فِي اللِّسَان ٥٦ قيل لأعرابي مَا الْجمال
1 / 48