ولو أن أبا نواس كان يعيش في مجتمع مختلط، يرى وجه المرأة ولا يفارقه شخصها في البيت والسوق والمتجر والمصنع والمجلس، لما زاغت بصيرته الجنسية إلى الانحراف الذي وقع فيه؛ لأنه عندما كان يصبو إلى حب، كان لا يجد في خياله غير المرأة، ولكن لأنه حرم المرأة، صار خياله صبيانيا.
إن شبابنا يعانون الكثير، بل الكثير جدا، من التوترات السياسية والاجتماعية والثقافية والحرفية، فلا أقل من أن نخفف عنهم هذه التوترات الجنسية إما بالتيسير لهم في الزواج المبكر، وإما بأي طريق آخر.
وكل شيء يهون في جنب هذه العاهة النفسية التي كان يعانيها أبو نواس واستقطر منها أشعاره، وهي التي نرجو ألا نراها في شبابنا.
إن النقد السديد للأدب هو النقد الاجتماعي؛ أي يجب أن نسأل عن قيمة الأديب: ما هي خدمته للشرف أو للإنسانية؟
وأبو نواس يخلو من الشرف والإنسانية.
غاية الأدب ... الإنسانية وليس الجمال
الرأي القديم، بل العقيدة القديمة، أن هدف الأدب هو الجمال: جمال البيت من الشعر، وجمال القصة، وجمال الجملة، بل كان هذا أيضا هدف الفنون الأخرى، فكان الرسام يعنى بأن يتخيل لنا صورة جميلة للطبيعة أو للمرأة، حتى إنه كان يسرف في التوسل إلى هذا الهدف بأن يزور فيرسم لنا صورة جميلة لملك دميم، كما كان الشاعر يصف الأمير أو الملك بالشجاعة أو الحلم أو العفاف، وهو يدري من أخلاقه نقيض ذلك؛ وذلك لأنه كان يعتقد أنه يجب أن يخرج شيئا جميلا ولو كان مزورا مموها.
كان الأدب يهدف إلى الجمال، وكان الأديب يخلص، أو يزور في هذا الهدف، وكثيرا ما نسمع أن القيم الأدبية خالدة لا تتغير، وأن الجمال من هذه القيم الخالدة، وهذا غرور عند الأدباء لا يقوله السياسي أو الاجتماعي عن نفسه، ولو قاله لما صدقه أحد؛ إذ أين القيم الخالدة في السياسي أو الاجتماعي؟
وكيف يكون خلود في إحدى القيم مع تطور؟ أليس التطور، أي التغير إلى أعلى، هو القانون العام للموجودات أحياء أم غير أحياء؟
لقد دارت هذه الأفكار برأسي وأنا أقرأ كلمة عن الأديب المجري «جورج لوكاتش» ينكر فيها أن الجمال غاية الأدب، وقد جرأني هذا الكاتب على أن أدلي برأي في هذا الموضوع. •••
Bilinmeyen sayfa