هذا الرق لا يزال في قلوبنا نحن أيضا، هو رق التقاليد التي تخنق تطورنا، ورسالة الأديب أن يكافح هذا الرق في النفس المصرية. •••
لقد كتبت هذا الكتاب وجمعت فصوله في مناخ اجتماعي أدبي يرى القارئ بعض تفاصيله في الفصل الأخير، وإني أعمل وأكافح كي يتغير هذا المناخ، وسيتغير، لا بمجهودي أنا وحدي، بل بمجهود هؤلاء الشبان الجدد الذين رأوا النور وتحرروا من استبداد التقاليد وعملوا لتطور الفكر في مصر.
وقد أجزت لنفسي نشر قصة بعنوان «بين الكتمان والبوح»، وهي تمثل موقفا من مواقفي في الأدب يتسق وأبحاث هذا الكتاب.
سلامة موسى
الأدب للشعب
هناك كلمات تجري على ألسنتنا أو أقلامنا تحمل دلالات جديدة لم تكن تعرفها الأمم القديمة، مثل: الشعب، الحرية، المساواة، الشخصية، الديمقراطية، حق الانتخاب، التعليم بالمجان ... إلخ.
ودلالة هذه الكلمات أن «الشعب» قد برز إلى الوجدان السياسي والاجتماعي؛ فقد كان الحكم في الأمم القديمة تتولاه طبقة صغيرة حول الملك أو الإمبراطور، وكان الثراء مقصورا أيضا على طبقة صغيرة، وكان الشأن كذلك في التعليم والثقافة.
ومن هنا أيضا اقتصار الأدب القديم على طبقة خاصة، ثم اشتغال الأديب بشئون هذه الطبقة دون الشعب، لذلك نحن نقرأ كتب الأدب العربي القديم، فلا نجد أية عناية بالصانع أو التاجر أو الزارع أو المرأة؛ لأن كل هؤلاء كانوا أميين لم يتعلموا، ولذلك نجد أن المؤلفين كانوا يعنون بقصص الملوك والأمراء ، وبما يجب عليهم من الواجبات السياسية للرعية، كما نجد آلاف النصائح والوصايا والحكم، من الملك سليمان إلى أردشير إلى الإسكندر إلى معاوية، وجميعها في شأن الحكم والحرب والولاية والجود والعفو، وهذه كلها وأمثالها شئون كانت تهتم بها طبقة صغيرة حاكمة.
أما الشعب، الباعة والتجار والزارعون والخدم والبناءون والنجارون، كل هؤلاء لم يكونوا قد ارتفعوا بعد إلى وجدان الأدباء، فلم يحس هؤلاء بهم.
ولذلك أيضا نجد أن الأدباء القدماء كانوا يكتبون لأدباء مثلهم، ثم تكون مناقشة ما يكتبون في مجالس الأمراء والملوك وأئمة الدين؛ لأن أئمة الدين كانوا من الحاكمين والولاة، وكانت الحكومات كلها دينية.
Bilinmeyen sayfa