لكن لم يمكنني في ذلك الحين اختبار شيء من ذلك وبقيت إلى أن كمل الطحين مع انصداع الفجر ووزن الدقيق فنقص من الوزن الأول نصف ربع واحد فوجهت عن المعلم وعرفته فتجاهل ووقف معي أنه لم يحضر واشتددت في ذلك عليه وعلى الصبي وعند ما ظن مني العزم على الإيقاع وتخيل ذلك منى قال للصبي: هذا أمر لا ينجيني منه إلا أن ترد ما أخذت فقام الصبي وكشف العدل عن حفرتين مملوءتين فأخذ وأوزن فكان نصف الربع الذي نقص.
ولقد حدثني من أثق به أنه رأى بقرية رجلا من أكياس الميارة الذين يبتاعون القمح ويسوقونه على دوابهم ويطحنونه بالأرحى ويجلبونه للبلاد ويعيشون من ذلك وقد وصل للرحى عنده بالقرية ولما رآه الطحان خرج عن الرحى وترك متعلما له هناك وأنزل الجل جله وشرع في الطحن وكان دربا بأمور الرحى ولم يمكن الصبي من شيء من أمورة ولا يحتاج إليه بوجه إلى أن كمل طحنه وضمه في عدله وأعطي للصبي أجر الطحن ورفع حمله على دابته وانصرف لوجهه ولحين ذلك دخل الطحان الرحى وسأل متعلمه عما تحصل له من دقيق المذكور أو قمحه فقال له: والله ما أمكنني من شيء ولا أحتاج إلي في شيء إلى أن كمل شغله ومضى بسبيله فلامه وانبه ثم شد حزامه على دراعته ولبس عليها جبة وأخذ منقاش الرحي وأزال عودة واشتد في إثر الرجل حتى أدركه على قدر ميلين أو ثلاثة وجعل يصيح عليه: قف علي فقد قتلتني بالجري، فوقف الرجل حتى وصل إليه وقال: خرجت عنك وتركت منقاش الرحى في الموضع الذي يقع عليه الدقيق فغرفته في جملة الدقيق فلم تشعر به فقال له الميار: ما هو إلا في الدقيق، وأنزلا معا الحمل بالأرض وفتح العدل الواحد وجعل يدخل يديه فيه ويحفر الدقيق يوهم أنه يبحث على
1 / 24