ويقال: إن من شعره -رحمه الله- في صفة الدنيا:
أحلام نوم أو كظل زائل ... إن اللبيب بمثلها لا يخدع
وكان يقول: ابن آدم! سوطا سوطا، جمعا جمعا في وعاء، ونبذا في وكاء، تركب الذلول، وتلبس اللين، كأن قد قيل: مات وأفضى -والله- إلى الآخرة. إن المؤمن عمل أياما يسيرة، فوالله ما ندم أن قد أصاب من نعيم الدنيا ورخائها، مع استهانته بها، وهضمه لها، وتزوده لآخرته منها، لم تكن الدنيا في نفسه على مقدار، ولا رغب في نعيمها، ولا فرح برخائها، ولا تعاظم في نفسه شيء من بلائها، مع احتسابه الأجر عند الله عز وجل-، مضى راغبا راهبا، فلم يلتمس ثواب الدنيا، ولا عرج على نعيمها، فهنيئا له، أمن الله بذلك روعته، ويسر حسابه، وآمنه عقابه.
وكان يقول: إنما الغدو والرواح وحظ من الدلجة والاستقامة لا يلبثنك أن تقدم على الله وهو راض عنك، فيدخلك الجنة، فتكون من المفلحين.
وكان يقول: أيها الناس! إن الله لا يخدع عن جنته، ولا يعطيها أحدا من عباده بالأماني.
وكان يقول: أيها الناس! عليكم بالزهادة في الدنيا؛ فقد روي أن عيسى -عليه السلام- كان يقول: إدامي الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، واصطلائي في الشتاء الشمس، وسراجي القمر، وراحلتي رجلاي، وفاكهتي ما تنبت الأرض، ويعلم الله أني أبيت ولا شيء لي، وأصبح ولا شيء لي، وأحسب أن ليس على الأرض أغنى مني.
Sayfa 73