Adab al-Khilaf - Yasser Burhami
أدب الخلاف - ياسر برهامي
Türler
وجوب العمل بالبينات والعلم لكل من وصلته
يقول: ومما سبق من الأدلة وكلام أهل العلم يتضح أن الخلاف والتفرق المذموم في الكتاب والسنة المحكوم ببطلانه ورده هو ما خالف الوحي المنزل من عند الله سبحانه، وهو حبل الله، وهو الكتاب العزيز، وهو قد دل على السنة الشريفة- الكتاب دل على السنة- وهي أمر رسول الله ﷺ الذي من أتى بخلافه فهو رد -أي: مردود- وهو العلم والبينات التي آتاها الله أهل الكتاب فتفرقوا عنها فذمهم على ذلك.
إذًا: العلم عبارة عن كتاب وسنة وإجماع أهل العلم، وما خالف -ذلك وخاصة صحابة رسول الله ﷺ، وبالأخص طريقة خلفائه الراشدين المهديين من بعده- كان من أهل البدع المحدثات والضلالات التي أخبر ﷺ أنها في النار.
وأما القياس الجلي فهو ملحق بهذه الثلاث؛ لأن هذه الثلاث دلت عليه، وقد وضح أيضًا من عموم الأدلة السابقة أنها لم تقسم الدين أو الوحي أو الكتاب والسنة والإجماع إلى مسائل أصول وفروع يترتب عليها الأحكام، من أجل ذلك نقول: هذا التقسيم غير صحيح؛ لأنه ينبني عليه المدح والذم، ولو أن هذا التقسيم لا ينبني عليه حكم لا توجد مشكلة، إنما نأخذ بالاصطلاح، وإذا كنت ستقسم بدون بناء أحكام فلا بأس، لكن عندما تبني أحكامًا بالمدح والذم، وتقول: هذا خلاف في الفروع، لا ذم فيه ولا تخطئة، ولا قول بالبطلان ولا تبديع، فلا.
أو لأنه خلاف في الأصول لا بد أن يدخل فيه ذم أو تكفير، كل هذه الأدلة واضحة جدًا، هل الرسول ﵊ فلما قال: (عليكم بسنتي)، فهل نقول: كان يريد في العقائد فقط؟ وربنا لما قال: «مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ»، هل نقول: هذا في المسائل الاعتقادية؟! لا، لكنها بينات جاءت ونصوص إذًا هناك إجماع، وإذا جاء الدليل على ذلك انتهى الأمر.
كل ما جاء في الكتاب والسنة مبينًا لا إشكال فيه، ولا اجتهاد في فهمه، وهو المعني بقولنا: بالتقييد، وكلمة (نص) معناها: ما لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، مبين لا إشكال فيه، وكذلك الإجماع، سواء كانت المسألة أصلية اعتقادية، أو فرعية حكمية فقهية، فالعبرة ببيان الدليل ووضوحه ودرجة وصوله إلى المكلف.
فلو خالف مخالف البينات لأنها لم تأته فهو معذور، لكن الذي جاءته البينات غير معذور.
وتبين أيضًا من عموم تلك الأدلة وإطلاقها استواء المكلفين في هذه المسألة، وهو أنه متى وصل إليه بيان الكتاب أو السنة أو إجماع أهل العلم فهو ليس بمعذور في مخالفته سواء كان عالمًا أو جاهلًا لأن البعض يقول: هذا للعلماء فقط، أما العوام فليس لهم شأن، لا؛ بل هو للذي يصله من هؤلاء أيضًا؛ لأن ربنا ﷾ أطلق الأمر، والرسول ﷺ قال: (عليكم بسنتي) يخاطب كل أمته ﵊، فمن يصله واحد من الثلاثة: كتاب أو نص للنبي ﷺ أو إجماع فهو غير معذور عالمًا كان أو جاهلًا، وإن كان العالم بذلك أشد إلا أن الجاهل إذا وصله شيء من ذلك لم يكن معذورًا في ظن يظنه اجتهادًا، ولا تقليدًا لمن يراه من أهل العلم سائغًا، وإلا لم يذم مبتدع قط على بدعته.
فالمبتدع يرى نفسه على الحق، وأن شيخه هو العالم، لكن لماذا يذم أهل البدع؟ من أجل المسائل التي خالفوا فيها أدلتها وهي بينات واضحات، ومخالفها مذموم بلا شك عالمًا كان أو جاهلًا.
يقول: لأنهم جميعًا أهل جهل، وهم يظنون أنفسهم على الحق، أو متبعين لرءوسهم الذين يحسبون أنهم أهل العلم والدين.
أي: غير معذور وإنما يأثم، وقد تصل الدرجة للتكفير، كل على حسب الوضوح والعلم المعلوم من الدين بالضرورة.
يقول: فلماذا كان الذم لأهل البدع ولمن تبعهم، وحقهم العقاب في الدنيا والآخرة؟ لأن الرسول ﷺ أمر بقتال الخوارج، وهم يظنون أنفسهم مجاهدين في سبيل الله، يقاتلون الكفرة، ومن هؤلاء الكفرة عندهم؟ علي بن أبي طالب ومعاوية وكل من خالفهم يكون كافرًا، وتجد خطب نجدة الحروري وأشعار هؤلاء الخوارج تصرح بقتال الصحابة ﵃ واستباحة دمائهم.
إذًا: هؤلاء استحقوا العقاب في الدنيا والآخرة، والرسول قال عنهم (كلاب أهل النار).
إذًا: لو كان كل واحد يظن نفسه متبعًا لعالم وهو ضال ومعرض عن البينات التي وصلته ومتبع للهوى بغيًا وحبًا للرئاسة، لو كان كل هؤلاء معذورين فماذا نصنع بالأدلة؟ إذًا: الرافضة والخوارج والقدرية وغيرهم كيف نعاملهم في ظل حديث: (إذا مرضوا فلا تعودوهم، وإذا ماتوا فلا تتبعوهم)، والقدرية النفاة قال ابن عمر عنهم: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني؛ لأنهم ينفون العلم ونحو ذلك، وغيرهم من رءوس البدع وأتباعهم، وما ذلك الذنب إلا لتقصيرهم فيما يلزمهم بعد بروز الحق لهم.
5 / 6