93

Dünya ve Din Adabı

أدب الدنيا والدين

Yayıncı

دار مكتبة الحياة

Baskı Numarası

الأولى

Yayın Yılı

1407 AH

Yayın Yeri

بيروت

Türler

Tasavvuf
يُعَظَّمُ فِي الدُّنْيَا بِفَضْلِ صَلَاحِهِ ... وَيُحْفَظُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْأَهْلِ وَالْوَلَدْ
وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ لِأَبِي بَكْرٍ الْخُوَارِزْمِيِّ:
لَا تَصْحَبْ الْكَسْلَانَ فِي حَالَاتِهِ ... كَمْ صَالِحٍ بِفَسَادِ آخَرَ يَفْسُدُ
عَدْوَى الْبَلِيدِ إلَى الْجَلِيدِ سَرِيعَةٌ ... وَالْجَمْرُ يُوضَعُ فِي الرُّمَاعِ فَيَخْمُدُ
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَفْعَلَ الزِّيَادَةَ ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ الْتِمَاسًا لِثَوَابِهَا وَرَغْبَةً فِي الزُّلْفَةِ بِهَا. فَهَذَا مِنْ نَتَائِجِ النَّفْسِ الزَّاكِيَةِ، وَدَوَاعِي الرَّغْبَةِ الْوَافِيَةِ، الدَّالَيْنِ عَلَى خُلُوصِ الدِّينِ، وَصِحَّةِ الْيَقِينِ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ أَحْوَالِ الْعَامِلِينَ، وَأَعْلَى مَنَازِلِ الْعَابِدِينَ. وَقَدْ قِيلَ: النَّاسُ فِي الْخَيْرِ أَرْبَعَةٌ: مِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُهُ ابْتِدَاءً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُهُ اقْتِدَاءً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْرُكُهُ اسْتِحْسَانًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْرُكُهُ حِرْمَانًا. فَمَنْ فَعَلَهُ ابْتِدَاءً فَهُوَ كَرِيمٌ، وَمَنْ فَعَلَهُ اقْتِدَاءً فَهُوَ حَكِيمٌ، وَمَنْ تَرَكَهُ اسْتِحْسَانًا فَهُوَ رَدِيءٌ، وَمَنْ تَرَكَهُ حِرْمَانًا فَهُوَ شَقِيٌّ. ثُمَّ لِمَا يَفْعَلُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ حَالَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُقْتَصِدًا فِيهَا، وَقَادِرًا عَلَى الدَّوَامِ عَلَيْهَا. فَهِيَ أَفْضَلُ الْحَالَتَيْنِ، وَأَعْلَى الْمَنْزِلَتَيْنِ. عَلَيْهَا انْقَرَضَ أَخْيَارُ السَّلَفِ، وَتَتَبَّعَهُمْ فِيهَا فُضَلَاءُ الْخَلَفِ. وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ ﵂ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ افْعَلُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ مِنْ الثَّوَابِ حَتَّى تَمَلُّوا مِنْ الْعَمَلِ، وَخَيْرُ الْأَعْمَالِ مَا دِيمَ عَلَيْهِ» .
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: الْقَصْدُ وَالدَّوَامُ وَأَنْتَ السَّابِقُ الْجَوَادُ. وَلِأَنَّ مَنْ كَانَ صَحِيحَ الرَّغْبَةِ فِي ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسَرَّةٌ إلَّا فِي طَاعَتِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: قُلْت لِرَاهِبٍ: مَتَى عِيدُكُمْ؟ قَالَ: كُلُّ يَوْمٍ لَا أَعْصِي اللَّهَ فِيهِ فَهُوَ يَوْمُ عِيدٍ. اُنْظُرْ إلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَقَاصِدِ الطَّاعَةِ مَا أَبْلَغَهُ فِي حُبِّ الطَّاعَةِ، وَأَحَثَّهُ عَلَى بَذْلِ الِاسْتِطَاعَةِ. وَخَرَجَ بَعْضُ الزُّهَّادِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي هَيْئَةٍ رَثَّةٍ فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تَخْرُجُ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ النَّاسُ مُتَزَيِّنُونَ؟ فَقَالَ: مَا يُتَزَيَّنُ لِلَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ طَاعَتِهِ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْهَا اسْتِكْثَارَ مَنْ لَا يَنْهَضُ بِدَوَامِهَا، وَلَا

1 / 107