Dünya ve Din Adabı

El-Maverdi d. 450 AH
134

Dünya ve Din Adabı

أدب الدنيا والدين

Yayıncı

دار مكتبة الحياة

Baskı Numarası

الأولى

Yayın Yılı

1407 AH

Yayın Yeri

بيروت

Türler

Tasavvuf
وَحَمِيَّةَ الْقَرَابَةِ يَبْعَثَانِ عَلَى التَّنَاصُرِ وَالْأُلْفَةِ، وَيَمْنَعَانِ مِنْ التَّخَاذُلِ وَالْفُرْقَةِ، أَنَفَةً مِنْ اسْتِعْلَاءِ الْأَبَاعِدِ عَلَى الْأَقَارِبِ، وَتَوَقِّيًا مِنْ تَسَلُّطِ الْغُرَبَاءِ الْأَجَانِبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الرَّحِمَ إذَا تَمَاسَّتْ تَعَاطَفَتْ» . وَلِذَلِكَ حَفِظَتْ الْعَرَبُ أَنْسَابَهَا لَمَّا امْتَنَعَتْ عَنْ سُلْطَانٍ يَقْهَرُهَا وَيَكُفُّ الْأَذَى عَنْهَا لِتَكُونَ بِهِ مُتَظَافِرَةً عَلَى مَنْ نَاوَأَهَا، مُتَنَاصِرَةً عَلَى مَنْ شَاقَّهَا وَعَادَاهَا، حَتَّى بَلَغَتْ بِأُلْفَةِ الْأَنْسَابِ تَنَاصُرَهَا عَلَى الْقَوِيِّ الْأَيِّدِ وَتَحَكَّمَتْ بِهِ تَحَكُّمَ الْمُتَسَلِّطِ الْمُتَشَطِّطِ. وَقَدْ أَعْذَرَ نَبِيُّ اللَّهِ لُوطٌ ﵇ نَفْسَهُ حِينَ عَدِمَ عَشِيرَةً تَنْصُرُهُ، فَقَالَ لِمَنْ بُعِثَ إلَيْهِمْ: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] . يَعْنِي عَشِيرَةً مَانِعَةً. وَرَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» . يَعْنِي اللَّهَ ﷿. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَعْدِهِ نَبِيًّا إلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ» . وَقَالَ وَهْبٌ: لَقَدْ وَرَدَتْ الرُّسُلُ عَلَى لُوطٍ وَقَالُوا: إنَّ رُكْنَك لَشَدِيدٌ. وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، «أَنَّهُ كَانَ لَا يَتْرُكُ الْمَرْءَ مُفْرَجًا حَتَّى يَضُمَّهُ إلَى قَبِيلَةٍ يَكُونُ فِيهَا» . قَالَ الرِّيَاشِيُّ: الْمُفْرَجُ الَّذِي لَا يَنْتَمِي إلَى قَبِيلَةٍ يَكُونُ مِنْهَا. وَكُلُّ ذَلِكَ حَثٌّ مِنْهُ ﷺ عَلَى الْأُلْفَةِ وَكَفٌّ عَنْ الْفُرْقَةِ. وَلِذَلِكَ قَالَ ﷺ: «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» . وَإِذَا كَانَ النَّسَبُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ مِنْ الْأُلْفَةِ فَقَدْ تَعْرِضُ لَهُ عَوَارِضُ تَمْنَعُ مِنْهَا، وَتَبْعَثُ عَلَى الْفُرْقَةِ الْمُنَافِيَةِ لَهَا. فَإِذَنْ قَدْ لَزِمَ أَنْ نَصِفَ حَالَ الْأَنْسَابِ، وَمَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ الْأَسْبَابِ. فَجُمْلَةُ الْأَنْسَابِ أَنَّهَا تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ وَالِدُونَ، وَقِسْمٌ مَوْلُودُونَ، وَقِسْمٌ مُنَاسِبُونَ. وَلِكُلِّ قِسْمٍ مِنْهُمْ مَنْزِلَةٌ مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَعَارِضٌ يَطْرَأُ فَيَبْعَثُ عَلَى الْعُقُوقِ وَالْقَطِيعَةِ. فَأَمَّا الْوَالِدُونَ فَهُمْ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ. وَهُمْ مَوْسُومُونَ مَعَ سَلَامَةِ أَحْوَالِهِمْ بِخُلُقَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَازِمٌ بِالطَّبْعِ، وَالثَّانِي حَادِثٌ بِاكْتِسَابٍ. فَأَمَّا مَا كَانَ لَازِمًا بِالطَّبْعِ فَهُوَ الْحَذَرُ وَالْإِشْفَاقُ. وَذَلِكَ لَا يَنْتَقِلُ

1 / 149