وكتب في هذا الموضوع، وخاصة في العصر الحديث الذي كثرت فيه المؤلفات والدراسات في هذا الباب.
وهناك أمر آخر يتميز به الكتاب، وهو أن المؤلف بحث فيه كثيرًا من المسائل الفقهية الشائكة من أبواب مختلفة، وخاصة في المعاملات، تدل على نظر ثاقب وفكر صائب اجتهد فيها واعتمد على روح الشريعة الإسلامية وعلى حكمتها العادلة، فقال في بعض المسائل أقوالًا لم يقل بها إلّا هو وشيخه، وتوسّع في مسائل أخرى توسُّعًا يدلُّ على مرونة الشريعة وعلى مناسبتها للتطور والمدنية، فوصل بالنتيجة إلى تحليلات ونظريات شبيهة بالنظريات القانونية العصرية. ولا مجال هنا لإيضاح نظرياته وآرائه الفقهية، ونواحي التجديد فيها، والنهج العلمي الذي اتبعه، فهذا يحتاج إلى دراسة مستقلة. ومن أهم هذه المسائل (^١): اعتماد القصد في التصرفات، وحرية التعاقد، ومنع الحيل في الأحكام، وإحياء أعمال الفضولي المحسن، والمحافظة على حقوق الغرماء، والتوسع في أصول البينات، وغيرها من المبادئ التي اعتبر المقاصد فيها أساسًا للحكم في تصرفات الناس ومعاملاتهم.
ومن أهم مباحث الكتاب مبحث التقليد، وهو مبحث قائم برأسه، ولعله كان كتابًا مفردًا كما أشار إليه في بعض مؤلفاته، ثم أدرجه في هذا الكتاب. وقد سبق إلى الكلام في هذا الموضوع ابن عبد البر في «جامع بيان العلم
_________
(^١) عرض الأستاذ صبحي المحمصاني آراء ابن القيم في هذه المسائل في بحث له نشر في مجلة المجمع العلمي العربي مج ٢٣ (١٩٤٨) ٣٦٣ - ٣٨١ بعنوان: «ابن قيم الجوزية ونواحي التجديد في اجتهاده».
المقدمة / 58