ولما كان المقصود عند المؤلف الدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة، والتحرر من قيود التقليد الأعمى، نراه إذا بحث مسألة يدعم رأيه بالإكثار من الاستشهاد بأقوال الصحابة والتابعين، والإفاضة في النقل عن الأئمة المجتهدين، ليبرز منهجهم في المسألة. والكتاب مليء بالنقل عنهم في مسائل كثيرة، منها أقوالهم في ذمّ الرأي والقياس، وكراهيتهم التسرُّع في الفتيا، وتحريمهم الإفتاء في دين الله بغير علم، وكلامهم في أدوات الفتيا وشروطها ومن ينبغي له أن يفتي، وغير ذلك من الموضوعات التي استشهد فيها بآثار السلف وأورد فيها أقوال الأئمة، ودعا إلى احترامهم وتقديرهم ومعرفة حقوقهم ومراتبهم وعدم تنقُّصهم والوقيعة فيهم. ومما قاله بهذا الصدد: «ولابدّ من أمرين أحدهما أعظم من الآخر، وهو النصيحة لله ورسوله وكتابه ودينه، وتنزيهه عن الأقوال الباطلة المناقضة لما بعث الله به رسوله من الهدى والبينات، التي هي خلاف الحكمة والمصلحة والرحمة والعدل، وبيان نفيها عن الدين وإخراجها منه، وإن أدخلها فيه من أدخلها بنوعِ تأويل. والثاني: معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم وحقوقهم ومراتبهم، وأن فضلهم وعلمهم ونصحهم لله ورسوله لا يوجب قبول كلّ ما قالوه. وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم ما جاء به الرسول، فقالوا بمبلغ علمهم، والحق في خلافها= لا يوجب اطّراح أقوالهم جملةً وتنقُّصهم والوقيعة فيهم، فهذان طرفان جائران عن القصد، وقصد السبيل بينهما، فلا يؤثم ولا يعصم» (٤/ ٢٢٣، ٢٢٤).
وبرَّأ الأئمة عامةً ــ والشافعيَّ خاصةً ــ مما نُسِب إليهم من القول بالحيل، فقال: «والمتأخرون أحدثوا حيلًا لم يصحّ القول بها عن أحد من الأئمة، ونسبوها إلى الأئمة وهم مخطئون في نسبتها إليهم، ولهم مع الأئمة
المقدمة / 51