بمآخذ المذاهب ومداركها، وقواعدها وأصولها جمعًا وفرقًا» (^١).
ومن المسائل الفقهية التي أفاض فيها: طواف الحائض بالبيت، واليمين بالطلاق والشك فيه، والاستثناء في الطلاق، وحكم الطلاق الثلاث، ومسألة التحليل، والحيل وأنواعها. ونلاحظ أنه عند مناقشته لهذه المسائل وغيرها من القضايا التي تحتمل عدة وجوه، لا يرتجل فيها القول ولا يطلق فيها الحكم، ولا يقف عند ظواهرها، بل يغوص في مداركها بنظره الثاقب، فيستخرج جميع الوجوه والاحتمالات، ثم يعطي لكل احتمال حكمه الشرعي. وقد حذَّر المفتي من إطلاق الجواب دون تفصيل، فقال: «ليس للمفتي أن يطلق الجواب في مسألة فيها تفصيل إلّا إذا علم أن السائل إنما سأل عن أحد تلك الأنواع، بل إذا كانت المسألة تحتاج إلى التفصيل استفصله». ثم ذكر شواهد على ذلك من السنة النبوية (٥/ ٥٧).
ومما نلاحظه في الكتاب أن المؤلف التزم بالعدل والإنصاف مع خصومه، ولم يكن يتحيّز إلى طائفة أو مذهب معين، وإنما يدور مع الدليل حيثما دار، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما قاله في مبحث القياس بعد أن ذكر أدلة الفريقين المثبتين والنافين: «الآن حمي الوطيس، وحميت أنوف أنصار الله ورسوله لنصر دينه وما بعث به رسوله، وآن لحزب الله أن لا تأخذهم في الله لومة لائم، وأن لا يتحيزوا إلى فئة معينة، وأن ينصروا الله ورسوله بكل قولٍ حق قاله من قاله، ولا يكونوا من الذين يقبلون ما قاله طائفتهم وفريقهم كائنًا من كان، ويردُّون ما قاله منازعوهم وغير طائفتهم كائنًا من كان. فهذه طريقة أهل العصبية وحمية الجاهلية، ولعمر الله إن صاحب هذه الطريقة لمضمون له الذم
_________
(^١) «القواعد الفقهية» لعبد المجيد الجزائري (ص ٩٥).
المقدمة / 48