فصل " في الكلام في التوحيد " طريق العلم بإثبات الصانع - سبحانه - أن يعلم الناظر: أن هاهنا حوادث يستحيل حدوثها عن غير محدث.
وجهة ذلك: أن يعلم نفسه وغيره من الأجسام، متحركا ساكنا، ثم مجتمعا مفترقا، أوضحه ذلك.
فيعلم بتغاير هذه الصفات على الأجسام، أنها أعيان لها، لأنها لو كانت صفات لذواتها، لم يجز تغيرها.
ويعلم بتجددها عن عدم، وبطلانها عن وجود، أنها محدثة، لاستحالة الانتقال عليها، من حيث لم تقم بأنفسها، والكمون المعقول راجع له إلى الانتقال.
فإذا علم استحالة ذلك على هذه الصفات، علم أن المتجدد منها إنما يجدد عن عدم، وهذه حقيقة المحدث والمنتفي، وأن ما انتفى عن الوجود والعدم يستحيل على القديم لوجوب وجوده، وما ليس بقديم محدث.
فإذا علم حدوث هذه المعاني المغايرة للجسم، وعلم أنه لا بد في الوجود من مكان يختصه مجاورا لغيره أو مباينا، وقتا واحدا أو وقتين، لابثا فيه أو منتقلا عنه - وقد تقدم له العلم: أنه إنما كان كذلك لمعان غيره محدثة علم أنه محدث، لأنه لو كان قديما لوجب أن يكون سابقا للحوادث بما لا نهاية له.
فإذا علم أنه لا ينفك من الحوادث، علم كونه محدثا، لعلمه ضرورة بحدوث ما لم يسبق المحدث، ولأنه إذا فكر في نفسه - وغيرها - فوجدها كانت نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم جنينا، ثم حيا، ثم طفلا، ثم يافعا، ثم صبيا، ثم غلاما، ثم بالغا، ثم شابا قويا، ثم شيخا ضعيفا، ثم ميتا.
وأنه لم يكن كذلك إلا بتجدد معان فيه: حرارات، وبرودات، ورطوبات، ويبوسات، وطعوم، وألوان، وأرابيح مخصوصة، وقدر، وعلوم، وحياة.
وعلم بطلان كل صفة من هذه الأغيار بعد وجود، وتجددها عن عدم، والجواهر التي تركب منها الجسم باقية، علم أنها صفات مغايرة لها وأنها محدثة، لاستحالة الكون
Sayfa 46