Sayılar ve İnsan Yapısı: Sayım ve İnsan Medeniyetlerinin Yolu
الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية
Türler
مثلما أن مصطلحات الألوان تحدد أجزاء معينة من الطيف الضوئي وتجسدها، فإن الكلمات وغيرها من رموز الأعداد تولد في حياتنا الذهنية أنواعا معينة من الكميات؛ إذ يتضح أن البشر لا «يرون» الفروق بين معظم الكميات بدون الأعداد. وفي غياب الأعداد لن نختلف في رؤيتنا لكميات الأشياء التي نراها في البيئات الطبيعية عن غيرنا من الأنواع العديدة. فلولا قدرتنا على ابتكار الأعداد واستخدامها، ما امتلكنا الأدوات اللازمة للإبحار تجاه هدف واتجاه محدد، في بحر الكميات المحيط بنا.
قد يبدو الطرح القائل بأن الأعداد اختراع بشري، أمرا غريبا؛ فبالرغم من كل شيء قد يقول البعض: إن وجود بعض الأعداد المتوقعة في الطبيعة، مثل ثمانية (أرجل الأخطبوط) وأربعة (الفصول) وتسعة وعشرين (أيام الدورة القمرية) وما إلى ذلك، كان سيظل قائما بصرف النظر عن وجود البشر على الإطلاق من عدمه. بالرغم من ذلك، فحقيقة الأمر على وجه الدقة هو أن هذه «الكميات» تحدث في الطبيعة بانتظام وحسب، ويمكننا القول إن الكميات والتناظر بين الكميات، يوجد منفصلا عن الخبرة الذهنية البشرية، فسوف تظل أرجل الأخطبوط على الهيئة التي توجد بها في مجموعات منتظمة، حتى وإن لم نكن قادرين على إدراك هذا الانتظام. أما «الأعداد» فهي الكلمات والتمثيلات الرمزية الأخرى التي نستخدمها للتمييز بين الكميات.
12
ومثلما أن مصطلحات الألوان تخلق بينها حدودا ذهنية أوضح على الأجزاء المتجاورة على طيف الضوء المرئي، فإن الأعداد تخلق حدودا إدراكية بين الكميات، وقد تعكس هذه الحدود فرقا حقيقيا بين الكميات في العالم المادي، غير أن العقل البشري لا يتمكن عادة من إدراك هذه الفروق بدون الأعداد.
غالبا ما كانت كلمات الأعداد التي تمثل الكميات، ترى على أنها تسميات ملائمة لأفكار يزود بها البشر فطريا، أو يتعلمونها تلقائيا خلال مراحل نموهم الحيوي. وعلى العكس من ذلك، تشير الأعمال الحديثة إلى أن الأعداد ليست مجرد تسميات فحسب؛ فكما ذكرت عالمة اللغة واختصاصية الأعداد هايكا فيسا ملحوظتها الثاقبة: «تمدنا اللغة بأمثلة على الأعداد، هي الكلمات التي يمكن أن نستخدمها مثلما نستخدم الأعداد، لا كمحض أسماء نستخدمها للإشارة للأعداد والتفكير بشأنها.»
13
إن معظم الكميات المحددة لا توجد في عقولنا في غياب الأعداد. ربما يكون هذا الزعم مفاجئا للبعض، غير أنه مدعوم بالعديد من الأدلة التجريبية، أما الزعم بأن الأعداد هي محض أسماء لأفكار موجودة مسبقا، فهو زعم لا تؤيده أدلة كافية؛ لقد اتضح أن البشر، كالحيوانات الأخرى، لا يستطيعون دوما أن يميزوا بين الكميات المحددة فيما يتجاوز الثلاثة بدون وجود الأعداد. أما فيما يتجاوز الثلاثة، فلا يمكننا سوى تقدير كمية الأشياء التي يستقبلها إدراكنا، إذا لم نكن نعرف الأعداد. ويؤيد هذا الاستنتاج دراسات تجريبية حديثة أجراها العديد من الباحثين (بمن فيهم أنا) على الأفراد الذين لا يعرفون أي أعداد، وتؤيده أيضا الأبحاث التي أجريت على الأطفال الرضع وغيرهم من الأطفال الذين لم يتعلموا الأعداد بعد. سوف نناقش هذه النتائج بالتفصيل في الجزء الثاني، ومثلما سنرى فإننا لا يمكننا تفكيك المعوقات الفطرية التي تمنعنا من تمييز الكميات إلا من خلال أدوات الأعداد.
بالرغم من ذلك، علينا أن نقر بأن هذا التفسير يطرح لنا مفارقة، وهي: إذا كان البشر لا يستطيعون أن يفكروا في الكميات بدقة إلا من خلال الأعداد، فكيف توصلوا إلى اختراع الأعداد في المقام الأول؟ والنقطة الأولى التي سنوضحها في الإجابة عن ذلك السؤال هي أن هذه المفارقة تنطبق على جميع الاختراعات البشرية، في بعض الجوانب على الأقل. فلكي يحدث أي اختراع، لا بد للبشر أولا أن يدركوا مفهوما لا يدركونه عادة وبتلقائية. إن الاختراعات ليست متأصلة في شفرتنا الوراثية، بل نصنعها من سلسلة من الأفكار التي ندركها، وغالبا ما تكون أفكارا بسيطة. إننا لم نفطر على التفكير في أشياء كنقاط الارتكاز أو المسامير اللولبية أو العجلات أو المطارق أو غيرها من الأدوات الميكانيكية الأساسية، غير أننا قد طورنا جميع هذه الأدوات عبر مجموعة كبيرة مختلفة من الأفكار. فلنتأمل العجلة على سبيل المثال، هذه الأداة البسيطة العملية؛ إننا نجد أنه يكاد يكون من المستحيل «ألا» يخترع البشر هذه الأداة ، نظرا إلى وعينا بدحرجة الأشياء الدائرية في بيئاتنا الطبيعية. بالرغم من ذلك، فالعجلة ومحور الدوران من الاختراعات الحديثة نسبيا، والتي لم توجد في العديد من الثقافات السابقة (ومنها بعض المجتمعات الكبيرة مثل الإنكا)؛ ولهذا، بالرغم من بساطتها وسهولة إدراك مفهومها، لا يمتلك البشر مفهوما «فطريا» للعجلة. وبالمثل فإن أداة لفظية كالكلمة «سبعة»، تبدو أمرا مسلما به للغاية حين نعرفها، وبالرغم من ذلك فإن بعض الأفراد لا يعرفون الكمية المحددة التي تشير إليها. ومثلما أنهم قد يكونون لا يعرفون العجلات، لكنهم يفهمون فائدتها بسرعة حين يرون عجلة فعلية، فإنهم لا يتعلمون مفهوم وجود سبعة أشياء بالتحديد إلا حين يتعلمون الكلمة التي تمثل ذلك المفهوم؛ ولهذا السبب البسيط فإن مفردات الأعداد لا تيسر العمليات الحسابية المعقدة فحسب، بل تيسر أيضا مجرد التفريق بين الكميات التي تزيد عن ثلاثة، وتمييزها. (وسنناقش الأدلة التجريبية على هذا الاستنتاج في الجزء الثاني.)
بالرغم من ذلك، فربما قد لاحظت أنني لم أحل المفارقة تماما، وإذا أعدنا صياغتها بطريقة مختلفة يمكننا أن نطرح السؤال التالي: كيف تمكن أفراد لا يمتلكون أعدادا من إدراك أن مثل هذه الكلمات يمكن أن تعبر عن الكميات، إذا كانت الأعداد ضرورية لإدراك الكميات المحددة؟ يمكنك أن تعتبر ما يلي بمثابة تعهد على ذكر تفسير أكثر تفصيلا في الجزء الثالث من هذا الكتاب: فلتتخيل أن بعض الأفراد من نوعنا قد أدركوا في نقاط زمنية مختلفة، أنه يمكن أن يمتد معنى كلمة موجودة بالفعل، ليمثل كمية محددة أكبر من ثلاثة. (فأدركوا مثلا أن كلمة «يد» يمكن أن تشير إلى العدد خمسة، وليس الطرف المادي فحسب.) إن هذه الفكرة البسيطة هي صميم اختراع الأعداد، غير أن أفراد نوعنا لا يولدون ومثل هذه الفكرة متأصلة فيهم، مثلما أننا لم نولد وفكرة وجود العجلات متأصلة فينا، أو فكرة أن السفن المصنوعة من الصلب يمكن أن تطفو، أو فكرة أن الطائرات المصنوعة من الألومنيوم يمكن أن تطير. بالرغم من ذلك، فحين اكتشف مخترعو الأعداد أنه يمكن استخدام الكلمات للتمييز بين الكميات، مثل التمييز بين خمسة وستة، مكنهم ذلك من تأسيس طريقة جديدة للتفكير بشأن الكميات، وقد بدأ آخرون في استخدامها. ومن خلال ذلك الاستخدام انتشرت الأعداد.
مثلما سأوضح بقدر أكبر من التفصيل في الفصل الثامن، فإن حقيقة أن بعض البشر تمكنوا من اختراع الأعداد، يعود بشكل كبير إلى عوامل تتعلق بالتشريح. إن الفكرة البسيطة التي تتمثل في وجود كميات كبيرة محددة، وفي إمكانية تسميتها، قد تولدت بصفة عامة عن حقيقة وجود كميات تتكرر بانتظام أمام أعيننا تماما. إننا نمتلك خمسة أصابع في كل يد، وتقدم لنا الحياة دائما مجموعات متطابقة تتكون من خمسة عناصر لم نزود مسبقا بالقدرات الإدراكية اللازمة لتمييزها، مثلنا في ذلك مثل الحيوانات الأخرى. غير أن البشر قد تمكنوا مصادفة من إدراك هذا التناظر، ويبدو هذا التناظر واضحا للغاية، غير أن مجرد إدراك هذا التناظر البيولوجي، لا يؤدي بالضرورة إلى اختراع الأعداد؛ فمن الممكن ألا يتم تمييز الكميات، وحتى الأصابع الخمسة في كل يد، إلا بطريقة عابرة. بالرغم من ذلك، عند معرفة كلمة مثل «خمسة» ثم استخدامها بشكل مثمر لوصف كمية الأصابع في كل يد، فإن ذلك يؤدي إلى اختراع الأعداد. وهذا المسار التشريحي العام الذي يفسر اختراع الأعداد، يدعمه الكثير من البيانات اللغوية، مثل تكرار التشابه بين كلمة «خمسة» وكلمة «يد» في لغات العالم. (سنوضح هذه النقطة بالتفصيل في الفصل الثالث.)
Bilinmeyen sayfa