[chapter 1]
المقالة الأولى من كتاب أبقراط فى طبيعة الانسان
Sayfa 1
قال: أما من قد اعتاد أن يسمع من الكلام فى طبيعة الانسان شيئا خارجا مما يليق من الكلام فيها بالطب فليس يوافقه استماع هذا الكلام وذلك أنى لا أقول ان الانسان فى جملته من هواء ولا من نار ولا من ماء ولا من أرض ولا من شىء غير ذلك أصلا مما ليس يظهر مفردا فى الانسان الا أنى تارك من رأى أن يقول مثل هذا القول وانى أرى أن الذين يقولون هذا القول لم يصيبوا فيما رأوه وذلك أن جميعهم يستعملون معنى واحدا بعينه لكنهم ليس يدعون دعوى واحدة بل انما يجعلون حججهم فى معناهم حجة واحدة وذلك أنهم يزعمون أن الموجود شىء واحد وذلك هو الواحد وهو الكل الا أنه يخالف بعضهم بعضا فى الأسماء فبعضهم يقول ان ذلك الشىء الذى هو الواحد والكل هو الهواء وبعضهم يزعم أنه النار وبعضهم يزعم أنه الماء وبعضهم يزعم أنه الأرض ويأتى كل واحد منهم على قوله بشواهد ودلائل ليست بشىء وذلك أنهم يستعملون معنى واحدا بعينه من غير أن يدعوا دعوى واحدة فيدل ذلك منهم على أنهم لا يعلمون ما يأتون وقد تقدر خاصة أن تعلم ذلك اذا حضرتهم يناقض بعضهم بعضا فانك تجد قوما بأعيانهم يناقض بعضهم بعضا بين يدى قوم بأعيانهم ولا تجد واحدا منهم فى وقت من الأوقات يغلب بحجته ثلاث مرار ولكن تجدهم مرة يغلب هذا ومرة هذا وربما غلب الذى يتهيأ له منهم أن يبسط لسانه عند العوام بأكثر مما يبسط غيره لسانه على أنه يجب على من زعم أن قوله صواب أن يكون كلامه هو الغالب فى جميع الأوقات ان كان علمه بذلك الشىء الذى يدعيه علما صحيحا موجودا وحكمه يجرى على الصواب والأمر عندى فى هؤلاء القوم أنهم ينقضون قول أنفسهم بألفاظهم بسبب جهلهم ويصوبون قول مالسس
[chapter 2]
Sayfa 2
فأما الأطباء فزعم بعضهم أن الانسان من دم وزعم بعضهم أنه من مرار وزعم بعضهم أنه من بلغم وما يحتج به أيضا هؤلاء هو ما احتج به أولائك بعينه وذلك أنهم يقولون فى ذلك الشىء الذى يسميه كل واحد منهم باسم انه واحد وانه يستحيل ضرورة فى صورته وقوته من الحار والبارد ويصير أيضا حلوا ومرا وأبيض وأسود وسائر ما أشبه ذلك ولست أرى أيضا أن ما توهم هؤلاء على الصواب وأما أنا فأقول انه لو كان الانسان شيئا واحدا لما كان يألم أصلا وذلك أنه لو كان شيئا واحدا لما كان له شىء يؤلمه وان أنزلنا أنه كان يألم وجب ضرورة أن يكون ما يشفيه شىء واحد وأما الآن اذ قد نجد فى البدن أشياء كثيرة متى أسخن بعضها بعضا بخلاف المجرى الطبيعى أو برده أو جففه أو رطبه تولدت عنها أمراض فيجب من ذلك أن تكون أصناف الألم كثيرة وتكون أنحاء العلاج مختلفة كثيرة وأنا أسأل الذى يقول ان الانسان انما هو دم فقط وانه ليس هو شىء غير ذلك أن يرينيه بحال لا تختلف فيها صورته ولا ينوبه فيها جميع أنحاء التغيير أو يرينى وقتا من أوقات السنة أو من أوقات أسنان الانسان يظهر عندها فيه الدم وحده مفردا فقد يجب أن يكون وقت من الأوقات يوجد فيه الشىء الذى هو منه وحده مفردا وهذا قولى أيضا لمن زعم أن الانسان من بلغم ولمن زعم أنه من مرار وذلك أنى أنا أبين أن الأشياء التى أقول ان الانسان مركب منها توجد فيه فى جميع الأوقات متشابهة اذا كان طفلا واذا شاخ وفى الوقت الحار من أوقات السنة وفى الوقت البارد وأبين ذلك على الاصطلاح وعلى الطبيعة وآتى عليه بدلائل وشواهد اضطرارية بسببها يزيد فى البدن كل واحد من هذه وينقص
[chapter 3]
Sayfa 4
اما اول الأمر فقد يجب ضرورة أن يكون حدوث الكون لا من شىء واحد فكيف يمكن وهو واحد أن يولد شيئا آخر ان لم يخالطه شىء وليس يمكن أيضا أن يحدث الكون عن أشياء كثيرة الا أن تكون متفقة فى الجنس قوتها جميعا قوة واحدة وربما لم ننتفع أيضا بهذه الأشياء فى الكون وان لم يكن أيضا الحار عند البارد واليابس عند الرطب معتدلة بعضها بقياس بعض مساويا بعضها لبعض لكن كان الواحد منها يفضل على الآخر فضلا كثيرا والواحد أقوى والآخر أضعف لم يحدث الكون فكيف يستقيم أن يتولد عن الواحد شىء آخر ونحن لا نجده يتولد عن الكثير شىء اذا اتفق أن يكون امتزاج بعضها مع بعض على غير ما ينبغى فقد يجب ضرورة اذا كانت طبيعة الانسان كذلك وسائر الأشياء كلها ألا يكون الانسان شيئا واحد وأن تكون قوة كل واحد من الأشياء التى ينتفع بها فى كونه فى بدنه بالحال التى ينتفع بها ويجب ضرورة أن يعود كل واحد منها الى طبيعته اذا مات الانسان وانحل بدنه اليابس والرطب الى الرطب والحار الى الحار والبارد الى البارد وكذلك طبيعة الحيوان وسائر الأجسام كلها ويحدث كلها ويفنى على مثال واحد وذلك أن طبيعتها تحدث من جميع هذه التى ذكرنا وتعود الى جميعها وذلك أن كل شىء حدث عن شىء فالى ذلك الشىء يعود PageV01P00 5
[chapter 4]
وأما بدن الانسان ففيه دم وبلغم ومرة صفراء ومرة سوداء وهذه الأربع هى طبيعة بدن الانسان ومنها يكون سقمه وصحته وانما تكون صحته فى غاية الجودة اذا اعتدلت قواها وكمياتها وخاصة اذا كانت مختلطة بعضها ببعض وأما المرض فيحث اذا كان بعضها أقل من الباقية أو أكثر واذا انفرد بعضها ولم يكن مختلطا بالباقية فانه عند ذلك يضطر الى أن يمرض الموضع الذى خلا منه والموضع الذى صار الية لأنه يملأه ويمدده ويؤلمه فيمرض لذلك واذا انصب من هذه الأخلاط أيضا شىء ظاهر البدن انصبابا مفرطا عرض منه الوجع والضربان وان هو انصب الى داخل انصابا كثيرا فان الوجع من ذلك يكون على الضعف مما يكون عليه اذا كان انصبابا الى خارج على نحو ما قلنا فى الموضع الذى منه انفصل والموضع الذى اليه صار
[chapter 5]
Sayfa 6
وقد قلت انى أبين أن الأشياء التى أقول ان الانسان منها هى فى جميع الأوقات أشياء واحدة بأعيانها وانى أبين ذلك على الاصطلاح وعلى الطبع فأقول ان الانسان مركب من دم وبلغم ومرة صفراء ومرة سوداء وأول ما أقول فيها ان أسماءها تختلف على الاصطلاح حتى أنه ليس منها واحد يسمى باسم صاحبه ثم أقول بعد ذلك ان صورة كل واحد أيضا بالطبع بخلاف صورة الآخر فلا البلغم يشبه الدم فى شىء من الأشياء ولا المرار أيضا يشبه البلغم فكيف يمكن أن تتشابه أشياء مختلفة الألوان اذا رأيتها واذا لمستها أيضا بيدك لم تجد منها واحدا يشبه صاحبه فى الحرارة ولا فى البرودة ولا فى الرطوبة ولا فى اليبوسة فيجب ضرورة اذا كان بهذه الحال كلها من المخالفة بعضها لبعض فى صورتها وقواها ألا تكون شيئا واحدا اذ كان الماء والنار ليس هما شيئا واحدا وقد تقدر أن تعلم أن الأخلاط ليست شيئا واحدا لكن قوة كل واحد منها وطبيعته غير قوة صاحبه وطبيعته من هذه الأشياء أنك ان سقيت انسانا دواء يخرج البلغم وجدته يخرج منه بالقئ والاسهال البلغم وان سقيته دواء يخرج المرار وجدته يخرج منه المرار وان جرحت موضعا من بدنه حتى يحدث فيه جرح سال منه الدم وتجد ذلك كله يكون دائما فى كل حال نهارا كان أو ليلا أو صيفا كان أو شتاء ما دام يمكنه أن يستنشق الهواء ويخرجه بالتنفس الى أن يعدم أحد الأشياء التى حدثت مع حدوثه وذلك أنه يظهر أولا من أمر الانسان أن فيه جميع هذه ما دام حيا ثم من بعد حدوثه كان عن انسان فيه هذه كلها التى دكرتها وبينتها
[chapter 6]
Sayfa 8
والذين قالوا ان الانسان شىء واحد أراهم انما قالوا ذلك لهذا المعنى لما رأوا الذين يشربون الأدوية ويموتون بسبب افراط الاسهال عليهم وبعضهم يتقيأ مرارا وبعضهم بلغما توهم كل واحد منهم أن الانسان هو ذلك الشىء الذى وجده يموت اذا استفرغ من بدنه ومن قال أيضا ان الانسان دم انما قال ذلك لهذا المعنى لما رأى من ينحر ويجرى منه الدم يموت توهم أن الدم هو نفس الانسان وجميعهم يستشهد على صحة قوله بالأشياء التى قلت هذا على أنا لا نجد أحدا ممن أفرط عليه الاستفراغ بالقئ والاسهال ومات انما خرج منه المرار وحده لكن من شرب دواء يخرج المرار كان ما يسهله أو يقيئه أولا المرار ثم من بعده البلغم ثم يتقيأ بعد البلغم اذا اضطر الى ذلك المرار الأسود ثم انه بآخرة يتقيأ الدم النقى وكذلك يصيبه من الأدوية التى تستفرغ البلغم فان أول ما يتقيأه من شربها البلغم ثم من بعده المرة الصفراء ثم من بعدها السوداء ثم بآخرة الدم النقى وعند ذلك يموت وذلك أن الدواء اذا ورد البدن أسهل أولا الأشياء الملائمة لطبيعته مما فى البدن ثم يسهل بعد ذلك ويجتذب سائر الأخلاط وكما أن ما يغرس ويزرع اذا صار فى الأرض اجتذب كل واحد منه ما هو له طبيعى مما يجده فى الأرض وقد يوجد فى الأرض شىء حامض وشىء حلو وشىء مر وشىء مالح وغير ذلك من كل نوع كذلك الحال فى بدن الحيوان وأول ما يجتذب اليه وأكثره الشىء الذى هو أولى الأشياء بأن يكون له طبيعيا ثم انه يجتذب له سائر الأشياء وكذلك تفعل الأدوية فى البدن فان الذى يسهل منها المرار يخرج أولا المرة الصفراء الصرفة التى لا يخالطه شىء ثم يخرج بعد ذلك المرار الذى قد خالطه غيره والأدوية التى تسهل البلغم تسهل أولا البلغم الصرف ثم من بعده الذى قد خالطه غيرة والذين ينحرون أيضا يسيل منهم أولا دم فى غاية الحرارة وغاية الحمرة ثم يجرى منهم بعد ذلك دم بلغمى فاذا كان بآخرة جرى منه الدم الذى الغالب عليه المرار
[chapter 7]
Sayfa 10
والذى يكثر فى البدن فى الشتاء البلغم لأن طبيعة هذا الخلط أشبه بطبيعة الشتاء من جميع ما فى البدن وذلك أنه بارد جدا وتقدر أن تعلم أن البلغم بارد جدا بأن تلمس البلغم والمرة والدم فانك اذا فعلت ذلك وجدت البلغم باردا جدا هذا على أنه شديد اللزوجة جدا وخروجة من البدن فى أكثر الأمر بعد المرة السوداء يكون فسرا وكلما كان خروجه من البدن باستكراه كان أسخن الا أنه مع هذا قد يوجد باردا فى طبيعته والدليل على أن الشتاء يملأ البدن بلغما أن الناس فى هذا الوقت ينفثون ويستنثرون أشياء بلغمية ولون الأورام فى هذا الوقت خاصة يكون اللون الأبيض وسائر الأمراض العارضة فيه تحدث من البلغم وأما فى الربيع فيلبث أيضا البلغم فى البدن قويا ويكثر فيه الدم وذلك أن البرد يسكن والأمطار تتواتر وكثرة الدم تكون عن الأمطار وحر النهار فان هذين جميعا له بالطبع من السنة وذلك أن الدم فى طبيعته حار رطب والدليل على ذلك أن الناس فى الربيع والصيف يعرض لهم خاصة اختلاف الدم والرعاف وأبدانهم تكون شديدة الحرارة والحمرة وأما فى الصيف فيقوى فيه الدم ويكثر فى البدن المرار ويمتد ذلك الى الخريف فاذا كان فى وقت الخريف قل الدم وذلك أن مزاج الخريف مضاد لمزاج الدم بالطبع وأما المرار فيغلب فى البدن فى الصيف وفى الخريف والدليل على ذلك أن الناس فى هذا الوقت ينفثون المرار من تلقاء أنفسهم واذا شربوا أيضا أدوية استفرغتهم الأشياء التى المرار غالب عليها وقد تبين أيضا ذلك من الحميات ومن ألوان الناس وأما البلغم فيوجد فى الصيف فى غاية الضعف وذلك أن طبيعة هذا الوقت مضادة لطبيعة البلغم لأنها حارة يابسة وأما الخريف فيقل الدم فيه فى بدن الانسان وذلك أن الخريف يابس وفيه يبتدئ بدن الانسان يبرد وأما المرة السوداء ڡتكثر فى الخريف وتقوى فى الغاية واذا دخل الشتاء بردت المرة وقلت وتزيد البلغم بسبب كثرة الأمطار وطول الليل فكل هذه توجد فى بدن الانسان فى جميع الأوقات وأما بحسب انقلاب أوقات السنة بعضها الى بعض فربما كانت أكثر وربما كانت أقل كل واحد منها بحسب الجزء وبحسب الطبيعة وكما أن السنة يشترك فيها الكل بالكل فى الحار وفى البارد وفى اليابس وفى الرطب وذلك أنه لا يمكن أن يبقى شىء من الأشياء طرفة عين من غير جميع ما فى العالم لكن ان نفد منه شىء واحد بطل الكل لأن حدوث جميع الأشياء يكون عن أمر واحد ضرورى وكل ما فى العالم يمد بعضه بعضا كذلك أيضا بدن الانسان ان نفد منه شىء من الأشياء التى حدثت مع حدوثه لم يمكن أن يبقى حيا وأما السنة فيقوى فيها فى بعض الأوقات الشتاء خاصة وفى بعضها الربيع وفى بعضها الصيف وفى بعضها الخريف وكذلك أيضا بدن الانسان يقوى فيه فى بعض الأوقات البلغم وفى بعضها المرار أما أولا فالأصفر ثم من بعده الذى يسمى الأسود والدليل على ما قلت أنك ان سقيت انسانا واحدا بعينه دواء واحد بعينه أربع مرار فى السنة وجدته يتقيأ فى الشتاء أشياء بلغمية وفى الربيع أشياء رقيقة وفى الصيف أشياء من جنس المرار وفى الخريف أشياء الغالب فيها المرة والسوداء
[chapter 8]
Sayfa 13
فقد يجب اذ كانت هذه الأشياء كما وصفنا أن تكون الأمراض التى تكثر فى الشتاء تقل فى الصيف والتى تكثر فى الصيف تبلغ منتهاها فى الشتاء الا أن يكون انقضاؤها فى الأيام وانا تبين الأدوار من الأيام التى ينقضى فيها الأمراض فيما بعد وأما الأمراض التى تحدث فى الربيع فينبغى أن ترجو الخلاص منها فى الخريف والأمراض التى تحدث فى الخريف يجب ضرورة أن تتخلص منها فى الربيع والمرض الذى يتجاوز هذه الأوقات من السنة فينبغى أن تعلم أن من شأنه أن ينقضى فى السنين فقد ينبغى للطبيب أن تكون مقاومته للأمراض على مقدار غلبة كل واحد من هذه فى البدن بحسب الوقت الحاضر من أوقات السنة الذى هو له خاصة بالطبع
تمت المقالة الأولى من كتاب طبيعة الانسان لأبقراط PageV01P01 4
[chapter 9]
المقالة الثانية من كتاب طبيعة الانسان لبقراط
Sayfa 15
قال: وقد ينبغى أن نعلم مع سائر ما قلته هذه الأشياء أيضا وهى أن الأمراض التى تتولد عن الشبع يكون شفاؤها بالاستفراغ والأمراض الحادثة عن الاستفراغ يكون شفاؤها بالشبع والأمراض العارضة عن التعب يكون شفاؤها بالراحة والأمراض المتولدة عن الافراط فى الراحة يكون شفاؤها بالتعب وبالجملة فينبغى للطبيب أن يكون عالما بمقاومة الأشياء الحاضرة من الأمراض والأنواع وأوقات السنة والأسنان وما كان متمددا أرخاه وما كان مسترخيا مدده وشدده فان سكون العضو العليل يكون خاصة على هذه الصفة والطب عندى انما هو هذا وأما الأمراض فمنها ما يحدث عن التدبير ومنها ما يحدث عن الهواء الذى باستنشاقه نحيا وينبغى أن تتعرف كل واحد من هذين الجنسين من الأمراض مما أصف وهو أنه متى اعترض مرض واحد عدة كثيرة فى وقت واحد فينبغى أن توجب السبب فى ذلك لأعم الأشياء وأولاها بأن يكون جميع الناس يستعمله وذلك هو الهواء الذى نستنشقه فانه من البين أن تدبير كل واحد من الناس ليس هو السبب فى المرض اذا كان قد اشتمل على الكل شابهم وشيخهم واناثهم وذكوهم وشارب الخمر منهم وشارب الماء والمغتذى بسويق الشعير والمغتذى بالخبز ومن تعبه يسير ومن تعبه كثير فليس اذا التدبير هو السبب فى المرض اذا كان تدبير الناس مختلفا متصرفا على جميع انحائه ثم كان المرض الذى يحدث واحدا بعينه وأما متى كانت الأمراض التى تحدث فى وقت واحد مختلفة فبين أن التدبير الذى يستعمل كل واحد من أولئك الذين يمرضون هو السبب فى مرضه والعلاج انما ينبغى أن يكون بمقابلة السبب الفاعل للمرض كما بينت فى كتاب آخر وتغيير التدبير أيضا وذلك أنه من البين أن التدبير الذى قد جرت عادة الانسان باستعماله لا يوافقه اذا مرض بل هو يحتاج الى تغييره كلها أو أكثره أو واحد من الأشياء التى فيه وينبغى أن يكون تغييرك هذه الأشياء بعد ان تتفقدها نعما وتبحث عن سن العليل وعن طبيعة وعن الوقت الحاضر من أوقات السنة وعن حال المرض ثم تقصد لعلاجه بأن تحذف بعض ما كان يتدبر به وتزيد فيه شيئا آخر كما قلت فيما تقدم ان استعمال الأدوية والتدبير ينبغى أن يكون بحسب كل واحد من الأسنان وكل واحد من أوقات السنة وكل واحد من الطبائع وكل واحد من الأمراض ومتى وفد على الناس مرض واحد وبين أن السبب فى حدوثه ليس هو التدبير لكن الهواء الذى نستنشقه اذا كان ممرضا فينبغى أن توصى الناس فى ذلك الوقت بهذة الوصايا وهى ألا يغيروا تدبيرهم اذا كان السبب الفاعل للمرض ليس هو التدبير وتتفقد البدن ألا يقضف جدا ويضعف ضعفا شديدا وانقص من الأطعمة والأشربة التى جرت العادة باستعمالها قليلا قليلا وذلك أنك متى نقلت التدبير الى الضد بغتة لم تأمن أن يحدث على البدن بسبب ذلك الانتقال أمر جديد لكنه ينبغى أن يكون تدبيرك لهم التدبير الذى لا يدخل على البدن منه ضرر وأذى وأما الهواء فاقصد أن يكون ما يداخل البدن منه أقل ما يكون وأشده مضادة للهواء الحاضر بأن تغير المواضع التى حدث فيها على العليل المرض بقدر الطاقة وتهزل البدن فان الناس اذا فعل بهم ذلك قل ما يحتاجون الى استنشاق من الهواء جدا
[chapter 10]
وما كان حدوثه من الأمراض عن أقوى أعضاء البدن فهو أصعب الأمراض وذلك أنه يجب ضرورة ان لبث فيه المرض أو ابتدأ منه أن يتأذى منه جميع البدن اذا كان أقوى الأعضاء الذى فيه قد ناله الضرر ومتى انتقلت الأمراض من أقوى الأعضاء الى أضعفها كان انحلا لها عسرا ومتى انتقلت من أضعف الأعضاء الى أقواها كان انحلا لها سهلا وذلك أن ما ينصب الى هذة الأعضاء لقوتها يندفع عنها بسهولة
[chapter 11]
Sayfa 18
والعروق الغلاظ التى فى البدن منشأها على هذه الصفة وهى أربعة أزواج أحدها يبتدئ من مؤخر الرأس وينحدر على الرقبة من خارج ويمتد على جنبى عظم الصلب الى أن يبلغ الى الوركين والرجلين ثم ينحدر من هناك الى الساق الى أن يبلغ الى الكرسوع والقدمين من خارج فقد ينبغى لمن أراد فصد العروق فى اوجاع الصلب والأوراك أن يفصد العرق الذى يظهر تحت الركبة والعرق الذى على الكرسوع من خارج وأما الزوج الثانى فيبتدئ من الرأس وينحدر على جانب الأذنين على الرقبة من داخل ويمتد على جنبى عظم الصلب ويسمى هذان العرقا الأوداج الى أن يبلغ الى الخواصر ثم ينقسم من هناك فى الانثيين والأفخاذ ويمتد أيضا على الجانب الداخل من مأبض الركبة ثم على الساقين الى أن ينتهى الى الكرسوع والقدمين من داخل فقد ينبغى لمن أراد فصد العرف فى أوجاع الخاصرتين والأنثيين أن يفصد العرف الذى يظهر تحت الركبة والعرف الذى على الكرسوع من داخل وأما الزوج الثالث فيبتدئ من الأصداغ وينحدر على الرقبة تحت الأكتاف ثم يصير من هناك الى الرئة ويمتد العرق منه فى الجانب الايمن الى الجانب الأيسر تحت الثدى الى أن يصل الى الطحال والكلية اليسرى ويمتد العرق الذى فى الجانب الأيسر من الرئة الى الجانب الأيمن تحت الثدى الى أن يصل الى الكبد والكلية اليمنى وأطراف هذين العرقين تنتهى عند طرف المعاء المستقيم وأما الزوج الرابع فيبتدئ من مقدم الرأس من ناحية العينين ويمتد على الرقبة والترقوتين من داخل ثم يصير من هناك ممتدا على العضد الى المأبض من كل واحدة من اليدين ثم من هناك الى الساعدين والكفين والأصابع ثم يمتد من الأصابع أيضا على الذراع الى المأبض ويمتد على الجانب الداخل من العضد الى الابط ثم يمر على الأضلاع من خارج فيأتى عرق واحد منه الى الطحال والعرق الآخر الى الكبد ثم يمتد على البطن من خارج الى أن ينتهى الى الفرج وهناك ينقضى فعلى هذا يكون منشأ العروق الغلاظ وفى البدن أيضا عروق أخر كثيرة مختلفة فى الجنس منشأها من البطن تؤدى الغذاء الى جميع البدن وقد يصير أيضا الدم من العروق الغلاظ الى جميع البدن ويتأدى من العروق التى فى ظاهر البدن والعروق التى فى باطنه بعضها الى بعض فيصير من العروق التى من خارج الى التى من داخل ومن التى من داخل الى التى من خارج وليكن فصدك العروق على حسب هذا القول وقد ينبغى أن تحتال أن يكون الفصد من أبعد المواضع من الأعضاء التى من شان الوجع أن يعرض فيها ويجتمع فيها الدم فانك اذا فعلت ذلك كانت الاستحالة العظيمة الى الضد بغتة أقل ما يمكن أن يكون جدا والانتقال الى ما جرت به العادة حتى لا يجتمع أيضا فى ذلك الموضع ما كان يجتمع اليه
[chapter 12]
Sayfa 21
جميع ما ينغت مدة كثيرة من غير أن يكون به حمى ومن يرسب فى بوله مدة كثيرة من غير أن يكون به وجع ومن برازه دموى بمنزلة من به قرحة فى الأمعاء متقادمة اذا أتت عليهم خمس وثلاثون سنة أو أكثر من ذلك يعرض لهم هذه الأمراض من سبب واحد بعينه وذلك أنه يجب أن يكون هؤلاء أصحاب أعمال يحبون التعب وأصحاب فلاحة فى حداثتهم فاذا كان بعد ذلك واستراحوا من أعمالهم تزيد اللحم منهم وما زاد عليهم حينئذ يكون لحما لينا لا يشبه اللحم الذى كان قبله ويكون البدن الذى اقتنوه الآن مباينا جدا للبدن الذى كان لهم قبل ذلك فتكون حالهم غير متشابهة فاذا أصاب من كانت هذه حاله مرض من الأمراض تخلص منه بسرعه الا أن بدنه بعد مرضه يذوب على طول الزمان وينصب من العروق التى فيه الى الموضع خاصة منه الذى فيه قضاء صديد فاذا صار ذلك الصديد الى الأمعاء جعل البراز قريبا مما فى البدن ولأن طريقة من هناك منحدر الى أسفل لا يقف فى الأمعاء مدة طويلة فأما ما ينصب منه الى الصدر فيحدث جمع المدة ولأن طريقه الى فوق يجب أن تطول مدته فى الصدر فيعفن ويصير بمنزلة المدة وأما الذى ينصب منهم الى المثانة فيبيض لونه ويتغير والسبب فى ذلك حرارة الموضع وما كان منه سخيفا طفا فى أعلاها وما كان منه غليظا رسب فى أسفلها وهو الذى يسمى مدة وقد يحدث أيضا للصبيان الحجارة بسبب حرارة هذا الموضع وجميع البدن وقد ينبغى أن تعلم أن الانسان فى أول أيامه حار جدا من ذاته وفى آخر أيامه فبارد جدا وذلك أنه يجب ضرورة اذا نشأ البدن وسار نحو ما يكون قسرا أن يسخن وذلك أن البدن اذا ابتدأ يذبل عند انحطاطه وتوليته يصير أشد بردا وبحسب كثرة نشوء الانسان فى أيامه الأول تكون شدة حرارته فان كان فى آخر أيامه وجب ضرورة أن تكون شدة برده بحسب كثرة ذبولة وأكثر من كانت هذه حاله يصح من تلقاء نفسه اذا جاوز الوقت من السنة الذى منه يبتدئ بدنه يذوب أو فى خمسة وأربعين يوما فان جاوز هذا الوقت صح بدنه من تلقاء نفسه فى سنة الا أن يخطئ الانسان على نفسه
[chapter 13]
التقدم بالقضية فى جميع الأمراض المتولدة فى زمان يسير التى أسبابها معروفة موثوق بها جدا وينبغى أن تجعل علاجك لها بمقابلة السبب المحدث للمرض فانك اذا فعلت ذلك بطلت العلة المولدة للمرض
[chapter 14]
Sayfa 23
من يرسب فى بوله شبيه بالرمل أو حصى فانه انما أصابه أولا جراح عند العرق الغليظ ثم تقيح ثم لما لم ينفجر ذلك الجراح سريعا تعقدت تلك المدة فصارت حجرا ويندفع ذلك الحجر الى خارج من العروق مع البول الى المثانة من بال بولا دمويا فقط فعروقه نقية من خرج فى بوله وهو غليظ قطع لحم صغار شبيه بالشعر فينبغى أن تعلم أن ذلك من كلاه من خرج فى بوله وهو صاف فى بعض الأوقات شبيه النخالة ففى المثانة جرب
[chapter 15]
Sayfa 24
أكثر الحميات تتولد عن المرار وأصنافها أربعة خلا التى تحدث مع أوجاع معلومة وتعرف بالدائمة والنائبة فى كل يوم والغب والربع والحمى التى تعرف بالدائمة تحدث عن مرار صرف كثير جدا وبحرانها يكون فى مدة يسيرة جدا وذلك أن البدن اذا كان لا يتروح منها فى وقت من الأوقات يذوب بسرعة لأن سخونته تكون عن حرارة مفرطة وأما النائبة فى كل يوم فتكون عن مرار كثير جدا مع الحمى الدائمة وانقضاؤها أسرع من انقضاء سائر الحميات ومدتها أطول من مدة الحمى الدائمة بحسب قلة المرار الذى تتولد عنه ولأن البدن أيضا فيها يستريح وأما الدائمة فليس يستريح البدن فيها ولا مدة يسيرة وأما الغب فأطول من النائبة فى كل يوم وحدوثها يكون عن مرار أقل وبحسب طول مدة سكون البدن فى الغب على النائبة فى كل يوم طول مدة الغب على النائبة فى كل يوم وأما الربع فحالها فى سائر الأشياء هذه الحال الا أنها أطول من الغب بحسب قلة المرار المهيج فيها للحرارة وتروح البدن فيها أكثر منه فى سائر الحميات وقد يزيد فيها بسبب المرة السوداء شى آخر فان الخلاص منها يعسر وذاك أن المرة السوداء فى جميع ما فى البدن لزجة جدا وثباتها طويل جدا والدليل على أن المرة السوداء تشترك فى حدوث حميات الربع أن الناس قد يعرض لهم هده الحمى فى الخريف خاصة ومن الأسنان فى السن الذى من خمسة وعشرين سنة الى خمسة وأربعين سنة والمرة السوداء فى هذا السن أكثر منها فى سائر الأسنان ومن أوقات السنة فى الخريف وأما من تصيبه الربع فى غير هذا القوت من أوقات السنة وفى غير هذا السن فقد ينبغى أن تعلم أن مدتها لا تطول الا أن يخطئ العليل على نفسه
Sayfa 26
تمت المقالة الثانية من كتاب طبيعة الانسان لبقراط
Bilinmeyen sayfa