وكأن رأسك طائر أصفر
وقد تناقضت علاقة الشاعرين بوالبة، فأبو العتاهية يهجوه؛ لأنه مثله في عقدة نفسه وأبو النواس يألفه؛ لأنه مثله في محاولة الخلاص من شبهة نسبه.
ونعتقد أن أبا نواس إنما تشبث بالكنية وترك اسم أبيه فرارا من هذا النسب المدخول، فهي مناط الدعوى عنده، ولم يكن نسبه الصحيح إلا مسبة له من السفلة والعلية على السواء.
كانت الجارية عنان تريد النكاية به فتذكر له اسم أمه جلبان، وكان الخليفة الأمين يسبه فيذكر له اسمها الآخر «شحمة»، وكان أبان ومن لف لفه من الشعراء يهجونه، فيسمون أباه «هنيا» أو النساج المتستر على حريمه وما شاكل ذلك من المثالب، التي كان يعيى الجواب عنها على تعجله بالهجاء حين يشاء، فلا جرم تساوره العقدة فلا يجد لها حلا في غير الإدمان.
لماذا يشرب الخمر؟
وللمؤرخ النفسي أن يكتفي بما تقدم للإبانة عن شدة اهتمام العصر بالنسب، وشدة اهتمام أبي نواس به في عشرته لكل طبقة من طبقات المجتمع الذي احتواه، إلا أننا نرى على الدوام أن ديوان الشاعر أصدق ترجمة لحياته الباطنية، ويصدق هذا على أبي نواس كما يصدق على سائر الشعراء المطبوعين، وهو أصدق ما يكون على خمرياته التي تفيض بدلائل العقدة النفسية، ومركب النقص الذي يساوره من انتسابه إلى كل من أبويه.
فهو يشرب الخمر؛ لأنها شراب الملوك أو الشراب العريق الذي عاش مع أجداد الأكاسرة والقياصرة، وقبل مدار النجوم:
تحيرت والنجوم وقف
لم يتمكن بها المدار
وهو يستريح إلى شربها حيث لا فخار بالآباء والأجداد بين الندامى الذين يهابونه ويتذللون بين يديه:
Bilinmeyen sayfa