قالت ريحانة: «أظنك تعني أن ترسل المال إليه؟»
قال: «المال وغير المال. كما تشاء.»
فقطعت جلنار حديثهما قائلة: «فهمت، ولكن ...» ونظرت في وجه ريحانة كأنها تستطلع رأيها في أمر واحد لا تريد التصريح به بين يدي الضحاك، فأدركت ريحانة شيئا في خاطرها فنهضت وهي تقول: «أظنك يا مولاتي تعبت من السهر.»
ففهم الضحاك مرادها، فنهض وحنى رأسه ويداه على صدره كأنه يستأذن مولاته في الذهاب، وقال: «إني رهين ما تأمرينني به ولو كان طريقي إلى مرضاتك على أسنة السيوف.» قال ذلك وخرج.
الفصل الخامس عشر
الهدية
فسرت جلنار بذلك ونهضت ومشت نحو غرفتها وهي تسترق الخطى مخافة أن يسمع وقع قدميها. أما ريحانة فإنها أطفأت السراج وسارت في أثرها حتى وصلتا إلى غرفة جلنار، فدخلتا وتوسدت جلنار فراشها وتغطت باللحاف والتفت بالمطرف؛ دفعا لما أحست به من البرد في أثناء مرورها في الرواق، وجلست ريحانة بين يديها وقد لفت رأسها وحول عنقها بالشال. فلما استقر بهما المقام قالت ريحانة: «قد فهمت اعتراضك يا مولاتي.»
قالت: «فما رأيك؟ ألا ترين أني أواجه مشكلة صعبة؟»
قالت ريحانة: «إذا كنت محقة في ظني، فالمشكلة على صعوبتها لا نعدم وسيلة لحلها.»
فقطعت جلنار كلامها قائلة: «وكيف نستطيع الحل؟ وأراني كحجر بين مطرقتين. إن والدي من جهة قد وعد بزواجي من ابن الكرماني، وسأزف قريبا إليه، وأرى نفسي من جهة أخرى مقيدة القلب (وتنحنحت وبلعت ريقها حياء) وأنا مع ذلك لا أدري إذا كانت المحبة متبادلة! فكيف أتخلص من أمر والدي؟ وماذا يكون أمري إذا لم تكن المحبة متبادلة؟!» قالت ذلك وشرقت بريقها، واحمرت وجنتاها، أو زادتا احمرارا؛ لأن وجهها كان قد تورد من الدفء وإعمال الفكرة. ولحظت ريحانة في عينيها دمعتين تترددان بين المآقي، فتأثرت لحالها، وشعرت بخطر موقفها، فبادرت إلى التخفيف عنها فقالت: «أما ابن الكرماني فليس أمره مهما؛ لأنك لو زففت إليه من الغد، فبقاؤك عنده لا يكون إلا بانتصاره على أبي مسلم، فإذا انتصر عليه، فأبو مسلم لا يليق بك، وأما إذا كانت الغلبة لأبي مسلم، فأنت له لا محالة؛ لأنه يستولي على كل ما هو للكرماني. وإذا كنت تكرهين هذا العريس وترومين بعده؛ فلك من حكمتك وحسن أسلوبك ما يضمن بقاءك عنده مدة طويلة وأنت مصونة كأنك في بيت أبيك .»
Bilinmeyen sayfa