فوقف الضحاك وتناول الكيس بأطراف أنامله، ثم تركه فسقط على الأرض فخشخش، فأسرع إبراهيم فالتقطه وهو يقول: «أليس هذا كيسك؟»
قال وهو يضحك: «لا أعرفه إلا في النور. بالله ألا أضأت شمعة؟»
فقال: «تعال ننظر إليه في ضوء القمر.» قال ذلك وأمسكه بيده وأراد إخراجه، فإذا هو ثابت في مكانه كالشجرة المغروسة لا يتزحزح، فقال له: «إذا كنت تظن أن نقودك قليلة فأنا أزيد منها.»
فنظر إليه وهو يحني رأسه كالساجد وقال: «ولكنني لا آخذ إلا نقودا يوسفية.»
فلما سمع إبراهيم قوله خفق قلبه؛ لأن ضميره بكته وتصور أن ذلك الأبله مطلع على أسراره - والمجرم يخاف من خياله ويحسب أن عناصر الطبيعة ترقب أعماله - ولكنه عاد إلى عقله واستبعد اطلاع ذلك الأبله على سره، وقال: «هي نقود يوسفية. نعم.»
قال: «ألم تبدلها بعد؟» وضحك.
فتحقق إبراهيم من أن الضحاك مطلع على كل شيء من أمره، وربما كان قادما إليه بدسيسة، ولكنه عمد إلى المغالطة وأراد إخراجه من الغرفة ليبعده عن مكان الشبهة فلم يستطع، فقال له: «تفضل اجلس.» وهو يتوهم أنه سيخالفه فيخرج، فإذا هو قد جلس على الأرض وأمسك بيد إبراهيم وأجلسه، فجلس وهو لا يدري ماذا يعمل، وقد خشي ذلك الأبله فأطاعه؛ ليرى ما يبدو منه. والغرفة لم تكن في ظلمة حالكة؛ لأن ضوء القمر كان قد نفذ إليها من الباب، وكانت الأكياس والنقود ظاهرة لأقل تأمل، فالتفت الضحاك نحوها وقال: «هل أساعدك في جمع هذه الأكياس؟ وهل أمحو عنها لفظة «يوسفية»، وأكتب لك مكانها «حجاجية»؛ فإن ذلك أولى من ظهور الخيانة؟»
فاقشعر بدن إبراهيم عند ذلك التصريح وقال له: «قل لي بالله من أنت؟ وما غرضك؟ فإنك لست أبله كما تتظاهر. من أنت؟»
فقال له: «أنا الضحاك. ألا تعرفني؟ وهذه عمامتي، وهذه جبتي، وهذه نعالي، ثم ماذا؟»
فقال: «لا تخدعني بالمزاح. صرح لي بالحقيقة ولك مني ما تشاء.»
Bilinmeyen sayfa