قالت: «إني لا أفعل إلا ما تأمرني به، لكنني لا أثق بفوز هذا الأمير. وقد رأيتك لما بعث نصر بن سيار؛ أمير تلك المدينة، يطلبني منك لابنه، لم تجبه مع أنه صاحب حكومة خراسان.»
قال: «وهذا يدلك على إعزازي لك وسعيي في راحتك؛ لأن نصرا هذا لا يلبث أن يغلب على ما في يده، ويخرج من هذه البلاد مدحورا؛ لضعف حاميته، وانحطاط دولة بني أمية على الإطلاق. وقد أصبح أهل خراسان كافة ناقمين عليها بعد ما ظهر لهم من إيثارها العرب على الفرس، ومطالبتهم بالضرائب الفادحة بغير حق، حتى طلب عمالها الجزية من المسلمين على غير القواعد المرعية في الإسلام.»
قالت: «لا أجهل استبداد هذه الدولة، ولكنها لا تزال في اعتباري أقوى من رجال لا دولة لهم ولا حكومة؛ كابن الكرماني؛ فإنه أشبه برجل ثائر على حكومته، وشأنه في ذلك شأن جماعة الخوارج الذي يجتمعون على الدولة ثم يتفرقون ويقتلون، وآخرهم شيبان الذي رأيناه بالأمس محاصرا لمرو. وزد على ذلك أن ابن الكرماني ليس معه من الأحزاب إلا القبائل اليمنية من العرب، وأما سائر القبائل المضرية فهم مع نصر بن سيار - وربما كانوا في قوة اليمنية أو زادوا عليها - وهل نسيت حزب الشيعة القائم الآن في بني العباس وإمامهم إبراهيم بن محمد. ألم نكن نحن في جملة الفرس الذين عاهدوا دعاة العباسية على نصرتهم وأكثر أحزابهم من أهل خراسان؟»
قال: «صدقت، نحن عاهدنا الشيعة وساعدناهم، ولكن يظهر لي أنهم يقولون ولا يفعلون؛ فقد مضى عليهم عدة أعوام منذ دعونا إلى نصرتهم سرا، فمددناهم بالأموال مرارا، ولكنهم لا يزالون إلى الآن يتكتمون. وأما ابن الكرماني هذا، فإنه جمع الجند ولا يلبث أن يستولي على مرو، وإذا هو فتحها أصبح أمير خراسان ، ثم يفتح سواها وتصير له دولة قوية تقوم مقام دولة بني أمية. وأكبر شاهد على ذلك أنه تغلب بالأمس على الحارث بن سريج وقتله وشتت جنده، ثم انتصر على مرو وفر نصر منها، وهو لا يزال فارا؛ فابن الكرماني صاحب الأمر والنهي الآن؛ فأطيعيني وأنت الرابحة. وإذا كان الأمير صهرنا، فيكون لنا النفوذ الأعظم، وتكونين أنت أميرة خراسان كلها. ومع ذلك، فإني قد وعدته بك من قبل، وبعث إلي بالمهر مع الرسول.»
فسكتت جلنار وأطرقت، فظن أبوها أن سكوتها دليل على الموافقة، وأراد أن يثبت ذلك فصفق، فجاءه أحد الغلمان، فقال: «آتوني بالضحاك العربي.»
الفصل الخامس
الضحاك
ولم يمض قليل حتى جاء الرجل؛ وكان طويل القامة، رقيق البدن، محدودب الظهر قليلا بسبب طوله، وكان لا ينفك ضاحكا لغير سبب بما يشبه البله، وكان يعتم بعمامة كبيرة جدا مع صغر وجهه، وغور عينيه وصغرهما، وخفة شعر لحيته وشاربه، فيصير منظره مضحكا، ولا يكلمه أحد إلا أضحكه. وكان قد دخل في حوزة الدهقان على سبيل البيع فاشتراه من بعض تجار الرقيق. وقد احتفظ به؛ لأنه عربي. وكان يندر أن يباع العرب بيع الرقيق في تلك الأيام. وقد أعجبه ما كان فيه من خفة الروح، فكان كثيرا ما يدعوه ويسأله بعض الأسئلة عن العرب، فيجيبه عنها إجابة خبير، ويخلط الجد بالهزل. فلما أنس الدهقان في ابنته الانقباض في تلك الليلة أراد أن يفرج عنها فاستقدمه. فلما دخل ألقى التحية، ثم غمز عمامته فانحرفت إلى جانب رأسه، فأصبحت بكبرها وانحرافها ذات منظر غريب، والضحاك مع ذلك يضحك ويقهقه بلا سبب ظاهر.
فلما رأته جلنار ضحكت؛ لأنها كانت تستأنس به كثيرا، وكانت تتوقع أن تستخدمه في بعض مصالحها لما تحققته من جده في معرض المزاح، فقال الدهقان: «متى يثبت سلطان بني أمية في خراسان؟»
فأجاب على الفور: «متى شاب الغراب يا مولاي!»
Bilinmeyen sayfa